تقاريرسلايدر
أخر الأخبار

انهيار حلم الاستيطان الصهيوني بالقطاع مجددا.. تداعيات عودة النازحين شمال غزة رغم أنف ترمب

محمد الليثي

أكثر من خمسين عام مرت على الحلم الصهيوني بالاستيطان في قطاع غزة، وبناء الكمبوندات والأحياء الفاخرة على البحر في شارع الرشيد، بالقطاع، من أجل تسكين آلاف الصهاينة، والاستيلاء على الأرض، فمنذ أن احتلت إسرائيل قطاع غزة في حرب 5 يونيو عام 1967، وهي تحلم بهذا الحلم الذي باء بالفشل في تحقيقه مرتين، إحداهما بعد الانسحاب من غزة عام 2005، وتفكيك مستوطناتها، التي كان يقطنها نحو 8 آلاف مستوطن إسرائيلي، وآخرها اليوم الاثنين الموافق 27 يناير 2025، بعدما اضطرت إسرائيل للانسحاب مرة اخرى، والسماح بعودة النازحين إلى شمال القطاع، بعد انصياع إسرائيل لشروط المقاومة.

وكانت جماعات استيطانية إسرائيلية قد نظمت خلال عام كامل مؤتمرا يروج للحلم الإسرائيلي بإعادة الاستيطان في غزة، و شارك فيه عشرات من أعضاء الكنيست، بينهم أعضاء في حزب الليكود الحاكم، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، الذي قال إنه في نهاية المطاف سيكون هناك استيطان يهودي في قطاع غزة.

وزعم سموتريتش في تصريحاته أن غزة “جزء من أرض إسرائيل، لن يكون هناك أمن دون استيطان في القطاع. والعبرة الأساسية في السنة الأخيرة”.

وأعلنت حركة “نحالا” الاستيطانية “الإسرائيلية” تسجيل 700 عائلة للانتقال للسكن في 6 مستوطنات محتملة في قطاع غزة، معربة عن أملها في البدء ببناء هذه المستوطنات خلال عام.

ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية اليوم الأربعاء عن تلك الحركة تأكيدها أنها ستملأ “المناطق المحررة في غزة بالمجتمعات اليهودية”.

انهيار حلم الاستيطان الصهيوني مجددا

ومع مشاهد عودة النازحين إلى شمال قطاع غزة بعد فتح الاحتلال لمحور نتساريم والانسحاب منه بناء على اتفاق وقف إطلاق النار، تواترت ردود الفعل الإسرائيلية التي تنتقد هذا القرار الذي أكد على هزيمة الكيان الصهيوني.

وقال وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير إن عودة السكان إلى شمال قطاع غزة صورة لانتصار حماس وجزء مهين آخر من الصفقة غير الشرعية، على حد تعبيره.

وأضاف بن غفير نقلا عن القناة الإسرائيلية السابعة “ليس هذا ما يبدو عليه النصر المطلق بل هو الاستسلام التام. جنودنا لم يقاتلوا ولم يضحوا بحياتهم في غزة للسماح بهذه الصور ويجب أن نعود للحرب”.

بدورها قالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن حماس حصلت على ما أرادت هذا الصباح بعد عودة السكان لشمال القطاع.

وأضافت أنه من الصعب جدا على إسرائيل العودة إلى القتال في شمال القطاع بعد المرحلة الأولى من الاتفاق، حيث ستكون العودة إلى القتال داخل منطقة مكتظة بالسكان مهمة شبه مستحيلة في غضون أسابيع قليلة.

ونقلت يديعوت أحرونوت عن مصادر عسكرية إسرائيلية أنه كان يجب الحفاظ على محور نتساريم كورقة تفاوض، حيث إن أهميته بالنسبة لحماس واضحة.

وأضافت المصادر أن إسرائيل دفعت ثمن صفقة كاملة بفتحها محور نتساريم دون أن تحصل على المقابل كله.

الانسحاب من نتساريم
وفي صباح اليوم، بدأ آلاف النازحين الفلسطينيين بالعودة إلى مناطق شمال غزة بعد أن تم تهجيرهم قسرا من منازلهم نتيجة الإبادة الجماعية الإسرائيلية التي تواصلت أكثر من 15 شهرا.

وكانت القناة الـ12 الإسرائيلية أفادت بأن قوات الجيش الإسرائيلي بدأت الانسحاب من محور نتساريم، الفاصل بين جنوب قطاع غزة وشماله، والذي أنشأه الاحتلال مع بدء عمليته البرية يوم 27 أكتوبر/ 2023.

ويوم 19 يناير/ الجاري، بدأ سريان وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، ويستمر في مرحلته الأولى 42 يوما، يتم خلالها التفاوض لبدء مرحلة ثانية ثم ثالثة، بوساطة مصر وقطر والولايات المتحدة.

مخطط سري

وبدأت إسرائيل في بلورة اتفاق مع شركة أمنية أميركية لتولي أمر توزيع المساعدات في القطاع أثناء السيطرة الإسرائيلية، وهو توجه رفضته الرئاسة الفلسطينية عموماً، مشددة على أن مستقبل غزة كله تقرره دولة فلسطين فقط.

وكانت إسرائيل لا تخطط لحكم عسكري فحسب؛ إذ أصبح هذا مكشوفاً إلى حدٍّ ما، لكن أيضاً لاستئناف الاستيطان هناك، وهو أكثر خطوة إثارة للجدل لو حدثت.

وأثارت العملية العسكرية الدامية في شمال قطاع غزة القائمة على تهجير الفلسطينيين تحت النار، وعزل جزء من الشمال عن باقي مناطق القطاع المقسمة، المخاوف من أن الجيش يمهد المكان لعودة المستوطنين.

والحملة العسكرية الماضية هناك هي في الحقيقة حملة تستند إلى «خطة الجنرالات» التي تقوم على ضرورة القضاء بشكل كامل على أي وجود لحركة «حماس» في شمال القطاع، من خلال إفراغ سكانه تماماً، وتحويل المنطقة إلى منطقة عسكرية مغلقة، ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها.

مسح مواقع
وفي وقت سابق بشهر أكتوبر 2024 خلال الحرب، وفي ذروة الهجوم الإسرائيلي المنظم، قام جنود إسرائيليون في غزة بمساعدة ناشطة استيطانية على دخول القطاع لمسح المواقع المحتملة للمستوطنات اليهودية دون الحصول على إذن من قادتهم.

وقالت هيئة البث الإسرائيلية «كان» إن دانييلا فايس، التي تقود الجهود لإعادة الاستيطان في شمال غزة، قامت بجولة على الجانب الإسرائيلي من السياج الحدودي لغزة، وقد عبرت مع مجموعتها الحدود، من خلال وسائل غير واضحة، وسارت مسافة قصيرة داخل القطاع.

بالقرب من محور «نتساريم» في غزة، قامت فايس بحسب التقرير بالاتصال بجنود تعرفهم، وهم الذين قاموا بإرسال مركبة لاصطحابها وزملائها الناشطين ونقلهم إلى عمق القطاع، إلى الموقع السابق لـ«نتساريم»، وهي مستوطنة يهودية سابقة فككتها إسرائيل خلال فك الارتباط عن غزة في عام 2005.

People wave flags, on the day of a conference on the resettlement of the Gaza Strip, in Be’eri, southern Israel, October 21, 2024. REUTERS/Janis Laizans

وأجرى وزير البناء والإسكان الإسرائيلي يتسحاق غولدكنوف جولة بمحاذاة غزة، في نوفمبر 2024 ، عند مدخل  محور نتساريم، ومن هناك دعا إلى الاستيطان اليهودي في القطاع.

وقال غولدكنوف على منصة “إكس”، إن “الاستيطان في القطاع هو الرد الأنسب على هجوم السابع من أكتوبر 2023، وإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت”.

ونشر الوزير صورة له إلى جانب رئيسة حركة “نحالا” الاستيطانية الإسرائيلية دانييلا فايس، وهو يستعرض خريطة للمواقع الاستيطانية المحتملة مكتوب عليها باللغة الإنجليزية “خريطة النواة الاستيطانية في غزة”.

وفي منشور على “إكس”، شكرت نحالا الوزير المتشدد على قبول دعوة المنظمة لـ”جولة ومراقبة مواقع المستوطنات المستقبلية في غزة”.

ترمب يؤيد الاستيطان

وأثارت تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول ضرورة استقبال مصر والأردن للفلسطينيين وحديثه عن “التطهير في قطاع غزة” ردود فعل رافضة في مصر والأردن ومن قبل الجامعة العربية.

تصريحات الرئيس الأمريكي تتماهى ومشروع اليمين المتطرف إعادة استيطان غزة و العودة إلى “غوش قطيف”. يتزامن ذلك وتهافت الفلسطينيين للعودة إلى ديارهم حتى وإن كانت أنقاضا بعد خمسة عشر شهرا من الحرب.

وذكر ترمب، في تصريحات للصحافيين على متن الطائرة الرئاسية في طريقه من لاس فيجاس إلى ميامي، أن قطاع غزة “موقع هدم حرفياً”، مشيراً إلى أن “الناس يموتون هناك”، وأنه يفضل المشاركة مع بعض الدول العربية في “بناء مساكن بمكان مختلف، حيث يمكن لهم أن يعيشوا في سلام من باب التغيير”.

وأعرب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، الأحد، عن رغبته في استقبال مصر والأردن فلسطينيين من قطاع غزة، وقال إنه تحدث مع ملك الأردن عبد الله الثاني، وسيتصل بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، بشأن هذا الأمر.

رفض فلسطيني وترحيب إسرائيلي

أجمع الفلسطينيون ليس فقط على رفض مقترح الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بنقل سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر، وإنما رفض حتى مناقشته.

فيما رحب وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتصريحات ترمب، قائلاً في بيان: “بعد 76 عاماً من احتجاز غالبية سكان غزة قسراً في ظروف قاسية، فإن فكرة مساعدتهم في العثور على أماكن أخرى لبدء حياة جديدة أفضل هي فكرة ممتازة”.

وأضاف: “لسنوات عدة، اقترح الساسة حلولاً غير عملية مثل تقسيم الأرض وإقامة دولة فلسطينية، الأمر الذي عرض وجود وأمن الدولة اليهودية الوحيدة في العالم للخطر، ما أدى فقط إلى إراقة الدماء والمعاناة لكثيرين.. إن التفكير خارج الصندوق والحلول الجديدة هي التي ستجلب السلام والأمن. سأعمل مع رئيس الوزراء والحكومة لوضع خطة عملية لتنفيذ ذلك في أقرب وقت ممكن”، حسبما أوردت صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”.

كما رحب وزير الأمن الداخلي السابق المعروف بمواقفه المتطرفة تجاه العرب والفلسطينيين، إيتمار بن غفير، بإعلان ترمب أنه طلب من الأردن، وسيطلب من مصر، نقل فلسطينيين إلى عمان والأردن.

وكتب بن غفير: “تهانينا للرئيس الأميركي ترمب على مبادرته بنقل سكان غزة إلى الأردن ومصر، ومن بين مطالبنا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تشجيع الهجرة الطوعية، وعندما يطرح رئيس أكبر قوة في العالم هذه الفكرة بنفسه، فمن الحكمة أن تنفذها الحكومة الإسرائيلية ـ تشجيع الهجرة الآن!”.

رفض مصري أردني
وتتصادم آراء ترمب مع المواقف العربية التي تؤكد الرفض القاطع لمحاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه بقطاع غزة والضفة الغربية.

وأعلنت مصر والأردن مراراً رفضهما فكرة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة أو الضفة الغربية المحتلة، وأكدتا التمسك بمسار “حل الدولتين”، وقيام دولة فلسطينية مستقلة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وذكر الرئيس المصري، الأربعاء الماضي، أن بلاده تسعى إلى إعادة الخدمات لقطاع غزة كي “يصبح قابلاً للحياة”، وتسعى كذلك لمنع أي محاولات لتهجير الفلسطينيين، ووصف فكرة تهجير الفلسطينيين بأنها “أمر ترفضه مصر، بشكل قاطع، حفاظاً على وجود القضية الفلسطينية ذاتها”.

معبر رفح

وفي 30 يونيو الماضي، شدد السيسي، على أن القاهرة رفضت ما سماها “محاولات خبيثة” لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة نحو الأراضي المصرية.

وقال السيسي، في خطاب بمناسبة ذكرى 30 يونيو: “المنطقة تمر بتغيرات خطيرة خلال الفترة الأخيرة، فما بين الحرب الإسرائيلية الغاشمة في غزة، التي غاب فيها ضمير الإنسانية، وصمت المجتمع الدولي، وأدار وجهه عن عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء والمشردين والمنكوبين، وبين محاولات خبيثة، لفرض التهجير القسري نحو أراضي مصر”.

وفي سبتمبر الماضي، أعرب ملك الأردن، في كلمة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عن رفضه فكرة تحول الأردن إلى “وطن بديل” للفلسطينيين، قائلاً إن “هذا لن يحدث أبداً”، ووصف عملية “التهجير القسري” للفلسطينيين، بأنها “جريمة حرب”.

وأضاف الملك عبد الله أنه “ولسنوات، مد العالم العربي يده لإسرائيل عبر مبادرة السلام العربية، مستعداً للاعتراف التام بها وتطبيع العلاقات معها مقابل السلام، إلا أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها”.

دعوات عربية للتصدي
وشددت القمة العربية والإسلامية غير العادية التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض، في نوفمبر الماضي، على رفض تهجير المواطنين الفلسطينيين داخل أرضهم أو إلى خارجها “باعتبارها جريمة حرب وخرق فاضح للقانون الدولي سنتصدى له مجتمعين”.

وفي مايو الماضي، جدد القادة العرب في البيان الختامي للقمة العربية العادية في البحرين، رفضهم القاطع لأي محاولات للتهجير القسري للشعب الفلسطيني من أرضه بقطاع غزة والضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية.

وأكد البيان الختامي حينها ضرورة وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة فوراً، وخروج قوات الاحتلال الإسرائيلي من جميع مناطق القطاع، ورفع الحصار المفروض عليه، وإزالة جميع المعوقات وفتح جميع المعابر أمام إدخال مساعدات إنسانية كافية لجميع أنحائه، وتمكين منظمات الأمم المتحدة، وخصوصاً وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من العمل، وتوفير الدعم المالي لها للقيام بمسؤولياتها بحرية وبأمان.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights