حذرت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء من أن انعدام الأمن الغذائي في اليمن وصل إلى مستويات “كارثية” حيث يعاني أكثر من 17 مليون شخص من الجوع وأصبح سوء التغذية بين الأطفال قاتلا بشكل متزايد.
وقال راميش راجاسينغهام، مدير قسم التنسيق في مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، لمجلس الأمن إن الأزمة الإنسانية المتفاقمة في البلاد لا يمكن حلها دون التوصل إلى تسوية سياسية للصراع في البلاد.
وقال متحدثا نيابة عن كبير مسؤولي الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة توم فليتشر: “إن المساعدات الإنسانية يمكن أن تبقي الناس على قيد الحياة، ولكن الحل السياسي فقط هو الذي يمكن أن يجعلهم آمنين”.
وسلط راجاسينغام الضوء على انتشار الجوع وسوء التغذية في اليمن، وخاصة بين الأطفال.
وقال إن “نصف أطفال اليمن دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، ونصفهم تقريبا يعانون من التقزم”، مضيفا أن الأطفال يموتون بالفعل من الجوع في مخيمات الأسر النازحة في محافظة حجة.
وقال وهو يروي حالة طفل يبلغ من العمر تسعة أشهر يدعى أحمد في مديرية عبس، والذي احتاج إلى علاج طارئ لسوء التغذية الشديد والعدوى: “هذا هو الوجه الإنساني لانعدام الأمن الغذائي”.
ومع تدمير سبل العيش بسبب آثار الحرب الأهلية الطويلة الأمد في البلاد، تضطر الأسر إلى اللجوء إلى ما وصفه راجاسينغهام بـ “القرارات الرهيبة” من أجل البقاء، بما في ذلك بيع أراضيها ومواشيها، وإبعاد أطفالها عن المدارس، وتزويج بناتها المراهقات.
وقد طلبت أكثر من 30 ألف امرأة وفتاة في ثلاث محافظات فقط من البلاد المساعدة والدعم خلال الأشهر الستة الماضية نتيجة للعنف القائم على النوع الاجتماعي.
ودعا راجاسينغهام إلى زيادة التمويل الدولي والدعم المباشر للعمليات الإنسانية، وحذر من أنه بدون المساعدة المالية العاجلة، “فإن الفئات الأكثر ضعفا – النازحين والمهاجرين والأطفال – ستواجه عواقب وخيمة”.
وأضاف: “إن المجاعة يمكن منعها ولكن فقط إذا تحركنا الآن”.
وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن هانز جروندبرج إن مناشدته تأتي في الوقت الذي تستمر فيه هجمات الحوثيين على الشحن المدني في البحر الأحمر، وتداعيات الصراع في غزة، في تفاقم الوضع الهش في اليمن وتقويض جهود الوساطة.
وقال جروندبرج لأعضاء المجلس: “يجب حماية اليمن من الانجرار إلى مزيد من الاضطرابات الإقليمية المستمرة الناجمة عن الحرب في غزة”.
وحذر من أن التصعيد الأخير، بما في ذلك تبادل الصواريخ بين الحوثيين والقوات الإسرائيلية، يشكل ضغطا هائلا على البنية التحتية الحيوية في اليمن.
وأشار جروندبيرج إلى أن تفريغ السفن في ميناء الصليف يستغرق ثلاثة أضعاف المدة التي استغرقها في يونيو/حزيران، وذلك عقب غرق سفينتين نتيجة هجمات الحوثيين قبالة الساحل الغربي لليمن في أوائل يوليو/تموز الماضي.
وقال إن “سفينتين فقط رستا في يوليو/تموز وقضيتا الشهر بأكمله هناك”، ووصف التأخير في ميناءي الصليف والحديدة بأنه “سبب رئيسي للقلق”، بالنظر إلى الدور المهم الذي يلعبانه في استيراد المواد الغذائية.
كما أدان المبعوث إعلان الحوثيين في 27 يوليو/تموز عن توسيع نطاق السفن التي سيستهدفونها، ودعا إلى التركيز المتجدد على الدبلوماسية.
وحث جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على الالتزام بقرارات مجلس الأمن، وذلك عقب ضبط كمية كبيرة من الأسلحة قبالة سواحل اليمن مؤخرا.
بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، الصادر عام 2015، يُحظر على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة توريد الأسلحة والذخائر والمواد ذات الصلة إلى قوات الحوثيين. ومع ذلك، وثّقت عدة تقارير للأمم المتحدة استمرار تدفق الأسلحة إلى الميليشيا، بما في ذلك مكونات صواريخ وطائرات مُسيّرة يُعتقد أن مصدرها إيران.
كما حذّر جروندبرج يوم الثلاثاء من أنه على الرغم من استقرار خطوط المواجهة في معظمها، إلا أن هجومًا حوثيًا واسع النطاق في 25 يوليو/تموز في منطقة علب بمحافظة صعدة أسفر عن “أعداد كبيرة من القتلى والجرحى من كلا الجانبين”. كما أشار إلى تزايد جهود التحصين التي تبذلها الميليشيا قرب مدينة الحديدة، واصفًا إياها بـ”التطور المقلق”.
رغم تصاعد التوترات، رحّب جروندبرج بالتقدم المحرز في استعادة الوصول البري داخل اليمن، وخاصةً الجهود المبذولة لإعادة فتح طريق يربط محافظتي البيضاء وأبين. وأشاد بمساهمات منظمات المجتمع المدني، وشجع على بذل المزيد من الجهود لفتح المزيد من الطرق لتسهيل الحركة والتجارة.
وقال إن خطوات بناء الثقة التي تتوافق مع خريطة الطريق للسلام التي تم التوصل إليها في ديسمبر/كانون الأول 2023 يجب أن تستمر، للمساعدة في إبقاء المحادثات السياسية على قيد الحياة.
وأضاف أنه “يجب أن تستمر الإجراءات التي من شأنها بناء الثقة وتحسين الحياة اليومية لليمنيين”.
وفي معرض حديثه عن تدهور الاقتصاد، دعا جروندبرج إلى التوصل إلى تسوية بين جميع الأطراف المعنية لعكس التشرذم وتخفيف الضغوط المالية على الأسر والشركات.
وقال: “إنه يُشلّ الأسر اليمنية ويُسيطر على القطاع الخاص اليمني. الآن هو وقت التحرك”.
وأشاد بالحكومة اليمنية والبنك المركزي في عدن على الخطوات التي اتخذتها لاستقرار العملة الوطنية وخفض الأسعار.
وقال “أهنئهما على التحسن الملحوظ في سعر الصرف في مناطق الحكومة اليمنية”، واصفا ذلك بأنه نقطة تحول محتملة.
وحذر من التحركات الأحادية الجانب التي يقوم بها الحوثيون، بما في ذلك إصدار عملات معدنية جديدة من فئة 50 ريالاً و200 ريال، والتي قال إنها ستؤدي إلى تفاقم التشرذم الاقتصادي و”تعقد المناقشات المستقبلية لتوحيد الاقتصاد اليمني ومؤسساته”.
وأضاف أن “هذه خطوات في الاتجاه الخاطئ”، داعيا إلى تجديد الحوار والتعاون.
وجدد جروندبيرج أيضا مناشدته للمجتمع الدولي بمضاعفة دعمه للتوصل إلى حل سياسي مستدام في اليمن.
وقال “في حين لا توجد حلول بسيطة للتحديات التي نواجهها، يتعين علينا تعزيز جهودنا الجماعية، مسترشدين بالتزامنا المشترك بتحقيق تقدم دائم في اليمن”.
“إن الحل المستدام ليس ممكنًا فحسب، بل إنه ضروري أيضًا.”