أدلى توماس باراك، المبعوث الأمريكي إلى سوريا وسفير الولايات المتحدة في تركيا، بتصريحات مثيرة للجدل دعا فيها إلى تطبيع العلاقات بين سوريا ولبنان من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، واصفًا الحرب الأخيرة بين إيران وإسرائيل بأنها “فرصة لطريق جديد” في الشرق الأوسط. تأتي هذه التصريحات في سياق تحولات إقليمية كبرى، تشمل سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، تراجع النفوذ الإيراني، وجهود إدارة الرئيس دونالد ترامب لإعادة تشكيل التحالفات عبر توسيع “اتفاقات إبراهام”.
سياق تصريحات توماس باراك ودلالاتها
أدلى باراك بتصريحاته خلال حوار مع وكالة الأناضول التركية ومقابلات مع قنوات عربية مثل الجزيرة والعربية، مشيرًا إلى أن الحرب بين إيران وإسرائيل كشفت هشاشة “محور المقاومة”، مما يتيح فرصة لإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية. واعتحربة التطبيع “ضرورة” لتحقيق الاستقرار، مؤكدًا دور تركيا كـ”عنصر رئيسي” في هذا المسار. كما عبر عن تفاؤله بقرب التوصل إلى وقف إطلاق نار في غزة، معتبرًا ذلك مدخلاً لدمج سوريا ولبنان في اتفاقات سلام مع إسرائيل.
- تحولات سوريا: بعد سقوط نظام الأسد، تتولى حكومة انتقالية بقيادة أحمد الشرع (المعروف سابقًا بأبو محمد الجولاني) إدارة البلاد، وسط أزمات اقتصادية وأمنية. رفع العقوبات الأمريكية في مايو 2025، عقب لقاء ترامب والشرع في الرياض، يعكس محاولة أمريكية لربط الدعم الاقتصادي بالتطبيع.
- وضع لبنان: يعاني لبنان من فراغ سياسي (غياب رئيس جمهورية) وانهيار اقتصادي، مما يجعله عرضة للضغوط الدولية، خاصة مع استمرار التوترات مع إسرائيل في الجنوب.
- الاستراتيجية الأمريكية: تصريحات باراك تتماشى مع سياسة إدارة ترامب لتعزيز “اتفاقات إبراهام”، مستغلة تراجع إيران بعد خسائرها العسكرية وتقليص نفوذ حزب الله.
الموقف الرسمي: بصفته مبعوثًا وسفيرًا، يعبر باراك عن موقف الإدارة الأمريكية، مدعومًا بلقاءاته مع ترامب، أردوغان، ونتنياهو في يونيو 2025. تصريحاته ليست رأيًا شخصيًا، بل جزء من استراتيجية تهدف إلى دمج سوريا ولبنان في تحالفات إقليمية بقيادة واشنطن وتل أبيب.
أسباب دعوة باراك للتطبيع في هذا التوقيت
- إضعاف إيران: أدت الضربات الإسرائيلية على المواقع العسكرية الإيرانية إلى تراجع نفوذ طهران في سوريا ولبنان، مما يسهل دفع هذين البلدين نحو التطبيع لتأمين حدود إسرائيل الشمالية.
- فرصة استراتيجية: وصف باراك الحرب بأنها “نقطة تحول”، حيث كشفت هشاشة محور إيران-حزب الله، مما يتيح إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية لصالح إسرائيل والولايات المتحدة.
- وقف إطلاق النار في غزة: توقع باراك التوصل إلى هدنة في غزة قريبًا، مما يخلق مناخًا مواتيًا لاتفاقات سلام، حيث يرى أن “الشعوب سئمت الصراعات”، مما يعزز قبول التطبيع كبديل عملي.
- سوريا: تواجه الحكومة الانتقالية أزمات اقتصادية حادة، مع انهيار الليرة السورية ومقاطعة غربية سابقة. رفع العقوبات الأمريكية واتفاقات الاستثمار في الطاقة (7 مليارات دولار) تُستخدم كأدوات ضغط لدفع دمشق نحو التطبيع.
- لبنان: الأزمة الاقتصادية، التي أدت إلى انهيار العملة بنسبة 95%، والفراغ السياسي يجعلان لبنان عرضة للضغوط. باراك حذر المسؤولين اللبنانيين من “اختبار صبر ترامب”، مشيرًا إلى ضرورة نزع سلاح حزب الله كشرط لأي دعم.
- الضغوط الأمريكية: تستغل واشنطن الوضع الهش في البلدين لربط المساعدات الاقتصادية بشروط سياسية، مثل التطبيع وتقليص النفوذ الإيراني. تصريحات باراك تحمل رسائل مباشرة: التطبيع شرط لإعادة دمج سوريا ولبنان في المجتمع الدولي.
موقف سوريا ولبنان من التطبيع:
- الموقف الرسمي: لم تعلن الحكومة الانتقالية بقيادة أحمد الشرع موافقة صريحة على التطبيع. وزير الخارجية أسعد الشيباني نفى وجود طلب أمريكي للانضمام إلى “اتفاقات إبراهام”، مؤكدًا أن سوريا لن تشكل تهديدًا لإسرائيل، لكنه اشترط انسحاب إسرائيل من الجولان المحتل.
- محادثات أولية: أشار باراك إلى “محادثات هادئة” بين دمشق وتل أبيب بشأن ترسيم الحدود واتفاق عدم اعتداء، لكن لا توجد تأكيدات رسمية لهذه المحادثات.
- المعارضة الداخلية: تواجه الحكومة الانتقالية معارضة من فصائل متشددة وأقليات (مثل العلويين والدروز) تخشى التطبيع بسبب احتلال الجولان والغارات الإسرائيلية المستمرة (مثل استهداف درعا في يونيو 2025).
لبنان:
- الموقف الرسمي: لا توجد مؤشرات رسمية تدعم التطبيع، حيث يحظر الدستور اللبناني الاعتراف بإسرائيل. محاولات سابقة، مثل اتفاقية 17 مايو 1983، أُجهضت بضغط من حزب الله والفصائل الدرزية.
- رفض حزب الله: يرفض حزب الله، القوة السياسية والعسكرية المهيمنة، التطبيع بشكل قاطع، ويعتبره تهديدًا للأمن القومي. تصريحات باراك حول نزع سلاح الحزب أثارت توترات، حيث تُنظر إليها كمحاولة لتفكيك “محور المقاومة”.
- الوضع الداخلي: الفراغ السياسي والأزمة الاقتصادية يجعلان لبنان عرضة للضغوط، لكن التطبيع قد يشعل صراعًا داخليًا، خاصة مع الرفض الشعبي الواسع ونفوذ حزب الله.
تداعيات التطبيع المحتمل على المنطقة
- الصراع العربي-الإسرائيلي:
سيؤدي تطبيع سوريا ولبنان إلى إنهاء حالة “المواجهة المباشرة” مع إسرائيل من دول الطوق (باستثناء العراق)، مما يعزز هيمنة إسرائيل الإقليمية. سيؤدي ذلك إلى تغيير جذري في العقيدة السياسية العربية، مع تقليص التهديدات على الحدود الشمالية لإسرائيل، خاصة إذا تم نزع سلاح حزب الله أو إضعافه. - القضية الفلسطينية:
سيُهمش التطبيع القضية الفلسطينية بشكل أكبر، حيث تعتمد فصائل المقاومة، مثل حماس، على دعم دمشق وبيروت. خسارة هذا الدعم ستكون ضربة رمزية ولوجستية، مما يضعف موقف الفلسطينيين التفاوضي والعسكري. وتشير تقارير إعلامية إسرائيلية إلى أن طرد الفصائل الفلسطينية من دمشق قد يكون خطوة لإثبات “حسن نية” سوريا تجاه إسرائيل. - موقف القوى الإقليمية:
- إيران: ستعارض التطبيع بشدة، لأنه يهدد نفوذها في سوريا ولبنان. لكن إضعافها بعد الحرب الأخيرة قد يحد من قدرتها على منع هذا المسار.
- حزب الله: سيواجه ضغوطًا داخلية وخارجية هائلة، مع احتمال اندلاع صراع داخلي في لبنان إذا أُجبر على نزع سلاحه، مما يهدد شرعيته السياسية.
- حماس: ستخسر دعمًا لوجستيًا وسياسيًا، مما يضعف موقفها في مواجهة إسرائيل، خاصة إذا تحقق وقف إطلاق النار في غزة.
الدور التركي في مسار التطبيع
- وجود دور تركي فعلي:
أكد باراك أن تركيا “عنصر رئيسي” في هذا المسار، حيث تلعب أنقرة دورًا محوريًا كوسيط وشريك في التحالفات الإقليمية. تدعم تركيا الحكومة الانتقالية في سوريا، وتسعى لتعزيز نفوذها عبر الوساطة بين دمشق وواشنطن. - شكل الدور:
- وساطة: تتوسط تركيا بين سوريا والولايات المتحدة، مستفيدة من علاقاتها مع أحمد الشرع وحكومته.
- شريك اقتصادي: مشاركتها في اتفاق الطاقة في سوريا (7 مليارات دولار) تعزز دورها الاقتصادي والسياسي.
- تقارب مع إسرائيل: أشار باراك إلى إمكانية إحياء العلاقات “الممتازة” بين أنقرة وتل أبيب، التي كانت قوية في التسعينيات. تصريحاته حول حل نزاعات برنامج F-35 والعقوبات على نظام S-400 بحلول نهاية 2025 تدعم هذا التوجه.
- وسيط أم طرف؟:
تركيا ليست مجرد وسيط، بل شريك في محور محتمل يضم الولايات المتحدة وإسرائيل لمواجهة إيران. تسعى أنقرة لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية، مع الاستفادة من تحسين العلاقات مع إسرائيل لتأمين مصالحها الاقتصادية والأمنية.
تداعيات التطبيع إذا تحقق
- إنهاء خطاب المواجهة:
سيؤدي تطبيع سوريا ولبنان إلى إنهاء خطاب “المواجهة المباشرة” مع إسرائيل من دول الطوق، مما يغير العقيدة السياسية العربية ويعزز هيمنة إسرائيل إقليميًا. - تهميش القضية الفلسطينية:
سيضعف التطبيع موقف الفصائل الفلسطينية، مع خسارة دعم دمشق وبيروت، مما يزيد عزلتها ويؤخر حل القضية. - تفكك محور الممانعة:
سيتلقى محور إيران-حزب الله-حماس ضربة قوية، مع احتمال تفككه أو إضعافه، خاصة إذا خسر حزب الله شرعيته في لبنان. - تشكيل تحالفات جديدة:
سيمهد التطبيع لمحور إقليمي يضم الولايات المتحدة، إسرائيل، تركيا، وبعض الدول العربية، مما يقلص نفوذ إيران بشكل كبير. - تحول الصراع إلى داخلي:
سيحول التطبيع الصراع من عربي-إسرائيلي إلى صراعات داخلية بين الشعوب وأنظمتها، خاصة في لبنان، حيث قد يؤدي نزع سلاح حزب الله إلى مواجهات داخلية، وفي سوريا، حيث قد يواجه الشرع معارضة من فصائل متشددة.
تعكس تصريحات توماس باراك استراتيجية أمريكية لاستغلال تراجع إيران وسقوط نظام الأسد لدفع سوريا ولبنان نحو تطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن إطار “اتفاقات إبراهام”. رغم وجود محادثات أولية مع سوريا، لا توجد مؤشرات رسمية على قبول التطبيع من دمشق أو بيروت، حيث تواجه هذه الخطوة عقبات كبرى، تشمل احتلال الجولان، نفوذ حزب الله، والرفض الشعبي. تلعب تركيا دورًا محوريًا كوسيط وشريك، مع إمكانية إحياء علاقاتها مع إسرائيل. إذا تحقق التطبيع، سيعيد تشكيل الشرق الأوسط، لكنه قد يشعل صراعات داخلية ويُهمش القضية الفلسطينية بشكل أكبر.