خيّمت أجواء من التشاؤم على الأوساط السودانية عقب إعلان تأجيل اجتماع «الرباعية الدولية» حول السودان، الذي كان مقرراً عقده في واشنطن بمشاركة وزراء خارجية الولايات المتحدة، السعودية، مصر، والإمارات. هذا التأجيل – الثاني من نوعه خلال أيام – أثار مخاوف متزايدة من تراجع فرص التوصل إلى تسوية سياسية تُنهي الحرب المستمرة منذ أبريل 2023.
مصادر دبلوماسية مطلعة أوضحت أن التأجيل جاء نتيجة عدم جاهزية واشنطن بخطة نهائية أو ضمانات ملموسة، وسط خلافات بين أطراف الرباعية بشأن جدول الأعمال ومشاركة أطراف النزاع. فقد رفضت بعض الأطراف حضور ممثلين عن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ما أثار خلافًا حادًا انعكس على مستوى التمثيل في الاجتماع. إحدى الدول خفضت تمثيلها إلى مستوى دبلوماسي، مما أغضب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، ودفع لتأجيل اللقاء.
هذا التأجيل يضاف إلى فشل سابق لـ”مؤتمر لندن” في أبريل الماضي، ويعكس عجزًا عن صياغة موقف موحد تجاه الأزمة، ما يعزز احتمالات تصاعد الصراع، لا سيما مع تشكل سلطات أمر واقع في بورتسودان ونيالا، وازدياد الحديث عن سيناريو التقسيم.
التحليلات السياسية تشير إلى أن الموقف الأميركي لا يتعامل مع الأزمة السودانية كأولوية، بل يعتمد سياسة “التوازن لا الحسم”، رغم قلق واشنطن من تصاعد نفوذ روسيا والصين، وتهديد الملاحة في البحر الأحمر. ويرى مراقبون أن هذا التردد الأميركي يفتح الباب لتدويل الأزمة، خاصة في ظل حديث متزايد عن إمكانية تطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.
أستاذة القانون الدولي زحل إبراهيم لم تستبعد تدخلاً دولياً عبر إرسال قوات حفظ سلام إذا استمر غياب الحلول السياسية، محذرة من تعقيدات دستورية تُنذر بواقع خطير، في ظل تعدد الدساتير وظهور “دولتين” على الأرض.
وفي السياق نفسه، حذر الباحث السياسي عيد إبراهيم من أن استبعاد أطراف النزاع من المفاوضات يقلل من فرص السلام ويكرس لواقع التقسيم، بينما رأى الخبير الاستراتيجي أمين إسماعيل أن الرباعية، بما تملكه من نفوذ إقليمي ودولي، قادرة على دعم إعادة الإعمار وفرض تسوية إن امتلكت إرادة حقيقية.
لكن ثمة أصوات ترى أن تأجيل الاجتماع لا يعني فقط تأخير الحل، بل قد يمثل نقطة تحول نحو “ليبيا جديدة”، مع حكومتين وسلطتين، وشعب ممزق بين الحرب والنزوح.
وبينما تتدهور الأوضاع الإنسانية، وتحذّر تقارير دولية من مجاعة محتملة ونزوح جماعي جديد، فإن غياب خريطة طريق دولية واضحة يُطيل أمد الحرب، ويضع السودان أمام مفترق طرق حاسم: إما تسوية شاملة تدعمها قوى دولية فعالة، أو تدويل يتجاوز الجميع ويفرض السلام بقوة خارجية.
هل ترغب في تحويل هذا المقال إلى تقرير بصيغة صحفية PDF؟ أو نشره بصيغة مختصرة للمواقع الإخبارية أو منصات التواصل؟