بحوث ودراسات

بين الخدعة الأمريكية والشماتة في حسن نصر الله

أحمد سعد حمد الله

لم يكن زرع إسرائيل في فلسطين، قبل أكثر من مائة عام، هو أسوأ ما حل بأمتنا الإسلامية والعربية خلال تلك الفترة!

كما لم يكن تدجين أنظمتنا الحاكمة، وتجنيدها لخدمة هذا الكيان، هو أبشع ما حل بهذه الأمة من خزي وهوان!

إنما الأسوأ والأبشع والأشد مرارة، هو نجاح الأمريكان والغرب، بمعاونة أنظمتنا الحاكمة، في رهن مستقبل الأمة الإسلامية والعربية، وحمايتها من التمدد الإسرائيلي، بوجود بعض الميليشيات المسلحة، أو بعض فصائل المقاومة الفلسطينية، لا بالجيوش النظامية،

بحيث إذا ما خسرت هذه الميليشيات أو تلك الفصائل في حروبها أمام إسرائيل، وجب علينا نحن الشعوب، التسليم والاستسلام للهزيمة،

والرضا بالأمر الواقع، وإعلان الخضوع التام لإسرائيل، ومن ثم التغافل عن الواجب الوطني والأخلاقي الواقع على عاتق جيوشنا الحقيقية!

فالأمريكان ومن معهم يريدون لنا أن نواجه إسرائيل بالميليشيات وفصائل المقاومة لا بالجيوش النظامية، ذلك لإدراكهم الفارق الرهيب، بين خوضنا للحرب ضد إسرائيل بميليشيات وفصائل مقاومة، وبين أن خوضها بجيوشنا النظامية، فالميليشيات والفصائل المسلحة مهما أوتيت من قوة أو ملكت من عدة وعتاد، تظل محدودة القوة والقدرة في مواجهة الجيش الإسرائيلي،

عكس الجيوش النظامية التي تملك من المعدات الحربية والأسلحة، ما يضعها في موضع الند أمام إسرائيل، فدعك من أن الميليشيات وفصائل المقاومة، لا تمتلك المعدات الضخمة التي يمتلكها الإسرائيليون، من طائرات ودبابات وسفن حربية، وهي معدات كفيلة بترجيح كفة الإسرائيليين، على كل ميليشيات العالم مجتمعة، فطلعة طيران واحدة لسرب طائرات «إف16»، تمطر سلسلة من قنابل «مارك84» زنة الواحدة ألفي رطل، أو زخة من صواريخ «توماهوك»، كفيلة بأن تٌسقط أعتى الميليشيات، مهما كانت إمكاناتها أو درجة مقاومتها، دعك من كل هذا وانظر إلى اعتبار واحدا، وهو أن هذه المليشيات أو الفصائل، تعمل تحت الأرض وليس فوقها، بل إنها محاصرة من كل العالم، فلا هيئة تعترف بوجودها، ولا دولة تقبل باستضافتها، ومن ثم فشتان الفارق بين جيش مثل الجيش الإسرائيلي، تخدمه حكومة رسمية، ويملك مشروعية دولية، ويحظى بدعم وتأييد معظم دول العالم، خصوصا الكبرى منها، فضلا عن امتلاكه لأحدث وأقوى المعدات العسكرية، وفوق كل هذا منظوماته الداعمة، حيث لديه المنظومة الغذائية، والطبية والصناعية والزراعية، وبين حركات مسلحة شريدة، تعمل في الظلام، ليس لديها السلاح، أو الطعام، أو الخدمة الصحية، بل إن وجودها مرهون بمساعدات ومعونات سرية، لا تسمن ولا تغني من جوع،  فضلا عن ضعف أسلحتها ومحدودية قدرتها، نظرا لتصنيعها تحت الأرض، وبأدوات بدائية!

وعليه فمن الخطأ الجسيم أن نصف ما يجري من صدام بين إسرائيل وميليشيات حزب الله في لبنان، والحوثي في اليمن، والمقاومة الإسلامية في العراق، وفصائل المقاومة الفلسطينية في غزة، بالحرب،

حيث الحرب الحقيقية هي التي يكون طرفاها على نفس المستوى من الكفاءة والقدرة،

وأن يمتلكا نفس القدرات العسكرية تقريبا، حتى إذا ما ألقى أحدهما بقنبلة على الأخر، يقدر الأخر أن يرد بمثلها، وإذا ركب هاجم أحدهما من البحر، كان للأخر سفنه وأساطيله البحرية التي يرد بها،

وبالتالي فأن ما نشاهده اليوم سواء في غزة أو جنوب لبنان لا يجب أبدا أن نطلق عليه حربا، إنما يمكن تسميته بالعدوان أو الاجتياح أو الغزو، من جانب طرف قوي، لطرف ضعيف!

لكن وبالرغم من كل ذلك، فإن أمريكا ومن معها، نجحوا في تخدير الشعوب العربية وخداعها، عندما صوروا لها أن ما يحدث في غزة منذ عام، وما يجري في لبنان منذ أيام، على أنه حرب،

رغم أننا نرى الهجوم يأتي من طرف واحد على طول الخط، وليس من الطرفين، ولا شك أن الذي يهم أمريكا وحلفائها هنا بتصويرهم المشهد على أنه حرب، هو إظهار إسرائيل على أنها القوة التي لا تقهر، وأن جيشها قادر على سحق كل الجيوش العربية،

ومن ثم يجب علينا التسليم والاستسلام إذا ما انتصرت إسرائيل في تلك الحروب، وبالتالي ننصاع لقبول احتلالها لغزة ولبنان، وربما اليمن والعراق، لم لا وقد حققت النصر على كل جيوش تلك الدول، التي هي في الأصل ميليشيات وفصائل مقاومة!

الشماتة في حسن نصر الله

على أية حال، فإن مهمة الأمريكان ومن معهم في تصوير المشهد على أنه حرب حقيقية، من الواضح أنها أتت أكلها،

بل وحققت النجاح المنشود لها، بخداعها للغالبية العظمى من أبناء الأمة العربية واقناعهم بوجود حرب متكافئة القوى بين إسرائيل وأعدائها، حتى أنه ومن فرط تغفيل البعض، وجدنا الكثيرين من الكتاب والمفكرين يخرجون علينا، ليرددوا ما يردده العامة، من أوهام عن أن الإمكانات العسكرية الكبيرة التي تملكها فصائل حماس أو ميليشيا حزب الله في مواجهة إسرائيل، قادرة على تحقيق النصر، دون أي اعتبار لفقه الأخذ بالأسباب، ولقواعد المعارك العسكرية، وفوارق الإمكانات،

وبدلا من أن يسأل هؤلاء المغفلون عن غياب جيوشنا النظامية عن المعارك الدائرة، راحوا ينجرفون خلف الرعاع والموتورين، ممن كانوا ولازالوا، يمسحون السوشيال ميديا ومواقع الإنترنت بحثا عن الشامتين في مقتل حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني الذي اٌغتيل الجمعة الماضي إثر غارة إسرائيلية على مقر الحزب، لتوبيخهم وتأديبهم وتربيتهم، على شمتاتهم هذه، على اعتبار أن نصر الله كان مجاهدا ومناصرا للقضية الفلسطينية، وأنه كان يناصب إسرائيل العداء، ويقاتل من أجل تحرير القدس..

لم يشفع لهؤلاء الشامتين في مقتل حسن نصر الله عند ميليشيا السب والقذف على مواقع السوشيال ميديا، أنهم -أي الشامتون-، جميعهم من أبناء الشعب السوري، الذي ذبح منه نصر الله بمعاونة شبيحة الرئيس السوري بشار الأسد ما لا يقل عن نصف مليون شخص، وتسبب في تهجير ما يزيد على الـ13 مليون، أغلبهم كانوا منعمين، في وطنهم ثم أصبحوا يتسولون ويمدون الأيدي في بلاد الأغراب،

بل لم يشفع للشامتين عند ميليشيا نصر الله الإلكترونية، جرائم الاغتصاب التي ارتكبتها ميليشيا حزب الله وشبيحة الأسد في حق عشرات الآلاف من سيدات وبنات سوريا، فليت ميليشيات السب والشتم تطّلع على إحصائيات أعداد السوريين الذين قتلهم حزب حسن نصر الله بسوريا في أقل من عشرة سنين فقط، ويقارنوا بينها وبين عدد قتلاه من الإسرائيليين في 32 سنة، منذ أصبح قائدا لحزب الله، ليعرفوا الحجم الحقيقي لفظائعه في سوريا،

تلك الفظائع التي يطالبون السوريين بأن يغفروها لحسن نصر الله، بل ويدعو له بالرحمة والمغفرة وبلوغ الفردوس الأعلى، لأن الرجل يقاتل إسرائيل،

فهم يرون أنه ليس من حق السوري الموجوع الذي أٌجبر على مشاهدة أمه أو زوجه أو ابتنه أو أخته وهي تٌغتصب أمامه أن يشمت في هذا المغتصب بعد أن شفى الله صدورهم بهلاكه،

كما لا يحق لهذا الشامت الذي أُهين ومُحيت كرامته أمام أهل بيته، في أن يُعبّر عن فرحته بالانتقام الإلهي ممن أهانه، ولا من حق المرأة التي ذبحوا أمامها ابنها أن تشمت،

ولا الذي أُجبر على السجود لبشار الأسد وحسن نصر الله أن يشمت، بل تصل الوقاحة مداها عندما يحاول البعض من تلك الميليشيا، تحويل القضية من قضية إنسانية تحركها الفطرة والطبيعة البشرية بالفرح في هلاك الظالم، إلى قضية خلاف مذهبي، باعتبار أن حسن نصر الله ينتسب للمذهب الشيعي،

وكأن كل الذين شمتوا فيه كانوا مدفوعين من منطلقات مذهبية، وكأن جريمته الوحيدة، هي أنه شيعي ليس أكثر، دون الأخذ في الاعتبار أن كثيرين ممن شمتوا فيه الآن، كانوا يؤيدونه، بل ويشيدون به، قبل أن يفعل ما فعله فيهم وفي ذويهم بسوريا!!

نسأل الله أن يعامل حسن نصر الله بما يستحق!

أحمد سعد حمد الله

كاتب صحفي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى