مقالات

برغم امتلاكها السلاح النووي.. ترامب لن يضرب إيران.. وهذه هي الأسباب!

بقلم: السيد هاني

سأبدأ بالتذكير أن العالم كله يتحدث منذ عام ٢٠١٨ (الذي ألغى فيه ترامب الاتفاق النووي مع إيران) عن أن إيران أصبحت على مسافة أسابيع قليلة فقط من إنتاج القنبلة النووية! لاسيما أن إيران ردت في ذلك الوقت على قرار ترامب بإلغاء الاتفاق النووي معها.. بالإعلان عن زيادة نسبة تخصيبها لليورانيوم من ٣،٥% إلى أكثر من ٦٠%.. ويقال انها وصلت الآن إلى أكثر من ٩٠%..

مرت مئات الأسابيع وعشرات الشهور.. و٧ سنوات منذ عام ٢٠١٨.. ولم يتحدث أحد عن إنتاج إيران القنبلة النووية.. رغم وجود مؤشرات كثيرة تقول إن إيران انتجت القنبلة النووية بالفعل.. لكنها تتبع نفس سياسة إسرائيل في الموضوع النووي.. وهي سياسة «الغموض».. فالتقارير الصادرة من بعض الهيئات الدولية ذات المصداقية.. تقول إن إيران أصبح لديها من اليورانيوم المخصب ما يكفي لإنتاج ٦ رؤوس نووية..

في المقابل تقول إيران إن برنامجها النووي هو للاستخدامات السلمية فقط.. وإنها لا تعتزم إنتاج السلاح النووي لأسباب دينية ترتكز على فتوى المرشد على خامنئى.. بحرمة إنتاج أو استخدام هذا السلاح.. لأنه يسبب دمارا شاملا ويقتل الأبرياء..

لكن في الدين الإسلامي نفسه قاعدة فقهية تقول: «الضرورات تبيح المحظورات».. بالتالي يمكن الاستناد إلى هذه القاعدة الفقهية لإصدار فتوى جديدة من المرشد.. في حال تعرض إيران لهجوم عسكري.. تقول: «إن إنتاج القنبلة النووية.. حلال من الناحية الدينية.. امتثالا لقول الله تعالى في القرآن الكريم: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم}..

ثم يقوم علماء الدين في إيران بعد صدور فتوى المرشد.. بتفسيرها على أساس أن المقصود بالقوة في الآية الكريمة هي القوة النووية.. لأنها مسبوقة بعبارة «ما استطعتم».. والمقصود بـ«رباط الخيل».. هي الصواريخ الباليستية عابرة القارات..

إذن.. فمن الناحية الدينية.. لا توجد لدى إيران أية مشكلة في إنتاج السلاح النووي.. ولا في إصدار فتوى جديدة من المرشد.. تجعل الذي كان حراما بالأمس.. أصبح اليوم حلالا بنص القرآن الكريم…!!

لعل ذلك هو ما جعل «على شامخانى».. وهو من القيادات العسكرية البارزة في إيران.. يصرح منذ أيام قليلة فقط بأن إيران سوف تنتج السلاح النووي إذا ما تعرضت منشآتها النووية لهجوم عسكري من الولايات المتحدة.. كما ستقوم بنقل مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى أماكن مجهولة!!

***

وجهة نظري أن هذا قد تم بالفعل.. إيران انتجت السلاح النووي.. ووضعت مخزونها من اليورانيوم المخصب في أماكن مجهولة..

لذلك نراها تتحدث الآن مع الولايات المتحدة الأمريكية بمنتهى الثقة.. فعندما يدعوها الرئيس ترامب للحوار ويهدد بالخيار العسكري..

فإنها ترد على ذلك بثلاثة شروط:

١- ترفض الحوار مع أمريكا تحت التهديد..

٢- ان الحوار يجب ان يتم على أساس “التكافؤ” بين الجانبين..

٣- الحوار يجب أن يتم بطريقة غير مباشرة..

تمسك ترامب أن يتم الحوار بطريقة مباشرة.. وأرسل ممثله الخاص للشرق الأوسط ستيف ويتكوف إلى العاصمة العمانية مسقط للقاء وزير الخارجية الإيراني سيد عباس عراقجى.. فلم تخضع إيران لرغبة ترامب وأصرت على أن يتم الحوار بطريقة غير مباشرة.. ثم نجحت الوساطة العمانية بين الجانبين في التوصل إلى حل وسط.. وهو ان تبدأ الجلسة الأولى في الحوار بطريقة غير مباشرة.. وعندما تظهر بوادر إيجابية.. يجرى الحوار بطريقة مباشرة في الجلسة الثانية..

أمام هذا الثبات في الموقف الإيراني.. بدأت الإدارة الأمريكية في التراجع إلى الوراء وتخفيف حدة تصريحاتها.. إلى الدرجة التي صرح فيها مسئول أمريكي لـ«أكسيوس» بالقول: «ترامب مستعد لتقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق مع إيران»..

ونشرت «أكسيوس» أيضا عن مسئول أمريكي قوله: «إن ويتكوف سيكرر خلال محادثاته مع الوفد الإيراني في مسقط؛ محتوى رسالة ترامب إلى المرشد الإيراني على خامنئى.. وهو أن ترامب يفضل حلا دبلوماسيا مع الحرص على عدم حيازة إيران سلاحا نوويا»!

***

تقديري.. أن محادثات مسقط.. ستسفر عن نتائج إيجابية ضئيلة.. لكنها بالقطع سوف تؤدى إلى نزع فتيل التوتر.. وتبعد شبح المواجهة العسكرية بين الجانبين الأمريكي والإيراني.. لسببين:

الأول:

خبرة الجانب الإيراني.. في أي عملية تفاوض.. خاصة مع الأمريكيين.. فهو قادر على ان يطيل المفاوضات.. ويغرقها في تفاصيل.. ودهاليز.. تمتد لسنوات..

الثاني:

رغبة ترامب في التوصل إلى اتفاق مع إيران عبر الحوار.. والوسائل الدبلوماسية.. بعد أن أدرك بما لا يدع مجالا للشك أن أي عمل عسكري ضد إيران.. سيكون باهظ التكلفة من كل النواحي.. ولن يؤدى إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني.. بل سيفشل ويسئ إلى صورة الولايات المتحدة الأمريكية في العالم!!

لماذا؟ هذا هو السؤال..

والإجابة على هذا السؤال تتطلب منا أن نعود إلى العام الماضي.. عندما ارتفع منسوب التوتر بين إيران وإسرائيل إلى درجة تبادل القصف (الاستعراضي) بينهما في شهر أبريل ٢٠٢٤.. في هذه الأثناء قام سكرتير مجلس الأمن الروسي ووزير الدفاع السابق «سيرجى شويغو» بزيارة إلى إيران استمرت عدة أيام.. التقى خلالها بكبار المسئولين السياسيين والعسكريين في إيران.. أعقب هذه الزيارة إرسال روسيا إلى إيران أحدث ما انتجته مصانع السلاح الروسية من أنظمة الدفاع الصاروخي.. «صواريخ إس ٥٠٠».. ومقاتلات من أحدث طرازات سوخوى..

– وتم إحاطة جميع المنشآت النووية في إيران بأنظمة الدفاع الصاروخي الروسية من «أحدث طراز».. بالإضافة إلى سرب من الطائرات المقاتلة سوخوى الحديثة..

لذلك فإن أي محاولة من جانب الجيش الأمريكي لقصف منشآت البرنامج النووي الإيراني.. سوف تتصدى لها انظمة الدفاع الصاروخية الروسية التي تحمى هذه المنشآت..

فإذا أضفنا إلى ما سبق أن البرنامج النووي الإيراني.. موزع في ٩ أماكن (كما ذكرت بعض التقارير).. كلها في الجبال تحت الأرض بمسافات كبيرة.. ندرك صعوبة القضاء على البرنامج النووي الإيراني.. صحيح ان الولايات المتحدة تمتلك قنابل خارقة للأسطح الخرسانية.. لكن لن تكون العملية سهلة.. وسيصعب على الجيش الأمريكي إلحاق أضرارا بالمنشآت النووية في إيران.. وستفشل أي عملية يمكن أن يقوم بها لتحقيق هذا الغرض!

هنا لابد أن أذكر بالتصريح الذي أطلقه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين العام الماضى.. عندما قامت الولايات المتحدة بتزويد اوكرانيا بطائرات «إف ١٦».. قال بوتين إن روسيا ستزود الدول المعادية للولايات المتحدة بأسلحة استراتيجية.. وهذا بالضبط ما فعله بوتين عندما أرسل أحدث ما انتجته مصانع السلاح الروسية من انظمة مضادة للصواريخ إلى إيران..

أضف إلى ذلك ان أيران قد قامت بتزويد روسيا اثناء حربها مع أوكرانيا؛ بأحدث ما انتجته من الطائرات المسيرة.. وإيران متقدمة جدا في صناعة هذا النوع من الطائرات.. فضلا عن كميات كبيرة من الذخيرة الإيرانية.. عندما عانت روسيا من نقص الذخيرة في مخازنها.. بسبب اشتداد الحرب في اوكرانيا..

– إذن.. فالتعاون العسكري بين روسيا وإيران.. والتحالف القائم بين هاتين القوتين؛ الذي أكد عليه الرئيس بوتين خلال زيارة سابقة لإيران.. فضلا عن أن روسيا هي التي أنشأت البرنامج النووي الإيراني.. ولا تقبل أن يتم تدميره بأسلحة أمريكية.. كل هذه أسباب تجعل روسيا ستقف إلى جانب إيران في التصدي لأي هجوم عسكري على منشآتها النووية..

***

ولأن الرئيس ترامب يعرف أن صواريخه التي سيطلقها على البرنامج النووي الإيراني.. سوف تتصدى لها الدفاعات الروسية.. وستسقطها قبل الوصول إلى أهدافها..

كما أنه سمع تهديد إيران بأنها ستستهدف القواعد الأمريكية الموجودة في المنطقة (في قطر والبحرين والكويت والسعودية) في حالة الهجوم الأمريكي على إيران..

بدأ الرئيس الأمريكي يعلن على لسان مساعديه أنه مستعد لتقديم تنازلات.. وأنه يفضل الحل الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق مع إيران..

***

وجهة نظري أن أمريكا ذهبت الآن إلى مسقط للبحث عن اتفاق يحفظ لها ماء وجهها.. بعد أن أدركت انها لا تستطيع تنفيذ تهديداتها بضرب إيران..

ذهبت أمريكا إلى مسقط تطلب من إيران «ورقة توت» تخفي بها عجزها عن ضرب إيران..

فإذا أصرت إيران على ألا تقدم إلى الولايات المتحدة «ورقة التوت» التي تطلبها.. في هذه الحالة فقط ستضطر الولايات المتحدة إلى القيام بضربة (استعراضية) ضد إيران.. سيتم الاتفاق عليها مسبقا مع كل من موسكو وطهران.. للاتفاق على توقيت الضربة.. والأماكن التي سيتم استهدافها.. وعدد الصواريخ التي ستطلق.. بالضبط مثل الضربة التي وجهها الرئيس ترامب إلى سوريا في ولايته الأولى بالاتفاق مع موسكو.. وقصتها معروفة..

***

لقد اتخذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره النهائي بعدم ضرب إيران.. وأبلغ ذلك لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته لواشنطن الأسبوع الماضي.. فأصاب نتنياهو بالاكتئاب.. وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن زيارة نتنياهو لواشنطن قد فشلت!!

——————————

في المقال القادم بإذن الله تعالى.. الدلائل القوية على أن إيران انتجت السلاح النووي بالفعل!

السيد هاني

كاتب صحفي مصري، نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية متخصص في الشئون الدولية، وعضو المجلس المصري للشئون الخارجية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى