الأحد مايو 19, 2024
مقالات

الهيثم زعفان يكتب: أمريكا وأزمة تمويل حرب غزة

مع نجاح كتائب عز الدين القسام في استدراج قوات الكيان الصهيوني البرية -ومن يعاونهم- إلى داخل غزة وإيقاعهم في الفخ العسكري المحكم، أدركت الولايات المتحدة الأمريكية أنها أمام «حرب استنزاف طويلة الأمد» محكوم على قواتهم فيها بـ«الإعدام» وعلى معداتهم بـ«التدمير»، بعد أن فشل الكيان الصهيوني وأعونه في أمريكا وأوروبا في تحقيق خطتهم بتهجير الفلسطينيين إلى مصر، وذلك بسبب فضل الله ونصره أولاً، ثم بسبب صمود شعب غزة رغم القصف العنيف والعدوان الوحشي، ثم بسالة المقاومة الفلسطينية وما حققته من خسائر موجعة في صفوف العدو، ثم صلابة الموقف المصري الصارم ضد عملية التهجير الظالمة.

وبالتالي فأمريكا وأوروبا بالتقديرات العسكرية بدأوا يدركون أنهم أمام معركة قد تمتد لأشهر أمام مقاوم شرس يحارب بعقيدة صلبة وقتال محترف ولا يعرف المداهنة، ولا يخضع للمساومات السياسية والإغراءات الدنيوية، ومن ثم أصبح السؤال المطروح بقوة الآن هو: «من سيدفع فاتورة حرب غزة؟»، «ومن سيمول مستلزمات المعركة المستمرة ويدفع ثمن الأسلحة ونفقات الدعم اللوجستي؟»، «ومن سيعوض الخسائر والتداعيات المالية للمعركة فضلاً عن توقف عجلة الإنتاج وتوليد الأموال؟».

فأمريكا لا تدخل حرباً خارج حدودها لصالح الغير إلا إذا كان هناك «راع» أو على الأقل «مساهم مالي كبير» لتلك الحرب، وراجعوا دفاتر فواتير حروب أمريكا الخارجية في العقود الأربعة المنصرمة.

وهذا الراعي غائب في حرب غزة وبالتالي فأمريكا أمام أزمة مالية فعلية في تمويل الحرب ومن أبرز الشواهد على تلك الأزمة المالية أن الرئيس الأمريكي «بايدن» طلب من الكونجرس ومجلس الشيوخ الموافقة على تخصيص مبلغ «106 مليار دولار» كدعم «طارئ وعاجل» لدعم «حرب الكيان الصهيوني وحرب أوكرانيا» لكن الأصوات الأمريكية المعارضة لهذا الدعم الضخم قوية، وتتعلل بأن «ديون أمريكا تخطت 33 تريليون دولار» واعتماد مالي بهذه الضخامة «106 مليار دولار» في ذلك التوقيت الحرج سيؤثر حتماً على الوضع المالي الداخلي المهتز للولايات المتحدة الأمريكية.

إضافة إلى أن «طول أمد المعركة الحربية الاستنزافية» سيجعل تلك المطالب المالية العاجلة لصالح الكيان الصهيوني متكررة وكبيرة، وهو استنزاف مالي لا يمكن أن تتحمله الخزانة الأمريكية ولا المواطن الأمريكي ولا الاقتصاد الأمريكي، ومن ثم فإن معظم التوقعات الأمريكية تتجه إلى رفض تلك الاعتمادات المالية العسكرية الضخمة، وحينها سيجد الرئيس الأمريكي بايدن نفسه أمام أزمة فعلية في تمويل الحرب على غزة، وسيجد أنها ليس لها مخرج إلا وضع خطة الانسحاب على الطاولة، والإقرار بفشل صفقة القرن.

في الحقيقة؛ ومع بداية معركة السابع من أكتوبر المباغتة حاولت أمريكا اللعب بورقة إيران وأذرعها في اليمن ولبنان والعراق من أجل «نصب فخ» تقوم من خلاله بابتزاز واستنزاف المال الخليجي والحصول على تمويل ظاهره مدافعة إيران وباطنه تمويل حرب غزة، لكنني أحسب أن هذا «الفخ» أدركته دول الخليج وإيران على حد سواء، وحتى أمريكا نفسها مع طول معركة غزة الاستنزافية غير المتوقع بدأت تشعر بخطورة تلك الورقة، فورقة إيران على طول الخط لها حدود لا تخرج فيها عن دائرة التلويح وبعض الألعاب النارية، لكن الأمر هذه المرة جدي وخروجه عن السيطرة يعني حرباً إقليمية مع «الهدف الخطأ»، ودول الخليج رغم إدراكها للخطر الإيراني لكن تقديرها للأمور أن أي دولار سيدفع لأمريكا الآن في ظل «معركة غزة القائمة» امتثالاً للخوف من التهديد الإيراني المزعوم سيكون بمثابة «معرة» ستلاحق الأنظمة العربية لقرون قادمة، وهو أمر أحسب أن الأنظمة العربية باتت تدركه تماماً، وستعيد في ضوئه ترتيباتها في التعامل مع التهديد الإيراني، دون الوقوع في الفخ الأمريكي لاستنزاف المال العربي من أجل إنقاذ أزمة تمويل الحرب على غزة.

وحتى إيران فقرار الدخول في حرب مفتوحة الآن ليس على طاولة ساستها لاعتبارات استراتيجية وطموحات توسعية يطول شرحها. 

ليبقى في الأخير التساؤل الوجيه وهو لماذا لا يمول المليارديرات من يهود العالم تلك المعركة وينقذون الكيان الصهيوني؟.

أقول: اليهودي مراب محترف، ولا يرمي ذهباً أو فضة في صندوق إلا إذا كان يعلم أن هذا الرمي سيجلب له أضعافاً مضاعفة، حتى في أوقات الحروب، فهذه طبيعته، وهؤلاء المليارديرات أذكياء ولديهم بعض المستشارين الأوفياء، وقد أدركوا أن الحرب خاسرة وأن الاستنزاف مستمر وضخم، وأن «زوال الكيان الصهيوني أصبح مسألة وقت يقصر بطول الاستنزاف»، ومن ثم فإن السؤال الاستراتيجي المطروح لديهم الآن، والمطروح كذلك في كافة أروقة أجهزة المخابرات العالمية، ودوائر صنع القرار الغربية والشرقية ومراكز التفكير المعاونة هو:

 كيف سيتعامل العالم مع الشرق الأوسط والعالم الإسلامي بعد زوال الكيان الصهيوني؟.

Please follow and like us:
الهيثم زعفان
كاتب وباحث متخصص في القضايا الاجتماعية والاستراتيجية؛ رئيس مركز الاستقامة للدراسات الاستراتيجية، مصر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

قناة جريدة الأمة على يوتيوب