عن دار “الآن ناشرون وموزعون” في عمّان، صدرت حديثًا رواية «بيت المخيم» للكاتب والأكاديمي الفلسطيني الدكتور إبراهيم غبيش، في 120 صفحة من القطع المتوسط، لتضيف إلى رصيده الأدبي عملاً جديدًا يواصل فيه تعميق سؤال الهوية والمنفى والحنين الفلسطيني، الذي طالما شكّل محور اهتمامه.
تتخذ الرواية من المخيم الفلسطيني رمزًا مركزيًا للشتات والانتماء، وتعود لتفكك تجربة اللجوء ومعاناة اللاجئ الذي يعيش مُمزّقًا بين الأمكنة، لكنه يظل مشدودًا إلى «بيت المخيم» بوصفه ذاكرة متجذّرة، وجذرًا لا يزول رغم الترحال والاقتلاع. ويبدو المخيم في الرواية مكانًا حسيًا ونفسيًا يتجاوز جغرافيته، ليصبح صورة للانتماء الضائع والمستحيل.
ويقول الناشر في تقديم الرواية إن غبيش يكتب بلغة مقتضبة ومكثفة، لكنّها مشحونة بالعاطفة، وتُجيد الإمساك بالتفاصيل الصغيرة التي تشكّل الصورة الكبرى للوجع الفلسطيني في المنافي. ويضيف أن الكاتب يمزج في نصه بين النضال والحب، وبين الغربة والحنين، في تداخُل إنساني يجعل شخصياته أكثر قربًا وتفاعلاً مع القارئ.
في أحد المقاطع اللافتة من الرواية، يُعبر السارد عن التشظي بين الحنين للمخيم ومحاولة الانخراط في حياة جديدة:
«كانت لي شقة، غرفة، هنا، هناك،
هنا، هناك.
لكنه بيت المخيم، يتخلل نفسي،
بيت طفولتي، مراهقتي…
ماذا لو عدت، وجدت أن المحتلين هدموه تماماً، وجعلوا سكّانه يرحلون، هناك وهناك».
هذا البوح الداخلي يعكس العلاقة المتوترة بين الماضي والمكان، بين ذاكرة الطفولة وواقع الترحال. وحتى حين يُباغَت السارد بجمال الطبيعة في المنافي، يظلّ السؤال الوجودي حاضرًا:
«حينما رأيتُ النهر الواسع الكبير، البطّات تسبح، غابات مجاورة وبشرًا، سفنًا، عصافير غريبة ملونة،
فكرتُ: هناك حياة أخرى تستحق.
هل خنت وطني؟
أعود، أبحث عن شوارع، أزقة، بنايات،… ثم لا أجد أحداً».
بهذا النفس التأملي، تسير الرواية على حافة الشعر، وتمنح صوتًا للمنفيين، لا بوصفهم ضحايا فقط، بل ككائنات تبحث عن المعنى وسط التغيّر المستمر والهشاشة العاطفية.
وتأتي «بيت المخيم» امتدادًا لمشروع غبيش السردي، الذي سبق أن ظهر في أعمال مثل: شمال غرب، كائنات وكرنفال، برق ورعد، أيوب في حيرته، ثلاث برك آسنة، وبيت رحيم. وهو مشروع يتّسم بالحفر في التجربة الفلسطينية الفردية والجمعية، عبر لغة حسّاسة تنأى عن الشعارات، وتُراهن على صدق المشاعر وعمق التوصيف.
رواية غبيش الجديدة ليست فقط عن المخيم بوصفه مكانًا، بل عن ما يخلّفه من أثر دائم في النفس، عن الوطن الذي نحمله معنا حتى حين لا نجده، وعن الأسئلة التي تظلّ بلا أجوبة في مواجهة عالم يُطالب اللاجئ دومًا أن ينسى.