في خطوة غير مسبوقة، اقترحت المفوضية الأوروبية فرض عقوبات على إسرائيل بسبب الوضع الإنساني في غزة، لكن المقترح يواجه معارضة داخلية تهدد بعرقلة تنفيذه. وألمانيا من بين المعارضين لمثل هذه الخطوة. فما تفاصيل مقترح العقوبات؟
لا يزال اقتراح المفوضية الأوروبية بفرض عقوبات على إسرائيل يثير خلافات بين دول الاتحاد الأوروبي، وذلك بعد أسبوعين من وضع المقترح.
وبحسب التقرير المنشور على موقع DW الألماني، أفاد دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي بأن ألمانيا تعد من بين الدول التي تعارض مثل هذا الإجراء وتحث على منح مزيد من الوقت. ومن دون دعم ألمانيا، فمن غير المرجح تطبيق المقترح.
وقبل أيام، أصدرت المفوضية الأوروبية بيانا حذرت فيه من أن “المعاناة الإنسانية في غزة بلغت مستويات لا يمكن تصورها.. المجاعة تتكشف أمام أعيننا، وهناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لإنهاء الجوع”.
وفي محاولة للضغط على إسرائيللتغيير مسارها، اقترحت المفوضية منع الشركات الناشئة الإسرائيلية من الوصول إلى جزء من برنامج الأبحاث الأوروبي “هورايزن أوروبا” أو “أفق أوروبا”، الذي يعد أحد أبرز برامج البحث والابتكار التابعة للاتحاد وتبلغ قيمته نحو 100 مليار دولار.
ويمثل ذلك تحولا في نهج التكتل الأوروبي، إذ يعد بمثابة سابقة أوروبية تتحول فيها الانتقادات إلى أفعال بعد عام ونصف.
الاتحاد الأوروبي: إسرائيل “تنتهك حقوق الإنسان”
وقالت المفوضية “بتدخلها في قطاع غزة والكارثة الإنسانية التي تلت ذلك، بما في ذلك آلاف القتلى من المدنيين والزيادة السريعة في أعداد حالات سوء التغذية الحاد المنتشرة، وتحديدا بين الأطفال، تنتهك إسرائيل حقوق الإنسان والقانون الإنساني”.
وفي هذا الصدد، قدم وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم بريفو تاريخ الثالث عشر من أغسطس/آب موعدا محتملا لاعتماد مقترح المفوضية في حال التوصل إلى توافق في الآراء.
وفي التقرير الذي نشره موقع DW الألماني، أفادت مصادر أوروبية، بعدم حدوث تقدم يحسم الأمر، وذلك خلال اجتماع افتراضي لوزراء خارجية التكتل مطلع الأسبوع الجاري.
وفي ضوء ذلك، فإن المقترح لن يجد طريقا للتطبيق في الوقت الراهن.
ووفقا لقواعد الاتحاد الأوروبي، يجب أن يحظى أي مقترح بتأييد خمس عشرة دولة من أصل سبع وعشرين على الأقل، ما يمثل خمسة وستين في المئة من سكان الاتحاد، حتى يتمكن من المضي قدما.
من جانبها، رفضت إسرائيل المقترح واعتبرته “خاطئا وغير مبرر”، مؤكدة عبر بيان لوزارة خارجيتها أن إجراءات عقابية من هذا القبيل لن تؤدي إلا إلى “تعزيز حماس”، وهو ما ينفيه الاتحاد الأوروبي.
انتقادات حقوقية
وأثار تعثر الاتحاد الأوروبي في اتخاذ مثل هذه الخطوة انتقادات من نشطاء ومنظمات حقوقية تتهم التكتل بعدم استغلال نفوذه.
وفي مقابلة مع DW، قالت بشرى الخالدي، المسؤولة في منظمة أوكسفام، إن “عجز الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق حتى على أبسط خطوة يعد أمرا مخزيا. بلغ سقف التوقعات أدنى مستوياته، ومع ذلك لا يزال الاتحاد وبعض دوله يتعثرون في تجاوزه”.
ويقول خبراء إن الانقسامات داخل التكتل التي قد تعرقل اتخاذ مثل هذه الإجراءات ليست وليدة اللحظة.
فمنذ هجوم حماس الإراهابي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، اتخذ الاتحاد الأوروبي موقفا موحدا في إدانة حماس، التي يصنفها الاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، وأيضا توحده في الدعوة إلى الإفراج عن الرهائن الإسرائيليين.
بيد أن هذا الأمر كان نقطة الالتقاء الوحيدة؛ إذ كانت كل كلمة في أي بيان أوروبي يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل موضوع لنقاش حاد وانقسامات.
تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل؟
يتركز الانقسام بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الآن حول ما إذا كان سيتم الرد على مراجعة الاتحاد الأوروبي التي وجدت أن الإجراءات الإسرائيلية في غزة – من تقييد دخول المساعدات إلى استهداف الصحفيين – على الأرجح تمثل خرقا للاتفاقية التي تحكم التجارة والعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
وتتركز الخلافات أيضا حول كيفية الرد على ذلك.
وفي رسالة مسربة اطلعت عليها DW، انتقدت إسرائيل التحقيق الذي قام به الاتحاد الأوروبي ووصفته بأنه يمثل “فشلا أخلاقيا ومنهجيا” يستند إلى أدلة تتسم بالتحيز.
بيد أن التكتل ما زال متمسكا بنتائج التحقيق.
وفي سياق متصل، تدعو إسبانيا، التي تعتبر من أشد منتقدي حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلى تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل.
في المقابل، تريد دول التكتل الأخرى مثل هولندا والسويد، وهما من أقل الدول التي تنتقد إسرائيل تقليديا، تجميد الشق التجاري من الاتفاقية. وسوف تعرقل مثل هذه الخطوة – في حال التوافق عليها – إمكانيات التصدير أمام الشركات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي، الذي يعد الشريك التجاري الأكبر لإسرائيل.
أما فيما يتعلق بألمانيا، فإنها ترى أنها تتحمل مسؤولية تاريخية تجاه أمن إسرائيل، بسبب ماضيها النازي وضلوعها في القتل الممنهج لستة ملايين يهودي خلال الهولوكوست .
ورغم أن برلين تعارض مقترح المفوضية لفرض عقوبات على إسرائيل، إلا أن المستشار فريدريش ميرتس أعلن الأسبوع الماضي أن ألمانيا ستوقف صادراتها إلى إسرائيل من المعدات العسكرية التي يمكن استخدامها في قطاع غزة.
اتفاقية المساعدات الإنسانية “غير كافية”
يقول الاتحاد الأوروبي إن أولويته في الوقت الراهن تتمثل في تدفق المساعدات إلى غزة لمواجهة الأزمة الإنسانية المتفاقمة، لكن عقب التلويح بفرض عقوبات، أعلن التكتل تفاصيل ما اعتبره تقدما كبيرا الشهر الماضي.
فقد أعلنت مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كايا كالاس، في بيان صدر في العاشر من يوليو/تموز الماضي، التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل يهدف إلى دخول المزيد من شاحنات الأغذية إلى غزة وفتح نقاط عبور إضافية.
وقد لعبت ألمانيا دورا بارزا في التوصل إلى الاتفاق. بيد أنه بعد أسابيع، تقول دول أوروبية إن هذا الاتفاق غير كاف.
ومع تعثر التوافق حاليا على مقترح المفوضية الأخير، يواصل مسؤولو التكتل إصدار بيانات منددة.
وفي تعليقها، قالت مفوضة الاتحاد الأوروبي للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات، حاجة لحبيب، مطلع الشهر الجاري “أدعو إلى الإفراج الفوري عن جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس والجهاد.. وأدعو إسرائيل إلى إنهاء تجويع غزة والسماح بدخول المساعدات الإنسانية على نطاق واسع”.
يشار إلى أن حركة حماس، هي جماعة إسلاموية فلسطينية مسلحة، تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى كمنظمة إرهابية. وتصنف حركة “الجهاد الإسلامي” على أنها منظمة إرهابية أيضا، وهناك دلالات على تبعيتها لإيران.