في لحظة فارقة تحفز التحول الجيواستراتيجي بين القاهرة وأنقرة، تتوحد إرادة القوة مع الرغبة في الاستقلال الصناعي في مشهد من التفاهم العابر للتقلبات السياسية القديمة، فهل يستمر التعاون الحذر، أم تشهد الفترة المقبلة تطبيعا كاملا للعلاقات يقفز فوق خلافات الماضى بين الطرفين.
قرار رسمى
توصلت أنقرة إلى قرار رسمي بالموافقة من حيث المبدأ على انضمام مصر كشريك مطور ومصنع في مشروع مقاتلة الجيل الخامس التركية المشهورة باسم كآن بلغة تركيا KAAN، وذلك وفق ما نشره موقع الدفاع العربي وترجمات لمصادر استخبارية تركية.
وقد بلغت المفاوضات مرحلة متقدمة بعد زيارة رسمية لوفد القوات الجوية المصرية إلى منشآت شركة الطيران التركية توساس sawasa ، حيث اطلع الفريق المصري على النموذج الأولي الذي لا يزال في طور الاختبار الفني وتقييم الأداء الجوي.
التوقعات تشير إلى توقيع مذكرة تفاهم في أول النصف الثانى من عام 2025 تمهيدًا للبدء في نقل التكنولوجيا والتصنيع المشترك وربما إقامة خطوط تصنيع جزئية داخل مصر، على غرار نموذج إنتاج آخر بين البلدين في مجال المركبات المدرعة.
الميزة التكتيكية
مقاتلة كآن صُنعت لتنافس في نادي الدول القليلة المنتجة لشبحي الجيل الخامس مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين ومصممة لمهام التفوق الجوي والحرب الالكترونية والضربات الدقيقة بسرعة تصل إلى 1.8 ماخ، وسقف طيران يتجاوز 55 ألف قدم مع أنظمة تسليح محلية ومنها صواريخ بوزدوغان وغوكدوغان، وصواريخ كروز من نوع SOM وقنابل HGK بالإضافة إلى أنظمة تشويش وحماية إلكترونية متطورة.
استراتيجية مصر الدفاعية ذات أبعاد سياسية وأمنية
انضمام مصر للمشروع يمثل قفزة نوعية في توجه القاهرة للتحول من دولة مستوردة للسلاح إلى شريك صناعي يملك جزءًا من اللوحة الصناعية والتكنولوجية، وهو ما يعزز من قدرات الردع الجوي ويعيد رسم موازين القوى في شرق المتوسط خاصة أمام التفوق الإسرائيلي الجوي.
أبعاد التعاون المصري التركي
الاتفاق يعكس توجها متزايدا نحو شراكات عسكرية واقتصادية أوسع تشمل النقل التكنولوجي والتصنيع متعدد المجالات مثل الطائرات المسيّرة والمركبات المدرعة الأمر الذي يُنطق بنأي كلا البلدين عن تبعيات الموردين الخارجيين.
إطار زمني ومستقبل التعاون
من المتوقع دخول كآن، الخدمة منتصف العقد الحالي، وربما تأثير أول دفعات من الإنتاج المشترك مع مصر بحلول نهاية العقد، التقديرات تشير إلى أن الإنتاج التسلسلي التركي سيبدأ عام 2028 وقد تدخل مصر فعليًا في خطوط التجميع بحلول منتصف العقد المقبل.
شراكة مصر وتركيا في مشروع كآن رمز سياسي صريح لتحولات إقليمية بالمنطقة بعد التاريخ الذى غير كل معادلات السياسة العالمية وهو( طوفان الأقصى) فى السابع من اكتوبر 2023، واستقلال دفاعي وإمكانية صقله لتتحول إلى منصة تصدير دفاعية مشتركة يحددها المدى الذي ستتسع له مذكرة التفاهم الرسمية وتفعيل التعاون التقني والإنتاجي بين المصانع والهيئات البحثية في البلدين.
تاريخ صراع
تعود علاقات مصر وتركيا إلى الحقبة العثمانية ومراحل صراع الانقلاب على الدولة العثمانية بقيادة المنقلب محمد علي (1831–1833) ضد السلطنة العثمانية .
بدايات القرن العشرين: تأسست العلاقات الدبلوماسية عام 1925، وارتُفعت إلى مستوى السفير في 1948. رغم النزاعات السياسية، وُقّع اتفاق تجارة حرة عام 2005 واستمر التعاون الاقتصادي رغم التوترات .
التوترات الرئيسية (2013–2021)
احداث 2013 وتحالف الإيديولوجيات: بعد عزل الرئيس محمد مرسي، اعتبرت تركيا هذا “انقلابا”، بينما رحّب نظام السيسي به. تبع ذلك دعم تركي للإخوان ووجود إعلام معارض من إسطنبول انتقد القاهرة بشدة، مما أدى إلى تصعيد سياسي ودبلوماسي .
صراع ليبيا والبحر المتوسط: دعم تركيا لحكومة طرابلس، وموقف مصر الداعم لحفتر، أدى إلى مواجهة محورية في ليبيا، كما أثار الاتفاق التركي – الليبي حول الحدود البحرية غضب القاهرة، خاصة في ظل تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط بدون أنقرة .
علاقة تصاعدية مع الخليج: تحالفت مصر مع السعودية والإمارات ضد السياسة التركية، خاصة بعد خلافات حول قطر والتواجد التركي في الصومال واليمن، الأمر الذي زاد من حدة التوتر بشكل جيوسياسي واسع النطاق .
بوادر التحول والتهدئة (من 2021)
بداية الحوارات الرسمية: في 2021، جرت مشاورات أولى على مستوى نواب وزراء خارجية البلدين، وبدأ الحديث عن تطبيع العلاقات وإنهاء العزلة الدبلوماسية .
رمزية لقاء قطر 2022: لقاء سري بين أردوغان السيسي أثناء افتتاح كأس العالم في قطر شكّل لحظة تحول، أعقبها تبادل مساعدات مصرية لتركيا بعد الزلازل، لتؤدي إلى إعادة التطبيع التدريجي للعلاقات .
قمم تطبيع رسمية: زيارة أردوغان للقاهرة (فبراير 2024) والسيسي لاسطنبول (سبتمبر 2024)،، حيث وقّعا عددا من الاتفاقيات و آليات للتعاون الاقتصادي والدفاعي والاجتماعي بقيمة تصل ل ١٥ مليار دولار خلال سنوات .
من التنافس إلى التعاون:
يرى خبراء مثل فرحات بولات، أن تطبيع العلاقات يقوده المنطق الاقتصادي والبراغماتية السياسية بدل الإيديولوجيا، فكلا الطرفين يدرك أن التعاون أفضل من الصراع .
رؤية الواقعية السياسية: نائل شاما المحلل والكاتب السياسى، يؤكد أن جذور التوتر تكمن في المنافسة الجيوسياسية بين قوتين تسعيان للهيمنة بالمنطقة، وأن الأزمة الأيديولوجية (الإخوان) لم تكن السبب الوحيد .
التأثيرات الإقليمية: يلفت الكاتب عبد الرحمن صلاح الدين، إلى أن المصالحة بين مصر وتركيا تغيّر خريطة النفوذ في الشرق الأوسط، لا سيما بسبب وقوفهما كثنائي سني قوي في خضم النزاعات المتعددة .
تطور تدريجي: استمرت علاقة متقلبة بين 2013 و2021، لكنه منذ 2022 بات واضحا أن كلا البلدين يسعى نحو المصالحة من أجل المصالح الاقتصادية والاستقرار الإقليمي.
شروط القاهرة للمصالحة: أبرزها انسحاب تركيا من دعم الإخوان ووقف الخطاب الإعلامي المعادي، وهو ما بدأت أنقرة تستجيب له تدريجياً .
آفاق المستقبل: في ضوء اهتمامات مشتركة مثل الطاقة، ليبيا، مشاريع صناعية، يبدو التحول نحو شراكة استراتيجية قابلة للبناء مستقبلا، رغم أن بعض الملفات قد تعيد اختبار العلاقات بالفعل كما في 2024 ، وفى النهاية: مايحكم الدول حاليا هى المصالح وليست العقائد- للأسف- ولكن – فن الممكن- من الممكن أن يدفع سياسة اللعب على المتناقضات لتحقيق الاهداف العليا والسامية لأساس العلاقات السياسية.