يتوجّه فولوديمير زيلينسكي إلى واشنطن وهو يعلم أن اللقاء مع دونالد ترامب ليس مجرّد زيارة بروتوكولية، بل معركة سياسية قد تحدّد مستقبل أوكرانيا بأكمله. فالرئيس الأميركي يسعى لصفقة سريعة تُنهي الحرب، بينما كييف ترى أن التسرّع في أي اتفاق قد يكون أخطر من استمرار القتال بحسب رويترز.
بين واقعية ترامب ورهانات زيلينسكي
ترامب ينظر إلى الحرب من زاوية براغماتية بحتة: نزيف طويل يكلّف واشنطن مليارات، ويجب إغلاقه سياسيًا. لكنه يتجاهل أن “الصفقة السريعة” التي يطرحها تمنح موسكو أفضلية استراتيجية وتُعطيها ما فشلت في انتزاعه عسكريًا.
هنا تتضح فجوة الرؤية بين البيت الأبيض وكييف: الأولى تسعى للانتصار في الانتخابات المقبلة عبر إنجاز دبلوماسي، بينما الثانية تحارب من أجل وجودها بحسب واشنطن بوست
الأرض مقابل الوقت
العرض الروسي بالانسحاب الأوكراني من دونيتسك ولوغانسك مقابل تجميد الجبهات يبدو على الورق تسوية واقعية، لكنه في الجوهر ليس سوى استراحة محارب تسمح لروسيا بإعادة التموضع.
إذا قبل زيلينسكي بهذا الشرط، فسوف يخسر ليس فقط الأراضي، بل أيضًا عنصر الردع الذي يمنع روسيا من التوغّل مجددًا. إنها صفقة قد تمنح أوكرانيا وقتًا قصيرًا، لكنها تحرمها من المستقبل وفق الغارديان.
أوروبا بين نارين
العواصم الأوروبية تجد نفسها عالقة بين مطرقة ترامب وسندان زيلينسكي. فهي تدرك أن استمرار الحرب يُنهك اقتصادها، لكنها تعرف أيضًا أن صفقة متسرعة تعني إضفاء الشرعية على الاحتلال الروسي.
لذلك تصرّ على هدنة أولًا، ثم مفاوضات لاحقة تضمن لأوكرانيا خطوطًا دفاعية قابلة للتثبيت. هذا الموقف يحاول الإمساك بالعصا من الوسط، لكنه يفتقد القوة التنفيذية ما لم توافق واشنطن. وفق فاينانشال تايمز.
المخاطر الداخلية في كييف
أي تنازل إقليمي لن يُقرأ داخل أوكرانيا إلا كخيانة. فمنذ 2022 ضحّى مئات الآلاف من الأوكرانيين دفاعًا عن سيادتهم، والقبول بشروط موسكو سيُفجّر المشهد السياسي الداخلي ويقوّض شرعية القيادة. لهذا يصف نواب أوكرانيون مقترحات ترامب بأنها “اتفاق مفخخ”، إذ لا يوقف الحرب فعليًا بل ينقلها إلى الداخل الأوكراني. وفق رويترز
معضلة الضمانات الأمنية
الرهان الأوكراني الأكبر هو الحصول على ضمانات أمنية تُشبه المادة الخامسة من ميثاق الناتو: أي هجوم على أوكرانيا يُعتبر هجومًا على الجميع. لكن واشنطن لم تُظهر استعدادًا لتقديم التزامٍ بهذا الحجم. من دون ضمانات واضحة، أي صفقة ستكون مجرّد ورق بلا حماية وفق أكسيوس
هل من مخرج ثالث؟
ربما الحلّ ليس بين “صفقة سريعة” أو “حرب مفتوحة”، بل في صياغة خريطة طريق تدريجية: وقف إطلاق نار مراقَب دوليًا، يليه مسار مفاوضات حول مستقبل الدونباس والضمانات الأمنية. هذا الخيار يمنح ترامب إنجازًا دبلوماسيًا يمكن تسويقه سياسيًا،
ويمنح زيلينسكي وقتًا للحفاظ على جبهة داخلية متماسكة. المشكلة أن موسكو قد لا تقبل إلا بما يكرّس مكاسبها، وهو ما يجعل نجاح هذا المسار مرهونًا بالضغط الغربي المشترك بحسب الغارديان.
ما بين حسابات ترامب الانتخابية ورغبة بوتين في تثبيت مكاسب الحرب، يجد زيلينسكي نفسه أمام اختبار وجودي: إما أن يرفض الصفقة ويدخل في مواجهة علنية مع واشنطن، أو يقبل بها ويُخاطر بانفجار الداخل الأوكراني. الخياران كلاهما خطر.
لكن المسار الأكثر عقلانية يبدو في الإصرار على هدنة مراقَبة وضمانات أمنية دولية، قبل أي حديث عن “سلام نهائي”.