مقالات

بعد عام من طوفان الأقصى.. هل يحق لنا أن ننتقد حماس والقسام؟

بقلم: عبد المنعم منيب

مر عام على حرب طوفان الأقصى التي اندلعت في 7 أكتوبر عام 2023 بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة ومن غزة تحديدا في البداية، وجاء نشوب هذه الحرب بقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس وجناحها العسكري كتائب عز الدين القسام وبمشاركة حركة الجهاد الإسلامي وجناحها العسكري سرايا القدس بجانب بقية فصائل المقاومة الفلسطينية مثل ألوية الناصر صلاح الدين وشهداء الأقصى (جناح عسكري من أجنحة فتح) وكتائب أبو علي مصطفى الجناح العسكري لـ الجبهة الشعبية، والعديد من فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة، كما التحق بحرب المقاومة فروع نفس الفصائل في الضفة الغربية بل وبداخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في عام 1948، كما انغست ايران ومحورها خاصة حزب الله اللبناني في هذه الحرب بدرجات متفاوتة منذ البداية و زادت وتيرة انغماسهم بعد تصعيد الاعتداءات الصهيونية عليهم وخاصة ضد حزب الله اللبناني وإيران خاصة اغتيال قادة كبار في المحور من قبيل حسن نصر الله وعدد كبير من قادة ومؤسسي حزب الله اللبناني وقادة فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني في كل من سوريا ولبنان.

أصوات المنتقدين ما دليلها؟!؟!

وبمناسبة مرور هذا العام واستمرار الحرب هكذا فقد تعالت أصوات بعض المنتسبين للتدين والعلم الشرعي منتقدة المقاومة لتوريط الفلسطينيين في حرب مدمرة كهذه، لاسيما وأن عدد الشهداء في غزة شارف على 42 ألفا أغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ بحسب تقديرات وزارة صحة غزة، بينما تبلغ بهم بعض التقديرات العلمية الموضوعية المستقلة الأوربية والأمريكية أكثر من 150 الف شهيد غير المصابين البالغ عددهم بحسب وزارة صحة غزة نحو مائة ألف مصاب ومعوق.

وقد سبق وأن رددت على كل من ينتقد طوفان الأقصى بدعوى الخسائر، و كتبت ردودا عليهم عدة مرات وخلاصة ما قلته أن حساب الخسائر بهذه الطريقة لا يفعله سوى صنفان من الناس:

الصنف الأول- المنافقون:

ففيهم نزلت آيات قرآنية متعددة تحكي أقوالهم هذه، ومنها قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} سورة آل عمران آية 156، وقوله تعالى: {الذين قالوا لإخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا قل فادرءوا عن أنفسكم الموت إن كنتم صادقين} سورة آل عمران آية 168،وغيرها العديد من الآيات لا سيما في سورتي التوبة ومحمد وغيرهما، وإنما ذكرنا مجرد مثال.

الصنف الثاني- العوام؛

الذين لا يعرفون معيار النصر و لا الهزيمة في فقه السياسة الشرعية وفي الحروب وليقرأ من شاء مقالي هذا هنا.

ثلاثة أمثلة من حروب التحرير الوطني

ثم إننا لدينا ثلاثة أمثلة من حروب التحرير الوطني التي لو أخذ قادتها برأي العوام ممن عندنا الذين يفتون بخطأ حرب طوفان الأقصى لما تحررت دولهم حتى اليوم،

ومنها الجزائر التي تكبدت 2 مليون شهيدا، ولولا ذلك لكانت الجزائر حتى اليوم جزءا من فرنسا، ولظل كل شعبها لا يعرفون اللغة العربية لغة القرآن ويتكلمون الفرنسية ولا يعلمون شيئا عن الإسلام،

والمثال الثاني هو أفغانستان فمقاومتها لـ 20 عاما ضد الولايات المتحدة والناتو استشهد فيها نصف مليون شهيد غير ملايين المصابين والمشردين والأسرى، ولولا ذلك لظلت تحت الحكم الأمريكي حتى اليوم.

والمثال الثالث وهو المثال الشهير جدا هو فيتنام التي فقدت أكثر من مليون قتيل بينما الجرحى كانوا أكثر من هذا بكثير.

فهل يرى أحد اليوم أن الثورة التحررية في الجزائر أو أفغانستان أو فيتنام كانت خاطئة وأنها كان عليها أن تستسلم للمحتل الفرنسي أو الأمريكي؟؟

الحكم الشرعي في الكلام بغير علم في السياسة والحرب وغيرهما

لقد قال الله تعالى {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا} سورة الاسراء آية 36، فيجب على غير المتخصص ألا يفتي في غير مجال تخصصه فحتى لو كان متخصصا في علم ما -حتى لو في علم شرعي- وليس عليما ولا خبيرا بالسياسة والاستراتيجية فعليه أيضا أن يتقي الله ولا يفتي في السياسة ولا الاستراتيجية قال الله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا} النساء آية 83.

ثم إن كون الإنسان كاتب أو خطيب في الفكر الإسلامي الشرعي أو حتى فقيه أو عالم عقيدة أو عالم حديث أو متكلم مفوه ومشهور على السوشيال ميديا أو حتى متدين ومن المتقين كل هذا لا يؤهله لتولي التوجيه بشأن السياسة والحرب، فقد كان خالد بن الوليد حديث عهد بالإسلام ولا يحفظ كامل القرآن ومع هذا اختاره المسلمون -ومنهم كبار الصحابة- للقيادة في غزوة مؤتة بعد استشهاد القادة الثلاثة، وقد أقر النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم هذا الاختيار وسمى خالدا حديث العهد بالإسلام والفقه والقرآن سماه سيف الله المسلول، وولاه بعدها العديد من مناصب قيادة الجيوش، ومثل ذلك فعل الصديق رضى الله عنه وحتى مع اختلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع خالد بن الوليد مرات عديدة فإنه أثنى عليه مرارا خاصة عند وفاة خالد رضي الله عنه ورحمه الله.

المقياس هو المعرفة المتخصصة وامتلاك ملكتها

والنبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذي قلد خالد بن الوليد رضي الله عنه القيادة وقت قلة فقهه وقلة ما يحمله من القرآن، هذا النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم نفسه هو من قال لسيدنا أبي ذر الغفاري رضي الله عنه:”يا أبا ذرّ ‌إنك ‌ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إِلَّا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها” رواه مسلم في صحيحه، وفي رواية أخرى: “يا أبا ذرّ إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسيّ، لا تأمرنّ على اثنين، ولا تُولينّ مال يتيم” رواه مسلم في صحيحه، وقال الامام النووي: رحمه الله: “هذا الحديث أصل عظيم في اجتناب الولايات، لا سيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأمّا الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلًا لها، أو كان أهلًا ولم يعدل فيها، فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه، ويندم على ما فرّط، وأمّا من كان أهلا للولاية، وعدلَ فيها فله فضل عظيم، تظاهرت به الأحاديث الصحيحة” أ.هـ.

والشاهد لنا هنا أن سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو من اختار خالد بن الوليد رضي الله عنه للقيادة، وهو من نهى أبا ذر رضي الله عنه عن تولي القيادة، رغم ما نعرفه عن تقوى وورع وفقه أبي ذر رضي الله عنه، فكل شخص له تخصصه ومجال معرفته فليعرف كل امرئ قدر نفسه وكونه مؤهل في مجال “ما” ليس معناه أنه مؤهل في كل المجالات وخاصة المجالات العامة كالسياسة والحرب التي تصنع حاضر الأمة الإسلامية ومستقبلها، وليكف غير المتخصصين عن انتقاد المقاومة وليتركوا السياسة والحرب لأهلها، وليعمل كل منا في سبيل الله على علم فيما يحسنه وليترك ما لا يحسنه لأهله، اذ يتعين عليك غالبا أن تقوم بما تحسنه ويحرم عليك قطعا أن تتكلم بغير علم حقيقي، والتخيل والظن بلا أدلة ليس علما بل توهم، كما أن العامي لا يجيد استخدام المنهج العلمي الذي يمكنه من النظر في الأدلة والاستدلال بها.

المصدر: الأمة اليوم

عبد المنعم منيب

‏كاتب إسلامي وباحث سياسي‏

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى