كافحت فرق الإنقاذ اليوم الثلاثاء للوصول إلى قرية تراسين في سلسلة جبال مرة بإقليم دارفور بعد أن دفن انهيار أرضي هائل القرية بأكملها تقريباً، مما أسفر عن مقتل ما يزيد على 1000 سوداني، وفق ما أعلنت حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور.
وقالت الحركة إن الأمطار الغزيرة يوم الأحد تسببت في الكارثة المروعة، مؤكدة أن “المعلومات الأولية تشير إلى مقتل جميع سكان القرية تقريباً، ولم ينجُ سوى شخص واحد”.
ونشرت الحركة صوراً أظهرت انهياراً ضخماً لجبل ترافق مع انزلاق كميات هائلة من الطين والأشجار المقتلعة، دفنت القرية تحت الركام، بينما ظهر الأهالي وهم يبحثون عن الضحايا بأدوات بدائية.
نداء عاجل للمجتمع الدولي
عبد الواحد النور أكد في تصريح لوكالة فرانس برس أن “حجم الكارثة يفوق إمكانياتنا”، مناشداً الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الدولية التدخل العاجل لمساعدة الأهالي وانتشال الجثث.
كما دعا الاتحاد الأفريقي جميع الأطراف السودانية إلى “إسكات البنادق” والسماح بمرور المساعدات الإنسانية بسرعة وفعالية إلى المنطقة المنكوبة.
تفاعل الأطراف المتنازعة في السودان
مجلس السيادة الانتقالي بقيادة عبد الفتاح البرهان نعى الضحايا وتعهد بتسخير جميع الموارد المتاحة لدعم المتضررين.
في المقابل، أعربت الحكومة المدعومة من قوات الدعم السريع ومقرها نيالا عن حزنها العميق، حيث قال رئيس وزرائها محمد حسن التعايشي: “هذه لحظة إنسانية عميقة، يجب أن تعلو فيها حياة المواطنين على أي اعتبارات سياسية أو عسكرية”.
تحديات إنسانية وبنية تحتية منهارة
تأتي الكارثة في وقت يشهد فيه السودان موسم الأمطار، الذي يجعل الطرق الجبلية غير صالحة للوصول، إضافة إلى أن استمرار الحرب منذ أبريل 2023 بين الجيش السوداني بقيادة البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) حدّ من قدرة منظمات الإغاثة على الوصول إلى دارفور.
ويُذكر أن المنطقة سبق أن شهدت انهياراً أرضياً عام 2018 في توكولي المجاورة أدى إلى مقتل 20 شخصاً.
خلفية النزاع السوداني
أدى الصراع على السلطة بين البرهان وحميدتي إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد أكثر من 14 مليون شخص بحسب الأمم المتحدة، فيما تسيطر قوات الدعم السريع حالياً على معظم دارفور وأجزاء من كردفان، بينما عزز الجيش وجوده في وسط السودان.
آراء الخبراء وردود الفعل على كارثة دارفور
قال خبراء في شؤون الكوارث الطبيعية إن الانهيار الأرضي الذي ضرب قرية تراسين يؤكد هشاشة البنية التحتية في مناطق النزاع بالسودان، خاصة في جبال مرة المعرضة للانهيارات خلال موسم الأمطار.
وأوضح الباحث في الجغرافيا البيئية د. سامي عبد الرحمن أن الكارثة “تكشف غياب خطط الطوارئ ونظم الإنذار المبكر، وهو ما يضاعف الخسائر البشرية في مثل هذه المناطق المعزولة”.
من جانبه، اعتبر المحلل السياسي د. محمد الأمين أن “الكارثة تمثل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الأطراف المتصارعة على تغليب البعد الإنساني فوق الحسابات السياسية والعسكرية”، محذرًا من أن استمرار القتال سيجعل عمليات الإغاثة شبه مستحيلة.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
الأمم المتحدة أعربت عن “قلق بالغ” وطالبت بفتح ممرات آمنة لوصول المساعدات إلى دارفور.
الاتحاد الأفريقي دعا الأطراف السودانية إلى “إسكات البنادق” فورًا وتسهيل الإغاثة العاجلة.
منظمات إنسانية مثل الصليب الأحمر وأطباء بلا حدود أشارت إلى أن صعوبة الوصول للمنطقة قد تؤدي إلى “كارثة إنسانية مضاعفة”.
ويرى خبراء أن تعامل الحكومة السودانية بشقيها (الجيش وقوات الدعم السريع) مع هذه المأساة سيكون مؤشرًا على مدى استعدادها لتقديم مصلحة المدنيين على حساب الصراع المستمر منذ أبريل.
أبعاد إنسانية مروعة
تُعد كارثة قرية تراسين واحدة من أسوأ المآسي التي شهدتها دارفور في تاريخها الحديث، ليس فقط لحجم الخسائر البشرية التي تجاوزت الألف قتيل، بل لكونها حدثت في منطقة معزولة أصلًا عن الخدمات الأساسية. وأكد ناشطون محليون أن معظم الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن، الذين لم يتمكنوا من الفرار لحظة الانهيار.
وقال أحد المتطوعين من سكان القرى المجاورة: “نحفر بأيدينا ونجمع الحجارة والطين، لكن الأمل يتضاءل مع مرور الساعات”. وأضاف أن العديد من الأسر فقدت بالكامل، ما يجعل عملية توثيق أعداد القتلى صعبة للغاية.
تأثيرات بيئية متوقعة
يرى خبراء البيئة أن الانهيار الأرضي في جبال مرة سيترك آثارًا طويلة الأمد على النظام البيئي المحلي. فاختفاء مساحات واسعة من الغطاء النباتي ودفن الأراضي الزراعية تحت الطين سيؤدي إلى نقص في الغذاء وصعوبات معيشية للسكان الناجين. كما أن انسداد مجاري المياه الطبيعية قد يخلق مخاطر إضافية مثل الفيضانات أو تفشي الأمراض المنقولة بالمياه.
تداعيات سياسية وإنسانية
على الصعيد السياسي، اعتبر محللون أن الكارثة تمثل فرصة نادرة لتوحيد جهود الفصائل السودانية المتنازعة، على الأقل مؤقتًا، من أجل تسهيل وصول المساعدات. فالتجاوب الإيجابي بين قادة الجيش والدعم السريع مع نداءات الإغاثة قد يكون مؤشرًا على إمكانية إيجاد قواسم مشتركة، وإن كانت إنسانية بحتة.
لكن منظمات حقوقية حذرت من استغلال المأساة لتحقيق مكاسب سياسية أو عسكرية، مؤكدة أن الأولوية يجب أن تكون لإنقاذ الأرواح وتقديم الدعم للناجين.
الحاجة إلى دعم دولي عاجل
تؤكد تقارير أممية أن السودان يواجه بالفعل أكبر أزمة نزوح في العالم، ومع وقوع كارثة تراسين باتت الحاجة أكبر من أي وقت مضى لزيادة التمويل الدولي لبرامج الإغاثة. وحذر مسؤول في برنامج الأغذية العالمي من أن “تأخير وصول المساعدات إلى دارفور قد يحول المأساة الطبيعية إلى كارثة إنسانية متعددة الأبعاد”.