مقالات

بشير بن حسن يكتب: بين السّماع والقراءة

يمرّ الإنسان في حياته العلمية والمعرفية بمراحل شتى، يستفيد فيها ويفيد، ويصيب فيها ويخطئ، ولو كان صادق النية،

لأن صفة البشرية لا تنفكّ عن أي شخص، ولا معصوم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم،

وإنني في هذا السن، وبعد ثمانية وعشرين عاما من انطلاق رحلتي في طلب العلم، والتعليم والدعوة إلى الله سبحانه، أردت فقط أن أذكر مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي طريقة التلقي! أي تلقي العلم !

فقد كان أول مشواري السماع والإنصات، لعدد من العلماء والدعاة، سواء على المباشر في حلقاتهم، أو عن طريق شرائطهم التي أملك منها الآلاف!! وكنت ولوعا بسماعها إلى حد كبير، وقد استفدت منها جدا بلا شك،

غير أن هذه الطريقة، مع ما فيها من نفع، لكنها قد توقع في نوع من التقليد، بإرادة أو لا إرادة، بشعور أو بلا شعور، بقصد أو من غير قصد، لا سيما إذا كان المتكلم نفسه مقلدا لمذهب من المذاهب الفقهية، وهو لا يعدو أن يكون ناقلا عن غيره بلا تمحيص ولا نظر! وبذلك يتسلسل التقليد تسلسل عرى القلادة بعضها مع بعض،

ولكن في سنواتي الأخيرة ومنذ عقد من الزمن تقريبا، غلبت القراءة السماع، بل حلّت محلّه، وليس السامع كالقارئ!!

أبدا.

فإن من مزايا القراءة أنها تطلعك على المصادر مباشرة، وتعلم بها أن كثيرا مما سمعته لم يكن موثوقا في كل شيء، وأن مسائل ادعي فيها الإجماع ولا إجماع، وأخرى قيل فيها هي الراجح و هي مرجوحة، وثالثة ، أنها واجبة وهي مستحبة، وهكذا.

إن الاقتصار على السماع، قد يكون نوعا من أنواع اختصار الطريق، خاصة إذا كان في باب الفتوى، ويا ليته كان في الشروح المطولة!

كما أن من البلاء أننا حُذّرنا من القراءة لشخصيات إسلامية بارزة، بنت في العلم بناء شاهقا، بدعوى أنهم مبتدعة!!

فلما قرأت لهم تبين الأمر على خلاف ما سمعت!! و كأن الأمر مقصود؟؟!!

نعم لا يسلم احد من النقد، وكل يؤخذ منه ويرد عليه ، ولكن العدل مطلوب (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى).

أقول لكل هؤلاء الشباب، لا تسمعوا لأحد، اذهبوا الى القراءة،

اقرؤوا للريسوني، والغزالي، والقرضاوي، والشنقيطي، ومالك بن نبي، والخادمي، والصلابي، ومصطفى الزرقا، والقطبان محمد وسيد، والبنا. والطريفي والمطيري والحوالي والعودة ومن قبلهم القرافي والشاطبي وبن عاشور..

وغيرهم من المعاصرين لا حرج اقرأ واصطحب معك قلمك الأحمر، وصحح ما تجده من الأخطاء! أو اقرأها ثم بعد ذلك ألقها.. المهم دعك من الببغائية، والقردية!! فإنك إنسان ذو عقل وذوق وتمييز.

ولكن القراءة تحتاج إلى صبر على الكتاب، وتركيز للاستيعاب، واقتناص للفوائد،

ومن ابتلي بحب اختصار الطريق فسيواصل في الاستماع ،ويبقى على جموده وتقليده الأعمى.

والله ولي التوفيق

بشير بن حسن

داعية إسلامي من تونس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى