بعد شهر من الثورة السورية.. لماذا انسحبت روسيا وإيران من سوريا؟!
أحمد سعد حمد الله
شهر كامل مر على نجاح الثورة السورية بقيادة (هيئة تحرير الشام) وإسقاطها نظام بشار الأسد، وتوليها مقاليد الحكم في البلاد!!
ثلاثون يوما بالتمام والكمال مرت، دون أن يصل الناس إلى إجابات للأسئلة الكبرى، التي واكبت الثورة، وتمثلت في الانسحاب المفاجئ والسريع للقوات الروسية والإيرانية من سوريا، بعد أن كانت الدولتين، تحميا بشار ونظامه طيلة الـ13 سنة السابقة لسقوطه.
لماذا تركت روسيا وإيران حليفهما الكبير يسقط بكل هذه السهولة؟! ولماذا تخلتا عن مصالحهما العديدة داخل الأرض السورية، وهي مصالح كلفتهما الغالي والنفيس، وأنفقا من أجلها أموالا طائلة، وارتكبا في سبيل تحقيقها، العديد من المذابح والمجازر البشرية؟
وتساؤلات أخرى كثيرة تعلقت بالخروج المريب للروس والإيرانيين من سوريا، تساؤلات أقرب ما تكون إلى الألغاز، التي لم تجد من يحلها إلى الآن!
بيد أن الغريب هنا، هو أن نجد كثير من الناس وقد انشغلوا، بالبحث عن إجابات لأسئلة تتعلق بمستقبل سوريا بعد الأسد، وتحت حكم أحمد الشرع، قبل أن يتوصلوا لإجابات وافية عن الأسئلة التي أدت إلى ذلك، دون ممانعة أو مقاومة ممن كانوا يحكمون سوريا فعليا، وهما روسيا وإيران.
فوفقا لفقه الأولويات فأنه لا يجوز لنا البحث في مآلات الثورة السورية الجديدة، قبل معرفة الأسباب التي أدت إلى نجاحها، حتى هذه اللحظة، فهذا يوصل لذاك، وليس العكس.
سوريا ساحة الصراع الدولي
لكن ومن حيث المبدأ، فإنه يستحيل علينا قراءة المشهد السياسي السوري بأكمله، والوصول لإجابات عن الأسئلة السابق طرحها، دون قراءة شاملة للمشهد السياسي بأكمله، إقليميا ودوليا، لأن الحال في السياسة،
كما الحال في جسم الإنسان، يستحيل على الأطباء الوصول لتشخيص سليم لأي عارض مرضي لأي عضو من أعضاء الجسد، دون الاطلاع على حالة بقية الأعضاء،
وكما هو واضح ومعلوم للجميع، فإن سوريا طوال السنوات الماضية، منذ اندلاع ثورات الربيع العربي 2011،
وحتى سقوط بشار 2024، كانت مسرحا كبيرا للنزاعات الإقليمية والدولية، الكل يريد الفوز بها، فبخلاف الوجود الإيراني والروسي،
كان هناك وجودا قويا للأمريكان والأتراك، بالإضافة إلى إسرائيل، وإذا كان البادي من المشهد الآني داخل سوريا، هو انزواء كل هذه الدول، وغياب دورها في إدارة شئون البلد،
فهذا لا يعني أبدا، أن الأطماع في سوريا، قد توقفت، فالاعتقاد بهذا الأمر، هو وهم كبير يجب أن يفيق الناس منه حتى لا يصابوا بالصدمة من أي تحولات قادمة،
لأن النزاع على سوريا، والعمل على تدجين نظامها، كما هو حاصل مع كل الأنظمة العربية بالشرق الأوسط، لن يتوقف أبدا، على الأقل من جانب أمريكا وإسرائيل، فكلاهما مصلحته واحدة،
وهي الحفاظ على الوجود الإسرائيلي في المنطقة، وتأمين كل الحدود المحيطة بها، وخصوصا حدودها مع سوريا،
باعتبار أن سوريا هي الدولة الكبيرة الثانية المجاورة لها بعد مصر، ومن ثم فحدودها يجب أن تكون على أعلى مستوى من التأمين.
وبالنسبة لتركيا فهي يهمها بالدرجة الأولى التواجد في سوريا لحماية حدودها من خطر الأكراد، أما إيران وروسيا، فأهدافهما توسعية بالدرجة الأولى.
وعليه فإننا لن نتمكن من حل لغز الانسحاب المفاجئ والسريع لقوات روسيا وإيران من سوريا، إلا إذا تم ربط هذا التطور، بما يجري من أحداث إقليمية ودولية أخرى، وعلاقة الدولتين بتلك الأحداث.
حرب أوكرانيا وسقوط بشار
روسيا وكما هو معروف، تخوض منذ ثلاث سنوات تقريبا، حربا عنيفة مع جارتها أوكرانيا، والمفهوم لدى الجميع أن أمريكا تقف وبقوة في صف الأوكران ضد الروس،
وكان قد تواكب قيام الثورة السورية الجديدة، وانسحاب القوات الروسية من الأراضي السورية، مع حدوث تطور مهم في الحرب الروسية الأوكرانية، بأن قررت أمريكا السماح لأوكرانيا باستخدام صواريخها طويلة المدى لضرب العمق الروسي،
وهي خطوة قال عنها الخبراء العسكريون في حينها، بأنه العمل العسكري الأول من أمريكا ضد روسيا في حربها مع أوكرانيا،
أما روسيا فقد وصفت الخطوة بأنها صب للزيت على النار، وبالتالي فمن غير المستبعد أبدا أن يكون القرار الروسي بالانسحاب من سوريا أمام الثوار وترك نظام الأسد يسقط بكل هذه السهولة، هو أحد ردودها على أمريكا،
حيث أن روسيا تعي جيدا، معنى أن يصبح حكم الدولة السورية في يد الثوار، خصوصا وأن هؤلاء الثوار انتهجوا المنهج العسكري في حركتهم الثورية،
وهو أمر يٌتوقع أن يمثل خطرا مستقبليا كبيرا على الوجود الإسرائيلي في المنطقة،
ومن ثم يصيب أمريكا بالقلق، ليس خوفا على مستقبل إسرائيل فحسب، وإنما على المصالح الأمريكية بالشرق الأوسط عامة، ومنطقة الخليج خاصة،
باعتبار أن نجاح الثورة السورية، سيشجع شعوب بقية الدول العربية بالمنطقة، على الثوران ضد أنظمتها،
ومن ثم يصبح الحكم في المنطقة للشعوب، وهذا أكثر ما يرعب الأمريكان وحلفاؤهم.
إسقاط حزب الله واغتيال هنية وراء الانسحاب الإيراني
أما بالنسبة لإيران وانسحابها المريب من سوريا، فهو موقف تجيب عليه العديد من الأحداث الكبرى التي وقعت مؤخرا،
وكلها تتعلق بإهانات بالغة وجهتها إسرائيل لإيران، تحت سمع وبصر وحماية الأمريكان، كان أخرها هو قطع يد إيران العسكرية في منطقة الشام، والمتمثلة في حزب الله اللبناني،
والذي قررت إسرائيل الإجهاز عليه وإنهاء وجوده بشكل مفاجئ، بعد أن تركته يلهو معها لأربعة عقود متصلة، وقد سبق تلك الإهانة لإيران، إهانات أخرى كثيرة كانت أشد إيلاما،
وبدا أنها غير متفق عليها مع إسرائيل والأمريكان، أبرزها اغتيال رئيس الدولة إبراهيم رئيسي بأذربيجان في التاسع عشر من مايو الماضي،
ثم اغتيال إسماعيل هنية رئيس حركة حماس الفلسطينية، والذي تمت عملية اغتياله في عقر دار الإيرانيين،
وقبلهما اغتيال العديد من القيادات العسكرية بالحرس الثوري الإيراني، وحزب الله،
وقد بدا واضحا أن كل هذه العمليات تمت دون تنسيق أو ترتيب بين إسرائيل وأمريكا من ناحية وإيران من الأخرى،
وقبل أن تتهمني عزيزي القارئ بالجنون لأني ألمح من كلامي هذا، إلى أن إيران تعمل في المنطقة بالتنسيق مع أمريكا وإسرائيل ولم تعاديهما كما يعتقد الغالبية العظمى من الناس، استسمحك في قراءة مقالين سابقين كتبتهما هنا،
الأول بعنوان: إيران وحماس.. والصفقة الأمريكية
والثاني بعنوان: إيران وإسرائيل.. والعداء المصطنع!
فأنت وأنا وجميعنا، لن نستطيع أن نفهم ما يدور حولنا سواء داخل سوريا أو خارجها، ونقرأه القراءة الصحيحة، دون محاولة فهم ما يجري في كواليس السياسة الإقليمية والدولية، وليس ما يصدّره لنا الإعلام والساسة.
السياسة يا صديقي لا تمارس في العلن!