في خطوة تحمل أبعاداً أمنية واستراتيجية وسياسية، أعلنت الحكومة الأمنية المصغرة في إسرائيل عن إقامة جدار أمني متطور “عالي التقنية” على طول الحدود الشرقية مع الأردن، وذلك في إطار ما وصفته بـ”ضربة استباقية” لمواجهة محاولات إيران تحويل تلك الحدود إلى جبهة إرهابية جديدة، بحسب ما جاء في تقرير نشره موقع الشرق الأوسط.
جدار متعدد الطبقات بتكلفة باهظة
القرار الذي طال انتظاره منذ سنوات، تعطل مراراً بسبب كلفته المرتفعة التي تبلغ 1.4 مليار دولار، وأخيراً حصل على الضوء الأخضر من القيادة الأمنية الإسرائيلية، ليُنفذ على مراحل، تبدأ في يونيو المقبل.
وسيمتد الجدار من جنوب هضبة الجولان حتى شمال مطار أيلون في وادي عربة، مروراً بحدود الضفة الغربية مع الأردن، والتي تمتد على مسافة 90 كيلومتراً.
المشروع لا يقتصر فقط على سياج مادي محصن، بل يتضمن أجهزة استشعار متطورة، ووحدات عسكرية متنقلة، ومنظومات قيادة وتحكم إلكترونية. ويتوقع أن تستغرق عملية البناء الكاملة نحو ثلاث سنوات.
السياج الحالي قديم ومخترق
بحسب محللين إسرائيليين، فإن الحدود الحالية — وخاصة في منطقة الضفة الغربية — لا تتعدى كونها أسلاك شائكة وسياجاً قديماً مزوداً بحساسات بسيطة، وهو ما جعلها عرضة لعمليات تهريب الأسلحة وتسلل المسلحين والعمال غير النظاميين.
فقط خلال الأسبوع الجاري، تسلل ثلاثة أشخاص من الأردن إلى داخل إسرائيل، وهو نمط يتكرر باستمرار بحسب تقارير أمنية إسرائيلية.
كما شهد العام الماضي هجومين منفصلين نفذهما مسلحون تسللوا من الأردن، وأسفرا عن مقتل 3 إسرائيليين وإصابة آخرين، أحدهما عند معبر جسر الكرامة، والآخر قرب البحر الميت.
خطوة استراتيجية ضد إيران
وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس وصف إقامة الجدار بأنها “خطوة استراتيجية حاسمة ضد محاولات إيران تحويل الحدود الشرقية إلى جبهة إرهابية”، مؤكداً أن المشروع سيعزز الأمن القومي و**”يرسخ السيطرة الإسرائيلية على غور الأردن”**.
وستبدأ وزارة الدفاع بإقامة مقطعين أوليين بطول 80 كيلومتراً، يمثلان أولوية في الخطة، فيما يتم لاحقاً استكمال بقية المقاطع بعد الانتهاء من التخطيط الكامل.
باحثون: إسرائيل تعيد رسم خريطتها الأمنية
الباحث الاستراتيجي عامر سبايلة يرى أن المشروع يأتي ضمن إعادة هيكلة المنظومة الأمنية الإسرائيلية بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، موضحاً أن الحدود الأردنية طويلة ومليئة بالثغرات الشهيرة بتهريب الأسلحة وتسلل الأفراد، وأن جزءاً من تلك العمليات ينجح رغم إعلان إسرائيل عن إحباط العديد منها.
أما المحلل السياسي شلومو غانور فاعتبر أن الحدود مع الأردن “متهالكة أمنياً”، وباتت تشكل نقطة ضعف واضحة في الدفاع الإسرائيلي، ما دفع الحكومة لتسريع المشروع باستخدام تقنيات مراقبة حديثة.
مخاوف سياسية وأمنية
الباحث في الشؤون الإسرائيلية عماد أبو عواد أشار إلى أن للجدار أهدافاً سياسية تتجاوز الأمن، حيث يسعى لتكريس واقع يصعّب إمكانية قيام دولة فلسطينية، خصوصاً أن جزءاً من الجدار سيقام بين الضفة الغربية والأردن.
وأوضح أبو عواد أن إسرائيل تعاني من نقص في أعداد الجنود، وتسعى إلى تعويضه عبر تقنيات المراقبة والجدران الذكية، مشيراً إلى أن “الجدار قد يرسم حدوداً دائمة لإسرائيل ويغلق الباب أمام أية تسوية سياسية محتملة”.
تنسيق أمني ولو في حدوده الدنيا
رغم أن إسرائيل لا تحتاج موافقة أردنية لبناء الجدار داخل أراضيها، بحسب المحلل يؤاف شتيرن، إلا أنه شدد على أهمية استمرار التنسيق الأمني بين الطرفين، باعتباره “طبقة دفاعية إضافية”.
وذكر شتيرن أن الجدار سيكون داخل العمق الإسرائيلي، ولن يتعدى السيادة الأردنية، وهو ما يعزز إمكانية استمرار التعاون الأمني مع عمان.
فرقة جديدة لحماية الحدود
وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق عن تشكيل فرقة عسكرية جديدة مهمتها تأمين الحدود مع الأردن، بعد مراجعة كاملة لاحتياجات المنطقة الأمنية والقدرات الدفاعية المتوفرة.
وفي فبراير الماضي، أعلنت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن إحباط شبكة لتهريب الأسلحة من الأردن، استخدمت سيارات اخترقت السياج الحدودي محملة بكميات كبيرة من الأسلحة، وتم تقديم لوائح اتهام ضد 10 أشخاص متورطين في تلك الشبكة، وجهت لهم تهم فتح ثغرات بالسياج وتسهيل التهريب مقابل المال.