من فوق صخرة تتطلّع إلى الفراغ، جلس محمد صلاح ساكنًا، عاري الصدر، مغمض العينين، متربعًا على قدميه في وضعية “اللوتس” الشهيرة، التي أصبحت رمزًا عالميًا لممارسة “اليوجا”.
صورةٌ نشرها نجم الكرة العالمي كإشارة على التأمل، لكن وقعها في وعي المتابعين كان أوسع وأعمق من مجرد لحظة استرخاء.
فحين تصدر هذه الصورة من نجم عالمي مُسلم، هو قدوة لملايين الشباب، فإنها لا تظل مجرد لقطة جمالية أو ممارسة صحية، بل تصبح رسالة ثقافية ودينية قد تُربك المفاهيم، وتفتح الأبواب لما هو أخطر من التعبد، دون وعي أو قصد.
اليوجا.. ليست بريئة كما تبدو
اليوجا ليست مجرد تمارين للتمدد أو التنفس، بل هي منظومة روحية دينية هندوسية، تعود جذورها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام.
وكلمة “يوجا” تعني في أصلها السنسكريتي “الاتحاد” — أي اتحاد الروح الفردية (Atman) بالروح الكونية (Brahman)، وهي فكرة قائمة على عقيدة وحدة الوجود، التي تُصنَّف ضمن المفاهيم الشركية في العقيدة الإسلامية.
كل حركة في اليوجا تُحاكي رمزًا دينيًا:
وضعية تحية الشمس: تمثل سجودًا معنويًا لإله الشمس “سوريا”.
ترديد مانترا “أوم”: تجسيد صوتي للإله، يُقال إنه يُمثل الكون والخلود والطاقة الإلهية المطلقة.
وضعيات الجسد المختلفة: تُحاكي رموزًا للآلهة الهندوسية المتعددة، وتُستخدم لفتح “الشاكرات” أي مراكز الطاقة الروحية.
وبهذا، فإن من يمارس هذه التمارين دون وعي خلفيتها، يدخل تدريجيًا في منظومة فلسفية روحية تُناقض التوحيد، وتفتح بابًا خطيرًا على النفس والعقيدة.
محمد صلاح والصورة التي لم تكن عابرة
حين ينشر محمد صلاح صورة له وهو يتأمل على هيئة اليوجا، فالأمر لا يمكن عزله عن رمزية الشخص وتأثيره الهائل على الجمهور.
صلاح، الذي لطالما ارتبط في أذهان الشباب بصورة اللاعب المسلم، الساجد بعد تسجيل الأهداف، والقارئ للقرآن في الطائرة، تحوّلت صورته هنا إلى رسالة صامتة قد تُفهم بأنها ترويج غير مباشر لليوجا كوسيلة للسكينة أو الروحانية.
إن النجم ليس حرًا بالكامل حين يتصدر المشهد العام، فكل إيماءة منه تُفكَّك وتُقلَّد وتُكرَّس في عقول متابعيه، خاصة في زمن القلق النفسي والعطش الروحي الذي يعيشه جيل اليوم.
فتاوى العلماء: ممارسة اليوجا لا تجوز
أمام هذا الزحف الخفي لليوجا تحت عباءة “الرياضة”، وقف العلماء والمفتون يحذّرون من خطورتها:
أصدرت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية فتوى جاء فيها:
“اليوجا رياضة وثنية، لا يجوز للمسلم أن يمارسها؛ لما فيها من مخالفات عقدية كالتناسخ، ووحدة الوجود، وعبادة الشمس، وترديد شعارات شركية”.
وصرّح الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء، بقوله:
“حتى وإن جُرّدت اليوجا من مظاهرها التعبدية، فإن أصلها باطل، وهي شعائر شركية لا يجوز تقليدها”.
شهادات من الداخل: مدربون سابقون يتحدثون
بعيدًا عن الفتاوى، تحدث مدربون سابقون ممن مارسوا اليوجا لسنوات، ثم تركوها، عن تجربتهم الصادمة:
تقول ريبيكا براون، مدربة يوجا كندية، في مذكراتها بعد اعتناقها المسيحية:
“ما يبدأ كرياضة للراحة، يتحول تدريجيًا إلى معتقد. . تبدأ بترديد ‘أوم’ دون أن تدري معناها، وتنتهي بالإيمان بأنك إله، وأن الكون يسكن داخلك”.
ويكتب جوناثان سوليفان، مدرب أمريكي سابق:
“اليوجا ليست محايدة. إنها شعائر دينية مموهة في هيئة تمارين. لو عرف الناس ما تمثله كل وضعية، لهربوا منها فورًا”.
هل هناك بديل؟ نعم.. بل الأفضل في ديننا
الإسلام لا يُصادر حاجة الإنسان للسكينة أو الراحة النفسية، بل يمنحها بأساليب مشروعة:
تمارين بدنية مأمونة: كالمشي، والسباحة، والجري، وتمارين التنفس
الذّكر المشروع: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)، وليس “أوم”.
السكون في الصلاة: وهي أعظم حالات الخشوع الروحي والتأمل المشروع.
الاسترخاء التأملي: دون ارتباط بعقائد أو طقوس، بل بتدبر الكون وأسماء الله.
قراءة القرآن الكريم، أو الاستماع إليه من خلال الفضائيات والإذاعات المتخصصة
السطر الأخير.. حين تهتز البوصلة، يضيع الاتجاه
في عالمٍ يفيض بالصخب، ويبحث فيه الشباب عن الطمأنينة كما يبحثون عن الشهرة، يتسلل الباطل من خلال الصور، ويتنكر الشرك في هيئة تمارين مرنة.
وإذا كان الشيطان لا يأتي أهل الإيمان من باب الكفر الصريح، فإنه يأتيهم اليوم من باب “اليوجا”، و”الطاقة”، و”التأمل الصامت”، و”الكون الداخلي”.
يا محمد صلاح، ويا كل قدوة في زمن هش، تذكّروا أن أعين الملايين لا تتابع فقط أهدافكم في الملاعب، بل ترقب صمتكم، وصوركم، ورسائلكم التي لا تُقال.
ويا شباب الأمة، لا تجعلوا للغرب أن يعلّمكم كيف ترتاحون، وقد أنزل الله عليكم كتابًا فيه الشفاء، وأعطاكم ذكرًا يُنير العقل، وصلاةً تُغسل بها القلوب.
تأملوا في “إياك نعبد”، قبل أن تغوصوا في “أوم” اليوجا.
تذكروا أن السجود لا يكون إلا لله، وأن راحة الجسد لا يجب أن تأتي على حساب صفاء العقيدة.