ناقشت وسائل الإعلام السويسرية مؤخرًا التغيُّرات العميقة في الاستراتيجية العسكرية للكيان الاسرائيلى، إلى جانب الجدل الدائر في أوروبا حول التعاون العلمي مع إسرائيل، واتفاق وقف إطلاق النار بين الكيان وإيران، وإعادة تشكيل التحالفات الإقليمية، خاصة مع تحوُّل دول مثل السعودية نحو إعادة ترتيب تحالفاتها بعد التصعيد الأخير بين تل أبيب وطهران.
عقيدة أمنية جديدة: من الردع إلى الاستباق
في تحليل موسع بصحيفة “نويه تسورخير تسايتونغ”، تناول الكاتب ريتشارد سي. شنايدر ، التحول الجذري في الفكر العسكري الإسرائيلي بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، مشيرًا إلى أن ما كان يُنظر إليه سابقًا كإجراء استثنائي أصبح الآن “الوضع الطبيعي”. ووفقًا للتحليل، لم تعد إسرائيل تعتمد على سياسة الاحتواء أو الرد المحدود، بل انتقلت إلى نهج استباقي يهدف إلى القضاء على التهديدات قبل ظهورها.
وأوضح شنايدر أن الاستراتيجية الإسرائيلية ظلت لعقودٍ تركز على الأمن الفوري دون رؤية بعيدة المدى، حيث سيطرت ثقافة “إطفاء الحرائق” بدلًا من معالجة جذور الأزمات. لكن 7 أكتوبر، وما رافقه من انهيار الثقة في المؤسسات الأمنية، مثّل نقطة تحول حاسمة.
فبعد أن كانت إسرائيل تتعامل مع التهديدات عبر إدارتها (كما في حالة حماس وحزب الله)، فإنها تعود الآن إلى “عقيدة بيغن” القائمة على الضربات الوقائية، كما حدث في تدمير المفاعل النووي العراقي عام 1981. اليوم، يتجسّد هذا النهج في الهجمات على المنشآت النووية الإيرانية، والتي تهدف إلى منع الخطر قبل تكوُّنه، وليس مجرد الرد عليه.
السياق السياسي: صعود اليمين وتغيُّر الأولويات
يربط الكاتب هذا التحول بتغيُّر المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث تهيمن حكومة يمينية متشددة تضع الأمن فوق الاعتبارات القانونية والدولية، مما يعكس تراجع النموذج العلماني الليبرالي الذي ميّز الدولة منذ تأسيسها. ويشير إلى أن هذا التوجه يقلل من أهمية الموقف الغربي، مع التركيز على الحماية الذاتية بأي وسيلة.
لكن المقال يطرح تساؤلات أخلاقية حول هذه العقيدة الجديدة: – هل يُبرر الخوف الوجودي التحرك الاستباقي دون تهديد مباشر؟
وكيف يمكن التوفيق بين الدفاع عن النفس واحترام القانون الدولي؟ وهل يؤدي هذا النهج إلى تصعيد لا يُحتمل؟
ويخلص شنايدر إلى أن إسرائيل، بعد صدمات مثل المحرقة ومجزرة 7 أكتوبر، ترى في الاستباق ضرورة حتمية، رغم انتقادات المجتمع الدولي.
ضربات إيران وتوازن القوى الإقليمي
في تحليل منفصل، تناولت الصحيفة الضربات الأمريكية والإسرائيلية على إيران وتداعياتها على الشرق الأوسط. فبحسب الكاتب أولريش شبيك، أدت هذه الضربات إلى إضعاف النفوذ الإيراني وإعادة رسم التحالفات الإقليمية، حيث تتجه دول مثل السعودية إلى تعزيز شراكاتها مع واشنطن وتل أبيب لمواجهة طهران.
ويُبرز المقال أربعة أبعاد رئيسية:
1. تحوُّل التهديد الإسرائيلي من الدول العربية إلى إيران، مما دفع تل أبيب إلى تبني سياسة أكثر عدوانية.
2. تغيُّر موازين القوى مع انحياز دول الخليج إلى المحور الأمريكي-الإسرائيلي.
3. التدخل الدولي، حيث تدعم روسيا والصين إيران، بينما تعيد الولايات المتحدة تأكيد هيمنتها.
4. مستقبل المشروع النووي الإيراني، إذ قد تضطر طهران إلى التفاوض أو مواجهة ضربات متكررة.
اتفاق وقف إطلاق النار: هدنة هشة
من ناحية أخرى، شكّك الكاتب توماس زيبرت، في استدامة الهدنة بين إسرائيل وإيران، مشيرًا إلى خمسة عوامل تُضعفها:
1. انعدام الثقة بين الطرفين، خاصة مع استمرار الحرب غير المباشرة عبر وكلاء,
2. الإنهاك العسكري، حيث واجهت إسرائيل نقصًا في الذخائر، بينما خسرت إيران منشآت حيوية وقادة.
3. الغموض النووي الإيراني في غياب اتفاق فعّال.
4. تقلُّب السياسة الأمريكية تحت إدارة ترامب.
5. استمرار التيارات المتشددة في الحكم في كلا البلدين.