كشفت مصادر مطلعة أن الولايات المتحدة استخدمت ما يقارب ربع مخزونها من صواريخ “ثاد” الاعتراضية خلال حرب استمرت 12 يوماً بين إسرائيل وإيران في يونيو الماضي. وتم إطلاق أكثر من 100 صاروخ اعتراض أميركي من نظام “ثاد” بهدف التصدي لموجات من الصواريخ الباليستية الإيرانية التي استهدفت إسرائيل، وسط تصعيد عسكري غير مسبوق.
وفقاً للتقديرات، ربما ارتفع عدد الصواريخ المستخدمة إلى 150، ما شكل ضغطاً هائلاً على مخزون الولايات المتحدة من منظومة الدفاع الجوي المتطورة. وتم نشر بطاريتين من أصل سبع بطاريات “ثاد” أميركية في إسرائيل، حيث لعبتا دوراً محورياً في حماية الأهداف الحيوية من الضربات الإيرانية.
أثار هذا الاستنزاف السريع لمخزون صواريخ “ثاد” قلقاً واسعاً في الأوساط العسكرية الأميركية، نظراً لتباطؤ الإنتاج مقابل الاستهلاك الكبير. إذ أنتجت الولايات المتحدة 11 صاروخاً فقط في عام 2024، ومن المتوقع إنتاج 12 صاروخاً آخر فقط خلال السنة المالية الحالية، بحسب بيانات وزارة الدفاع.
وقال خبراء ومسؤولون عسكريون سابقون لشبكة “سي إن إن” إن هذا التراجع في المخزون يهدد الجاهزية الدفاعية الأميركية، لا سيما في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية مع دول مثل الصين وكوريا الشمالية، واحتمالية اندلاع صراعات إقليمية مفاجئة.
المتحدث باسم البنتاغون، كينغسلي ويلسون، أكد أن الجيش الأميركي لا يزال في أقوى حالاته، مشيراً إلى أن “الولايات المتحدة قادرة على تنفيذ المهام العسكرية في أي مكان وزمان”. لكنه شدد في الوقت ذاته على أهمية مراجعة مستويات الذخيرة وتعزيز الإنتاج.
وأشار تقييم استخباراتي إلى أن الضربات الأميركية على منشآت نووية إيرانية لم تدمر البنية التحتية الحيوية للبرنامج النووي الإيراني، بل أخرت تقدمه لأشهر فقط. ومع ذلك، تقول وكالة الاستخبارات المركزية إن البرنامج “تعرض لأضرار كبيرة”.
يُعد نظام الدفاع الجوي “ثاد” (THAAD) من أكثر الأنظمة تطوراً في الترسانة الأميركية، وهو قادر على تدمير الصواريخ الباليستية القصيرة والمتوسطة المدى داخل وخارج الغلاف الجوي. تتألف كل بطارية من 6 منصات إطلاق، و48 صاروخ اعتراض، ويعمل عليها 95 جندياً. وتنتج شركة “لوكهيد مارتن” هذه الصواريخ، بتكلفة تقترب من 12.7 مليون دولار للصاروخ الواحد.
تخطط وزارة الدفاع الأميركية للحصول على 37 صاروخاً إضافياً في عام 2026، جزئياً بتمويل من مشروع قانون الدفاع الوطني. ويؤكد خبراء عسكريون ضرورة مضاعفة هذه الأرقام لضمان تأمين الجبهات في الشرق الأوسط والمحيطين الهندي والهادئ.
قال مسؤول عسكري سابق إن استهلاك 25% من صواريخ “ثاد” في حرب واحدة يعتبر “جرس إنذار” يجب أن يُؤخذ على محمل الجد. ويعمل البنتاغون حالياً على مراجعة شاملة للمخزون الحربي وتوسيع طاقات التصنيع.
كما أشار مسؤولون سابقون إلى أن هذه الأزمة ليست وليدة اللحظة، بل إنها تفاقمت منذ سنوات بسبب تراجع الإنتاج وضعف الاستثمارات في أنظمة الاعتراض المتطورة.
أطلقت إيران أكثر من 500 صاروخ باليستي خلال الحرب، وتمكنت أنظمة الدفاع الإسرائيلية والأميركية من اعتراض نحو 86% منها. لكن بعض الصواريخ أصابت مناطق مأهولة، وألحقت أضراراً هي الأسوأ منذ عقود.
تشير بيانات معهد “جينسا” إلى أن صواريخ “ثاد” الأميركية اعترضت نحو نصف عدد الصواريخ، ما يؤكد ضعف المخزون الإسرائيلي من صواريخ “حيتس”. ووفق تقديرات المعهد، فإن تعويض هذه الصواريخ سيستغرق بين 3 إلى 8 سنوات بمعدل الإنتاج الحالي.
لوحظ تراجع تدريجي في نسب الاعتراض من 92% في الأسبوع الأول إلى 75% في نهاية الحرب. ويرجع المحللون ذلك إلى استخدام إيران صواريخ أكثر تطوراً، بالإضافة إلى استراتيجية تهدف إلى إغراق أنظمة الدفاع بأعداد كبيرة من الصواريخ.
وقالت مورا ديتش، رئيسة مركز تحليل البيانات في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، إن إسرائيل ربما خففت عمداً من مستوى الاعتراض ضمن استراتيجية لاستدامة الدفاع في مواجهة حرب طويلة.
يرى خبراء أن هذا النزيف في ترسانة الدفاع الجوي الأميركي يصب في مصلحة الصين، التي تراقب عن كثب كيفية استنزاف الموارد الأميركية في الشرق الأوسط. وصرّح سيدهارث كوشال من المعهد الملكي للخدمات المتحدة بأن الضغط على الصناعات الدفاعية الأميركية في الشرق الأوسط يؤثر سلباً على جاهزيتها في المحيطين الهندي والهادئ.
وحذّر مسؤول دفاعي سابق من أن أي صراع مستقبلي في آسيا سيكشف مدى هشاشة المخزون الأميركي من الذخائر الاعتراضية.
أظهرت حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران مدى الاعتماد الأميركي على أنظمة “ثاد”، لكنها كشفت أيضاً عن نقاط ضعف كبيرة في القدرة على تعويض المخزون بسرعة. في وقت تتزايد فيه التهديدات العالمية، تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة لمراجعة استراتيجياتها الدفاعية وتوسيع قاعدة إنتاجها الصناعي.