في قلب غزة العزة المحاصرة، حيث تدوي أصوات القنص والانفجارات ولا تكاد تسمع إلا صرخات الأطفال وهمسات الأمهات المكلومات، يخرج صوت واحد يحمل بين طياته الأمل والعزيمة، صوت الدكتور يونس عوض الله، الطبيب السبعيني الذي رفض أن يكون التقاعد نهاية مشواره، فاختار أن يكون في الصفوف الأمامية، يحمل لقاحات الحياة بين يديه ويواجه الموت بعينين لا تعرفان الخوف، إنها قصة إنسان قرر أن يكون نورا في ظلام الحرب وشهادة حية على أن الإنسانية لا تموت.
بصوته الهادئ وعينيه اللتين شهدتا الكثير، يقول د. يونس عوض الله – الطبيب السبعيني – كلمته الشهيرة: “العمل الإنساني لا يعرف شيئاً اسمه التقاعد”. بعد 43 عاماً قضاها بين مستشفيات السعودية ووزارة الصحة الفلسطينية ثم اليونيسف، قرر أخيراً في 2021 أن يأخذ قسطاً من الراحة. لكن القدر كان يخبئ له مهمة أخرى.
عودتى دينا
مع اشتعال الحرب في غزة وعودة ظهور شلل الأطفال، لم يجد الطبيب العجوز بداً من العودة، وقال: “لم أستطع الجلوس في منزلي وأنا أعلم أن أطفال غزة يحتاجونني” يقول يونس، مضيفاً: “كانت عودتي دَيناً أدفعه لوطني ولمهنتي”.
في فيلم “الخطر الصامت في غزة” الذي أنتجته اليونيسف، نرى هذا الطبيب الأسطورة وهو يتسلق الأنقاض، يحمل اللقاحات كأنها كنز ثمين. بجانبه زميلته فيروز أبو وردة، الاثنان يشكلان فريقاً طبياً خارقاً، ينقذان الأرواح تحت القصف.
20 ساعة عمل
“كنا نعمل 20 ساعة يومياً” يروي الطبيب، “الجوع والإرهاق كانا رفيقينا، لكن ابتسامة طفل واحد كانت تكفينا”. في لحظة مؤثرة، يذكر كيف كان بعض الزملاء ينهارون من الإعياء، ثم يقومون بعد دقائق ليكملوا المهمة.
الأرقام تقول إن أكثر من 350 من الكوادر الطبية استشهدوا، بينما أُصيب المئات واعتقل أكثر من 1300. “حمايتنا ليست ترفاً” يصرخ الطبيب العجوز، “بل واجب على العالم كله”.
امهات يبتسمن لأطفالهم بينما ينزفن
في مشهد يختصر المأساة، يصف د. يونس أمهات يبتسمن لأطفالهن بينما ينزفن، ومرضى يواجهون آلامهم بابتسامة. “تعلمت أن الأمل لا يموت” يقول، “وأن مهمتنا ليست مجرد تقديم العلاج، بل إشعال شمعة في الظلام”.
وتابع قائلا: أنا أقدم عملا إنسانيا وحتى وإن تقاعدت فهذا لا يسري على العمل الإنساني، وتوثيق المرحلة في فيلم الخطر الصامت في غزة لم يكن مجرد فيلم أو تصوير للأحداث بل كان شهادة حية على قوة الإرادة وقوة الأمل.
ويرى أن كل لقطة في الفيلم كانت بمثابة رسالة للعالم بأن غزة رغم الجراح ورغم الموت وصعوبة الحياة قادرة على النهوض وحماية أطفالها.
حماية العاملين
حماية العاملين الإنسانيين ليست رفاهية رغم المخاطر التي تهدد حياتهم يواصل الدكتور يونس وزملاؤه العاملون في المجال الإنساني بغزة عملهم تحت القصف المستمر الخوف لا يعرف طريقا إلى قلوبهم كما يقول الدكتور يونس مضيفا نسمع الانفجار ثم بعد ذلك نذهب لنمارس عملنا نسير تجاه هدفنا ونحن قد اعتدنا على هذا الأمر
وأشار إلى استشهاد أكثر من 350 من الكوادر الطبية وإصابة مئات واعتقال أكثر من 1300 ولهذا يوجه نداء للعالم بأن حماية من يمدون يد العون ليست رفاهية بل هي شرط أساسي لضمان وصول الحياة والأمل للمحتاجين وأنها واجب إنساني لا يقل أهمية عن تقديم المساعدة نفسها
القدرة على الصمود
بث الأمل في نفوس الناس بعد عقود من الخبرة قال الدكتور يونس، إنه تعلم أن الإنسان يمتلك قدرة مذهلة على الصمود تفوق التصور المرونة ليست غياب الألم والمعاناة بل هي القدرة على الاستمرار والنهوض رغم المآسي رأيت أمهات يبتسمن ويضحكن لأطفالهن رغم النزيف والألم رأيت مرضى يواجهون الألم بابتسامة وبأمل
ويرى أن دورهم باعتبارهم عاملين إنسانيين يتجاوز تقديم العلاج والمساعدة المادية ليشمل تعزيز وبث الأمل في نفوس الناس ودعمهم نفسيا والمحافظة على قوتهم في مواجهة المشاكل
العمل الإنساني ليس مجرد مهنة
العمل الإنساني ليس مجرد مهنة وفي اليوم العالمي للعمل الإنساني يوجه الدكتور يونس تحية إجلال لكل من يختار السير نحو الخطر بدلا من الابتعاد عنه ويقول نحن نرمي بأنفسنا إلى التهلكة في سبيل الآخرين
ويضيف أن العاملين الإنسانيين في غزة وفي كل مكان من العالم على اختلاف تخصصاتهم هم شهود على أن الرحمة لا تعرف الحدود وأن التضامن الإنساني يمكن أن يزدهر حتى أثناء الحروب أو وسط الركام
في ختام حديثه، يهمس الطبيب العجوز: “تركت عائلتي منذ عامين.. أتمنى أن أراهم قبل أن أموت”. كلمات بسيطة تختصر تضحية رجل قرر ان يقدم انسانيته على كل شىء.