اليوم التالي في غزة .. هل يقع الصدام بين مصر والمقاومة ؟!

هناك تواتر للأخبار والتصريحات عن “خطة عمل” في قطاع غزة، سيتم عرضها ـ أو اعتمادها ـ في القمة العربية المقبلة، المقرر عقدها في القاهرة 27 فبراير الحالي، وهناك إجماع على أن الخطة هي خطة مصرية، يتم إعدادها بمعرفة الأجهزة المصرية، وقالوا أنها “خطة بديلة” لخطة ترامب التي قدمها عن تهجير سكان غزة وتفريغها من أهلها، وتحويلها إلى منتجع سياسي فاخر يتم إسكانه لم يدفع أكثر أيا كانت هويته أو وطنه الأصلي.

وتعليقا يقول الكاتب الصحفي جمال سلطان، رئيس تحرير صحيفة المصريون، إن الحديث عن “الخطة المصرية” بوصفها “خطة بديلة”، مدخل خطأ وخطير، ويعطي الانطباع بأننا قبلنا أن ندخل سوق المساومة مع دونالد ترامب، سمسار العقارات المدرب، وكان ينبغي أن تكون هذه الخطة، وأرجو أن تكون، خطة عربية فلسطينية أصيلة، بغض النظر عما يفكر فيه الآخرون.

ويضيف سلطان :” أضف إلى ذلك أن ما قدمه ترامب لم تكن خطة، وإنما “تهويش” بلا أي معالم ولا خطوات ولا أدوات، مجرد ضغط إعلامي على الفلسطينيين والعرب لكي يقبلوا “الهدف الأصلي” الذي يخطط له هو وبنيامين نتنياهو، وهو إخراج المقاومة من غزة، وإخضاعها للقرار الإسرائيلي، الأمني والعسكري، أي الاحتلال بالوكالة، على نحو شبيه بما يفعلونه في الضفة الغربية.

وتابع :” هناك تسريبات يتم تناقلها عبر وسائل الإعلام، من خلال شخصيات مجهولة، كأنها تمثل “جس نبض” لردود الأفعال، من ذلك ما أذاعته قناة “القاهرة الإخبارية” الرسمية المصرية أمس منسوبا لمن أسمته “مصدر مطّلع” ، يقول “إن حركة حماس قبلت بعدم المشاركة في إدارة قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة، مؤكّدا أن مصر تجري اتصالات مكثّفة لتشكيل لجنة مؤقتة من أجل الإشراف على عملية الإغاثة وإعادة إعمار القطاع”.

ويرى الكاتب المصري، أن هذا الحديث الذي رد عليه بعنف في الليلة نفسها القيادي الحمساوي المعروف “أسامة حمدان” قائلا : “اللي بده يجي يحل محل إسرائيل، سنتعامل معه كإسرائيل. ببساطة، أي حد يشتغل بالوكالة عن إسرائيل، لازم يتحمل تبعات كونه وكيل إسرائيل. موضوع سلاح المقاومة، قادة المقاومة، شعب المقاومة، ده كله خارج أي نقاش. مستحيل نقبل حد يتكلم معانا فيه ولا نسمح إنه يكون مطروح أصلاً”.

وقد رد على ذلك أيضا القيادي الحمساوي “إسماعيل رضوان”، عبر قناة الجزيرة القطرية، قائلا : “سنظل ملتحمين بشعبنا وقضيتنا ونرفض أي مساومة على ذلك، ونرفض أي تدخل خارجي في إدارة شؤون شعبنا، نرفض إدارة عربية وإسلامية للأمن والحكم في غزة فشعبنا قادر على إدارة شؤونه، اليوم التالي في غزة هو شأني فلسطيني خالص، يتم الحوار حوله مع الفصائل الوطنية الفلسطينية”.

واستطرد :” هذا كله يعطينا الانطباع عن توتر شديد غير معلن، بين المقاومة الفلسطينية وما يقدم حاليا في الخفاء من أفكار وخطط لما يسمى “اليوم التالي” في غزة، بعد توقف الحرب، وتحفظ فلسطيني وغضب مكتوم، وتحفز لصدام محتمل في المستقبل القريب، خاصة بين مصر والمقاومة، وهو “خط أحمر” تاريخي، أيا كانت الخلافات، فلا يخفى عمق الخلاف في الرؤية والأيديولوجية بين الجهاد الإسلامي الفلسطيني وحماس من جانب والسلطة في مصر من جانب آخر، سواء أيام مبارك أو اليوم، ومع ذلك هناك دائما الاحترام المتبادل والتقدير للمواقف، والحرص على “شعرة معاوية”، لأن كلا الطرفين له مصالح كبيرة لدى الطرف الآخر، فمصر تعتبر هذا الملف هو مشروعها الأهم دوليا، والمقاومة في غزة تعتبر مصر بوابتها الرئيسية على العالم.

لا ينبغي، ولا يصح، أن تتحول القضية من صدام مع الاحتلال، إلى صدام عربي فلسطيني، أو مصري فلسطيني، حيث لاحظت أن العواصم العربية تلقي العبء كله اليوم على مصر، كأنها تنفض يدها من عواقب الخطة، كما لا يصح أن تطرح أية مخططات توحي بأن المقاومة الفلسطينية خارجة على الإجماع العربي والعالمي، بما يعني نزع الشرعية الوطنية والأخلاقية والإنسانية عنها، لأن هذا سيكون دعما مباشرا وصريحا لأي عدوان جديد، إسرائيلي أو أمريكي، وسيتم تقديمه دوليا بوصفه جهدا لتنفيذ الخطة العربية أو الخطة المصرية.

كما لا يصح، ولا يمكن، فصل ما يحدث في غزة بما يحدث اليوم في الصفة الغربية، والخطط الإسرائيلية المعلنة لتفريغ الضفة أيضا، وضمها إلى إسرائيل، وهي تصريحات معلنة تحظى بتأييد معلن أيضا من البيت الأبيض، كما أن هناك إجراءات تتم على أرض الواقع في هذا المخطط حاليا، وسيكون من الخطأ والخطر فصل أي مخطط عربي يقول أنه لدعم وحماية قطاع غزة عن ما يجري في الضفة الغربية، فالقضية الفلسطينية هي قضية واحدة، وملف واحد، أيا كانت تفاصيله الداخلية، فلا يمكنك أن تدعي أنك تضع خطة لإنقاذ غزة وحمايتها وتعزيز صمود أهلها بينما أنت تدير ظهرك لضياع الضفة الغربية بمن فيها.

الوضع اليوم خطير للغاية، وشديد الحساسية، وأي خطوة غير محسوبة بدقة ستكون لها عواقب خارج السيطرة، وستنعكس على الوضع الإقليمي كله، وليس الوضع الفلسطيني فقط، وأي تفكير أو تخطيط يتصور أنه يمكنه إقصاء قوة سياسية وعسكرية مقاومة ومتجذرة في القطاع منذ 30 عاما ولها حاضنتها الشعبية القوية هي فاشلة قبل أن تولد، فأتمنى أن لا يكون هناك استعجال، وأن يكون هناك حوار حقيقي جدي، تحضره المقاومة نفسها، اللاعب الأساس في أي خطة أو مخطط، ولا بد من البحث عن صيغ عادلة وعملية ومشروعة، لتأمين قطاع غزة دون نسيان الضفة، وحماية الشعب الفلسطيني وأمنه وأمانه وممتلكاته، ودعم صموده وبقائه في أرضه، وأيضا ضبط السلوك المقاوم، فهذا مطلب ضروري بلا شك، مع حفظ حقه في الدفاع عن شعبه ضد أي عدوان آخر، لأن الشعب الذي يضع سلاحه عن كتفه يستباح، خاصة إذا كنت تتعامل مع عصابات دينية متطرفة كتلك التي تحكم تل أبيب اليوم .

ووفقا لمراقبين فسيبقى مستقبل غزة رهينا بإرادة الأطراف الفلسطينية وقدرتها على تجاوز خلافاتها، إلى جانب الدعم الدولي والإقليمي.. التحديات هائلة، لكن الفرصة لا تزال قائمة لبناء رؤية شاملة تُعيد للقطاع استقراره وتضمن حقوق سكانه.

ورغم المطالب الصهيوأمريكية المشددة على ضرورة خروج حركة حماس من مشهد الحكم في قطاع غزة باليوم التالي للحرب، إلا أن الحركة تُصر على البقاء وترفض تقديم أي تنازلات بهذا الشأن.

وقدمت حركة حماس عشرات الشهداء خلال الحرب الصهيونية المستعرة على قطاع غزة منذ بدء طوفان الأقصى، لكنها في الوقت نفسه لقنت العدو الصهيوني درسا لا ينسى في فنون القتال، إذ نجحت حركة حماس في إرغام العدو على وقف القتال والانسحاب مرة أخرى من القطاع بعد فشله في تحقيق الانتصار المزعوم وإعادة الرهائن الإسرائيليين رغم مرور أكثر من 15 شهرًا على الحرب.

ورغم الدعوات الأممية المطالبة باستمرار اتفاف غزة الذي تم برعاية الوسطاء (مصر وقطر وأمريكا) ويقضي بوقف إطلاق النار على قطاع غزة مقابل الإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حركة حماس، إلا أن رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني لا يزال يراوغ في تنفيذ الاتفاق الذي ترعاه الولايات المتحدة خشية المحاسبة على فشله في تحقيق الانتصار على حركة حماس رغم مرور أكثر من عام والفارق الرهيب في السلاح والعتاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights