التقى رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة أمس الأربعاء وتزامنت الزيارة، التي جاءت قبل أيام قليلة من الانتخابات البرلمانية لإقليم كردستان العراق في 20 أكتوبر، مع مناقشات ساخنة داخل تركيا بعد أن ألمح الرئيس أردوغان مؤخرا إلى إمكانية بدء عملية سلام كردية جديدة.
بدء عملية سلام كردية جديدة
وقال “نحن مستعدون دائما لحل القضايا بالطرق غير الإرهابية”. وفي الأول من أكتوبر، وفي خطوة مفاجئة، صافح زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهجلي، نواب حزب المساواة والديمقراطية المؤيد للأكراد وتحدث معهم لفترة وجيزة في حفل افتتاح البرلمان التركي.
من جانبه، تمثل زيارة بارزاني أيضًا خطوة أخرى في جهوده المستمرة لإقناع السلطات برفع حظر الطيران على مطار السليمانية الدولي في العراق، والذي ظل ساريًا منذ أبريل 2023.
وقال غالب دالاي، وهو زميل استشاري بارز في مركز تشاتام هاوس للأبحاث المتخصص في الشؤون الدولية ومقره لندن، إن الحزب الديمقراطي الكردستاني يظل أقرب حليف لتركيا، ليس فقط في كردستان العراق ولكن في المشهد السياسي العراقي بأكمله.
وأضاف دالاي لصحيفة عرب نيوز: “داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، يعد نيجيرفان بارزاني الأكثر انسجاما مع أولويات أنقرة، ويفهم أهمية الحفاظ على العلاقات الثنائية القوية”.
وقبيل الانتخابات الإقليمية في العراق، يبدو أن أنقرة تفضل الحزب الديمقراطي الكردستاني على منافسه حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي تربطه علاقات أوثق بحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني السوري.
ونوه دالاي “إن حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يتحالف بشكل أكبر مع الفصائل المرتبطة بحزب العمال الكردستاني، في حين يضع الحزب الديمقراطي الكردستاني نفسه كخصم للجماعة المسلحة. وتسعى تركيا إلى وجود أقوى للحزب الديمقراطي الكردستاني، وتنظر إليه كشريك عملي في المعادلة المعقدة في المنطقة”، مضيفًا أن أي تقدم في القضية الكردية يتطلب من أنقرة أن تتبنى سياسة كردية إقليمية مدروسة جيدًا، حيث يمكن للحزب الديمقراطي الكردستاني أن يلعب دورًا مهمًا فيها.
وتأتي زيارة بارزاني إلى تركيا بعد ستة أشهر من زيارة أردوغان لبغداد وأربيل وأضاف محمد ألاجا، الخبير في شؤون العراق المقيم في تركيا، لصحيفة عرب نيوز: “نيجيرفان بارزاني زعيم إقليمي يتواصل بشكل متكرر مع تركيا. ففي الأول من مارس/آذار، التقى بالرئيس أردوغان على هامش منتدى أنطاليا الدبلوماسي، ثم التقيا مرة أخرى خلال زيارة أردوغان إلى أربيل في الثاني والعشرين من أبريل/نيسان”.
صراع مسلح مكثف
ويشير الخبراء إلى أن بارزاني قد يلعب دور الوسيط الحاسم في أي عملية سلام كردية منتعشة. وفي السابق، اتخذ حزب العدالة والتنمية الحاكم خطوات نحو هذا الهدف في الفترة 2013-2015، لكن هذه الخطوات باءت بالفشل. وتبع ذلك صراع مسلح مكثف في جنوب شرق تركيا، مع قيام فروع حزب العمال الكردستاني في سوريا بتوسيع أراضيها وسط الحرب الأهلية هناك.
وقال علجا إن زيارة بارزاني الأخيرة كانت ذات أهمية خاصة في ضوء المناقشات الجارية حول مبادرة السلام الكردية في تركيا والانتخابات المقبلة لحكومة إقليم كردستان.
وتابع “إن الدور الذي لعبه زعماء أكراد العراق كوسطاء خلال جهود السلام الكردية السابقة موثق جيدا. وفي هذا السياق، من المرجح أن يكون وجود حزب العمال الكردستاني في شمال العراق ومبادرة السلام الكردية من الموضوعات الرئيسية خلال الزيارة”.
وأشار علجا أيضا إلى أن بارزاني، باعتباره شخصية تصالحية، قد يمارس ضغوطا على الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن علاقته مع حزب العمال الكردستاني، نظرا للمخاوف التركية القديمة بشأن هذه العلاقات.
غير إن “بارزاني يمكن أن يلعب دور الوسيط أو يأخذ المبادرة في هذه القضية” وأضاف أن أنقرة تقدر الدور السياسي للتركمان العراقيين في حكومة إقليم كردستان، مشيرا إلى أنه تم تعيين وزير تركماني في الحكومة الأخيرة تحت ضغط من تركيا: “مثل هذه الأمور يمكن أن تكون أيضا جزءا من المناقشات”.
وفي الوقت نفسه، يشكل خط أنابيب النفط المتوقف، والذي تم إغلاقه في مارس 2023، قضية بارزة على الأجندة الثنائية.
وأوضح ألاجا أن “أنقرة أعربت عن استعدادها لإعادة فتح خط الأنابيب، لكنها حثت أربيل وبغداد على حل خلافاتهما. ومع تحسن العلاقات بين أنقرة وبغداد، قد تتطلع حكومة إقليم كردستان إلى تركيا للمساعدة في إقناع الحكومة العراقية في هذا الشأن”.
وأضاف أن الزيارة عززت دعم تركيا لكتلة نيجيرفان بارزاني الأكثر اعتدالا داخل الحزب الديمقراطي الكردستاني، على النقيض من الكتلة القومية التي يقودها منافسه رئيس الوزراء مسرور بارزاني.
ويرى الدكتور بيلجاي دومان، منسق دراسات العراق في مؤسسة أورسام البحثية في أنقرة، أن بارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني يسعيان للحصول على الدعم مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية في إقليم كردستان.
وقال لصحيفة عرب نيوز “إن الحزب الديمقراطي الكردستاني تعرض لضغوط كبيرة في الآونة الأخيرة، ويواجه تحديات متزايدة من بغداد والاتحاد الوطني الكردستاني”.
ويواجه الحزب أيضا صعوبة في تأمين الدعم الذي كان يحظى به من الغرب والولايات المتحدة، مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر المقبل، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين. وفي هذا السياق، تبرز تركيا باعتبارها الحليف الأكثر أمانا وموثوقية. وينبغي لنا أن نأخذ هذه الزيارة في الاعتبار”.
تخفيف التوترات مع بغداد
ويشير الخبراء إلى أن القضايا الرئيسية مثل استمرار تصدير النفط، وتخفيف التوترات مع بغداد، وجهود مكافحة الإرهاب من المرجح أن تكون على الأجندة الثنائية، لكن التركيز الآن ينصب على الحصول على الدعم الدبلوماسي للحزب الديمقراطي الكردستاني على الساحة الإقليمية.
بالأمس فقط، عقد رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني تجمعًا حاشدًا في إطار حملة انتخابية في أربيل، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لتركيا. ورغم أنه من السابق لأوانه التنبؤ بكيفية تطور المفاوضات مع الاتحاد الوطني الكردستاني، فمن الواضح أن الحزب الديمقراطي الكردستاني قد لا يحصل على مقاعد كافية لتشكيل حكومة بمفرده، الأمر الذي قد يتطلب إعادة التوازن في ديناميكيات القوة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كما قال دومان.
ورغم أن تركيا لا تمتلك تفضيلاً مباشراً، فإن علاقة نيجيرفان بارزاني مع تركيا تتميز بأهمية خاصة بالنسبة لعمليات تشكيل الحكومة المقبلة.
رفع حظر الطيران
وأضاف دومان أنه لا يتوقع رفع حظر الطيران على مطار السليمانية الدولي في أي وقت قريب، لأن ذلك يعتمد إلى حد كبير على موقف الاتحاد الوطني الكردستاني تجاه حزب العمال الكردستاني، حيث كان الهدف الرئيسي من الحظر هو الحد من نشاط حزب العمال الكردستاني في المنطقة.
وفي الوقت نفسه، كثفت تركيا عملياتها عبر الحدود ضد حزب العمال الكردستاني، مع التركيز منذ منتصف يونيو على المناطق ذات المخاطر المتزايدة من نشاط حزب العمال الكردستاني مثل محافظة دهوك في شمال العراق.
وفيما يتعلق بالجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب، قال دومان إن تركيا أنشأت بالفعل آلية استراتيجية ثلاثية داخل مثلث أنقرة وبغداد وأربيل، تضمنت تبادل المعلومات الاستخباراتية مع أربيل، إلى جانب إنشاء مركز مشترك للتنسيق والعمليات.