اجتاحت موجة جديدة من الاحتجاجات مدناً إيرانية مختلفة خلال اليومين الماضيين، حيث خرجت شرائح متنوعة من المجتمع، من المتقاعدين والأطباء إلى المواطنين الغاضبين من انقطاع الخدمات، للتعبير عن سخطهم العميق من تدهور الأوضاع المعيشية وفشل النظام في تلبية أبسط حقوقهم.
وتكشف هذه التحركات المتزامنة عن حالة غليان شعبي واسعة النطاق، وعن وصول سياسات النظام القمعية والاقتصادية إلى طريق مسدود.
انتفاضة المتقاعدين:
شكل المتقاعدون طليعة الاحتجاجات، حيث نظم أعضاء منظمة الضمان الاجتماعي تجمعات حاشدة في مدن الأهواز وطهران وكرمانشاه ورشت. ورفع المحتجون أصواتهم عالياً للمطالبة برفع رواتبهم التقاعدية وتحسين الخدمات الصحية، مؤكدين أن التضخم الجامح قد قضى على مدخراتهم وجعل حياتهم لا تطاق. وفي أصفهان،
وانضم إليهم متقاعدو صناعة الصلب والمناجم، الذين استأنفوا احتجاجاتهم بعد تجاهل السلطات المستمر لمطالبهم بظروف معيشية أفضل
و في محافظتي طهران، خرج سكان مدينتي گلستان وصالحية في تجمعات غاضبة احتجاجاً على الانقطاع المستمر والمطول للكهرباء، الذي أدى إلى توقف الحياة بشكل كامل في ظل موجة الحر الشديد.
وأصبحت هذه الاحتجاجات مشهداً يومياً في مختلف أنحاء البلاد، حيث يعبر المواطنون عن سخطهم من شلل الخدمات الأساسية.
احتجاجات الأطباء المتخصصين
: في تحرك لافت، نظم أخصائيو الأشعة في مدينتي تبريز وكرمانشاه وقفات احتجاجية متزامنة. وطالب الأطباء بتحسين التعرفة الطبية، وإنهاء السياسات التمييزية، وضمان حقوقهم، وإصلاح الإدارة الحكومية لقطاع الأشعة، في إشارة إلى تدهور القطاع الصحي بأكمله.
• قمع الفئات الأكثر ضعفاً: وفي مثال صارخ على وحشية النظام، أقدمت السلطات في مدينة سيرجان على هدم منزل وكشك بائعة متجولة فقيرة، مما حرمها من مصدر رزقها الوحيد. وأثارت هذه الحادثة غضباً واسعاً، وكشفت عن استهداف النظام للفئات الأكثر فقراً وعجزاً في المجتمع.
وكان توحيد المطالب وتصاعد الغضبأهم أهم ما ميز هذه الموجة من الاحتجاجات هو تقارب مطالبها وتوسعها لتشمل فئات مختلفة، مما يدل على أن الأزمة لم تعد محصورة في قطاع معين، بل أصبحت أزمة نظام شاملة.
فمن المطالبة بالخبز والراتب، إلى المطالبة بالكهرباء والماء، وصولاً إلى المطالبة بالكرامة والعدالة، تتجه كل هذه الأصوات نحو هدف واحد: رفض السياسات الفاشلة للنظام الحاكم.
نظام على حافة الهاوية
إن عجز النظام عن الاستجابة لهذه المطالب المحقة ليس مجرد فشل إداري، بل هو نتيجة حتمية لسياساته على مدى أربعة عقود. فبدلاً من استثمار ثروات إيران الهائلة في تطوير البنية التحتية وتحسين حياة الناس،
بل أهدر النظام هذه الثروات في تمويل الإرهاب وتصديره عبر وكلائه في المنطقة، وفي بناء وتوسيع أجهزته القمعية مثل حرس النظام الإيراني، وفي إنفاق مبالغ خيالية على مشاريعه النووية والصاروخية المشبوهة. والنتيجة اليوم هي بنية تحتية مدمرة، غير قادرة على توفير الماء أو الكهرباء، وفساد مستشرٍ اجتاح كل مؤسسات الدولة.
لقد وصل النظام إلى طريق مسدود بالكامل؛ فلم يعد يملك أي حلول اقتصادية أو اجتماعية يقدمها للشعب، ولم يعد أمامه سوى خيار واحد يلجأ إليه دائماً: القمع الوحشي.
لكن هذه الاحتجاجات المتنامية والمتوسعة تؤكد أن سياسة القمع لم تعد تجدي نفعاً، وأن جدار الخوف قد انكسر. إن هذا المزيج المتفجر من الغضب الشعبي والانهيار الاقتصادي وشلل الدولة، ينذر بأن هذه الاحتجاجات ليست سوى مقدمة لانتفاضة كبرى قادمة ستضع حداً لهذا النظام