حواراتسلايدر

باحث جزائري: لن يتوقف الدعم الغربي للكيان إلا بدماره أو تدميره للمنطقة كلها

الكيان أكبر قاعدة عسكرية للغرب والولايات المتحدة أول الداعمين له

التتار والصليبيون وحدهم من يلجأون لحصار المدن وقتل أعدائهم بوحشية لأنهم همج

الولايات المتحدة دولة منافقة بامتياز ومعاناة دولة الاحتلال الاقتصادية كبيرة

 

حوار: أبوبكر أبوالمجد| لا صوت يعلو فوق صوت غزة.. هي وإن كانت تحت نيران قصف عدو غاشم غادر؛ غير أننا اعتدنا أن هذه النار هي التي تخرج لنا معدنًا ذهبيًا فريدًا للمقاومة التي تؤكد أن قضية فلسطين واستعادة الأراضي العربية من أيدي الصهاينة أمر حتمي مهما بعدت الشقة.

ولتسليط الضوء حول جانب من جوانب ما يجري في غزة وأثره الاقتصادي اخترنا محاورة الباحث الجزائري سيف الدين قداش، وهو كاتب ومحلل متخصص في الجيوبولتيك والشؤون الدولية، وباحث في الاقتصاد، وحاصل على دراسات عليا في العلوم السياسية والعلاقات الدولية ودراسات مقارنة، وله العديد من المقالات في عدة صحف ومواقع عربية حول الشؤون السساسية وقضايا التنمية والتجارب الناجحة، مثل الصين وإستونيا، وهولندا وفيتنام وغيرها.

ونجري معه هذا الحوار ونسأله أولًا:

-ما هي الخسائر الاقتصادية على العدو الصهيوني من عملية طوفان الأقصى وما تلاها؟

* يتضرر الاقتصاد الصهيوني بشكل فعلي جراء الدفاع البطولي لقطاع غزة المقاوم، حيث سيؤدي الوضع إلى تفاقم وتباطؤ حاد في نمو اقتصاد الكيان، حيث سيرتفع الإنفاق العسكري غير المنتج ويؤدي التجنيد إلى إغلاق وتقلص قطاعات في الاقتصاد الصهيوني، ويتوقف عمل القطاع السياحي وسيصاب الاقتصاد الصهيوني بالضمور جراء الاضطراب الأمني، وقد بدت معالمه بانخفاض حاد في مؤشرات بورصة تل أبيب تجاوز 6 بالمائة وانخفاض الشيكل بنسبة 3 بالمائة، وآليا سينخفض السلوك الاستهلاكي جراء الإغلاق، وبالتالي سيرتفع الإنفاق العام ويتوسع العجز الحكومي، بسبب ارتفاع الإنفاق وانخفاض الدخل.

وكما هو معروف سيعود التضخم من جديد نتيجة ضعف نمو الاقتصاد وارتفاع أسعار الفائدة، كما سيؤدي الوضع الأمني المضطرب إلى ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية جراء ضعف ومخاطر الإمداد، كما أن ارتفاع أسعار المحروقات من غاز وبترول المستعمل في لوجستيك جيش الاحتلال سيرفع أعباء وتكاليف تسيير العملية الإرهابية الصهيونية ضد غزة، زيادة على ذلك خسائر عملية “فوضى الطوفان”، حيث سيتكبد الاحتلال تكلفة معتبرة للتعويض والإعمار، فضلًا عن تعطل الاقتصاد مع هروب ألاف العمال والمستثمرين من الأراضي المحتلة، وتوقف شركات الطيران والشحن وتعطل حركة النقل خاصة توقف دخول العمالة من الضفة وغزة وتوقف آلة اقتصاد الاحتلال، مع إمكانية استمرار الوضع لأسابيع أو أشهر جراء تفاقم الصراع.

– في تقديركم.. لماذا خرجت الولايات المتحدة عن حيادها المظهري، وظاهرت بانحيازها للاحتلال؟

* لم تخرج يومًا الولايات المتحدة عن حيادها في دعم الكيان الصهيوني، بل منذ تأسيسه اعترفت به؛ وبالرغم من أنها راعية السلام بين الصهاينة والفلسطينيين لم تتوقف يوما قبل 48 وبعد ذلك عن دعم الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح والمال والمواقف لقتل الفلسطينيين ووأد قضيتهم، وكل ما يجعل تل أبيب أقوى وأقدر على تجاوز الشرعية الإنسانية والدينية والتاريخية والدولية.

لقد تعرضت مصر في الاعتداء الثلاثي جراء مواقفها العربية والبطولية بضربة ثلاثية من دولتين وطرف ثالث، (بريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني المصطنع)، عقابًا لها لأنها قررت تأميم قناة السويس، وفرض سيادتها عليها، وخاض الكيان حرب 67 برعاية أمريكية وغربية لإذلال مصر، وكسر أهميتها ومكانتها ككنانة العروبة والدولة العربية الأهم بازاء القضايا العربية في الشرق الأوسط،؛ ولأن حرب 73 كادت تمحو الكيان هددت الولايات المتحدة بضرب مصر بالنووي لحماية مدللتها الصهيونية من الفناء، لذا فأمريكا دولة مزدوجة المعايير وهي دولة منافقة بامتياز، ولا يمكن الوثوق بسلوكها السياسي لأنه لا علاقة له بالمُثل الأخلاقية ولا يحترم القانون الدولي ولا يلتزم بالأعراف والتقاليد الحضارية، فعار أخلاقي كبير على قوة عظمى أن تستعرض عضلاتها العسكرية الساحقة على قطاع صغير فيه مقاومة صامدة ضاقت ذرعا بالحصار والاحتلال والأسر والمضايقات المستمرة بإزاء جيش منظم تأتيه الأسلحة من كل مكان ليقتل ويحاصر مليوني إنسان في أبسط ضروريات الحياة. إن أمريكا التي تدافع على حقوق الانسان والديموقراطية والإنسانية تشارك في حصار شعب أعزل وحرمانه من كل احتياجاته الإنسانية، وهو تأكيد واضح على انحطاط وانحراف صانع القرار السياسي عن كل ماله علاقة بالإنسانية لأسباب طائفية وانتخابية بحكم أن جوزيف بايدن صهيوني، ووزير خارجيته أنطوني بلينكن يهودي، وغير ذلك، لقد عرف عن الجيوش قطعها المؤونة والماء عن بعضها البعض، لإضعاف الطرف الآخر؛ لكن لم يعرف إلا عن الهمجيين التتار والصليبين محاصرة المدن وتجويعها وقتل أهلها بوحشية وغطرسة؛ لأنها كانت عصية عليهم، لذا فإن انهيار أمريكا الأخلاقي أمر مقطوع به، وستنهار حضاريًا وسينتهي دورها العالمي قريبًا؛ لأن سنن العدل التي أذلت الفراعنة والروم والفرس وغيرهم، هي ذاتها ما تسقط الإمبراطوريات وترفع أخرى.

–  كثير من الدول الأوروبية تدعم الاحتلال في طغيانه على غزة، فهل يستطيع الغرب الآن فتح جبهة دعم جديدة مع أوكرانيا؟ وإلى أي مدى سيستمر هذا الدعم؟

* الغرب الآن يعتبر الكيان أهم من أوكرانيا لأسباب عقدية وإستراتيجية، وبالتالي فإنه مستعد لدعم تل أبيب بكل ما تحتاجه لتستمر في قتل المدنيين، وترويع الآمنين، وبالتالي فإن خزائن المال والأسلحة وآلة المواقف والمصالح لم ولن تتوقف عن دعم القاعدة الأمريكية والغربية الأكبر في العالم في الشرق الأوسط، ولن يتوقف الدعم الغربي إلا بدمار الكيان أو تدمير الكيان للمنطقة ككل.

– هل لهذه الحرب أثر اقتصادي على الدول العربية رغم الموقف الهزيل لها من العدوان؟

* ساهمت الإبادة الصهيو-غربية ضد غزة في رفع أسعار النفط في اليوم الأول ليعود للانخفاض، لكنها بشكل وبآخر هي وضعية تؤثر على المدى القريب على الدول الفاشلة اقتصاديًا مثل لبنان وسوريا، والتي تعاني من إنهاك وحصار ممنهج، لجعلها دول ضعيفة ومهلهلة، كما أنها ترفع العبء الإنساني والاقتصادي على مصر التي لديها دين خارجي ضخم جدًا يصل لـ 157 مليار دولار يكبل قدراتها الإستراتيجية، ويجعلها تعمل على تحقيق التعافي الاقتصادي بعد هبوط قيمة الجنيه، ونمو التضخم، خاصة في السلع الأساسية بالسوق الدولية، كما تعاني الأردن كذلك من وضع اقتصادي متفاقم جراء التحولات الاقتصادية العالمية بحكم أنها بلد يعتمد على المساعدات، لذا فكل هذه الدول مستوردة للطاقة وللسلع، واندلاع نزاع إقليمي سيجعلها في وضع صعب. كذلك فإن الوضع في غزة يمكن أن يتحول بشكل إيجابي على دول الخليج النفطية في حال تحول الصراع إلى إقليمي مما سيرفع مستوى القلق حول إمدادات النفط والغاز، ما من شأنه أن يرفع أسعارها وتتأثر بها دول كمصر والأردن، ولبنان وسوريا. وعلى مصر خاصة بدأت التداعيات الأولية تظهر مع توقيف شركة شيفرون إمدادات الغاز لمصر لتصديره عبر حقل تمار البحري الفلسطيني، فضلًا عن تهديد قناة السويس التي تمر بها 12 بالمائة من التجارة الدولية، بالإضافة إلى أن اندلاع حرب إقليمية يؤدي لخفض مستوى قدوم السياح للحد الأدنى مما يهدد دول الطوق بتقليص مداخيلها من العملات الصعبة.

– كيف تتمكن إسرائيل من الإقدام على مثل هذه المواجهات دون خشية هروب السياح أو الاستثمار؟

* الكيان هو قاعدة عسكرية كبرى للغرب، كما أن كبار الممولين لهذه القاعدة العسكرية الكبرى هي الولايات المتحدة من خلال لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك”، والتي تقود الرؤساء الأمريكان لأداء بيعة التصهين قبل تقلدهم الرسمي لمقاليد البيت الأبيض، حيث قدمت أمريكا منذ قيامه بإدخال معدل التضخم حوالي 260 مليار دولار كدعم عسكري بالأساس واقتصادي، حيث يتلقى الكيان مساعدة عسكرية في شكل منح لشراء أسلحة بقيمة 3.3 مليارات دولار سنويا من برامج التمويل العسكري الأجنبي، بالإضافة إلى 500 مليون دولار للبحث والتطوير، ونشر أنظمة الدفاع الصاروخي مثل القبة الحديدية بين الولايات المتحدة وتل أبيب، فضلًا عن الدعم الدولي والأممي وغيرها. لذلك الاقتصاد الصهيوني لديه بنوك ودول تسنده، وإذا خسر شطرًا من الاقتصاد الصهيوني، فكل الاقتصاد الغربي يدعمه ويقويه.

أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى