الأمة| اشتدت المناقشات حول شرعية السلطة التي تولت السلطة في سوريا وكيف تخطط للحكم. ويتساءل كثيرون عن قدرتها واستعدادها لتمثيل المجتمع السوري، نظراً لأن الأفراد الذين يسيطرون الآن على الوزارات الرئيسية والمكاتب الحكومية الأخرى ينتمون إلى هيئة تحرير الشام، وهي فرع من تنظيم القاعدة. وحتى لو خضعت المنظمة الجهادية لتحول أيديولوجي حقيقي، فإنها ستظل تتبنى إطاراً إسلامياً متشدداً للغاية للمجتمع السوري المتنوع دينياً وإثنياً. ولهذا السبب يحتاج السوريون إلى حوار وطني شامل وجامع يعكس الانتماءات الإقليمية والدينية والإثنية المتنوعة في بلادهم لتحديد شكل الحكم وصياغة الدستور.
كان من المقرر في البداية أن يعقد الحوار في الرابع والخامس من يناير/كانون الثاني، إلا أنه تأجل بسبب الحاجة إلى مزيد من الدراسة لمعايير دعوة المشاركين، والأجندة، وكيفية تنظيم الأنشطة لتسهيل جهود المشاركين للوصول إلى توافق حول ملامح المرحلة الانتقالية. ومن المتوقع أن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني ما بين 1200 و1500 شخصية سورية، على أن يتم انتخاب ما لا يقل عن 100 ممثل من كل محافظة. وبالإضافة إلى تمثيل المنطقة الإدارية، سيكون هناك ممثلون للأقليات الدينية والعرقية المختلفة. إلا أن الجدل اندلع حول عملية الدعوة التي تتولاها اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني. فقد تم اختيار هذه اللجنة، التي تشرف على وضع معايير اختيار المشاركين، وأجندة المؤتمر وآلياته الإجرائية، من قبل هيئة تحرير الشام، الأمر الذي يثير مخاوف من أن اللجنة، مثلها كمثل هيئة تحرير الشام نفسها، جديدة على العمل السياسي المؤسسي في المحافل الديمقراطية وبالتالي ستؤدي وظائفها بطريقة مؤقتة وتعسفية.
وقد أثارت بعض معايير المشاركة التي أعلنتها اللجنة اعتراضات. فمن أجل التأهل، يجب أن يكون لدى الشخص تاريخ راسخ من المعارضة السياسية أو الثورية لنظام الأسد. ومع ذلك، استبعدت اللجنة إمكانية دعوة كيانات المعارضة التي كانت نشطة في الخارج. والحجة هي أن دعوتهم من شأنه أن يفتح مسألة الحصص كأساس للتمثيل، وهو ما يطرح مشاكل أعاقت تقدم المعارضة السورية لسنوات.
أعلن الائتلاف السوري المعارض (الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية)، الذي تأسس في قطر بعد وقت قصير من اندلاع الثورة السورية، أنه لن يشارك في مؤتمر الحوار الوطني السوري إذا تم توجيه الدعوات إلى أعضائه بشكل فردي، وليس كممثلين للائتلاف. ويزعم أنصار حكم هيئة تحرير الشام أن الائتلاف الوطني السوري لم يكن فعالاً بما يكفي للإطاحة بالنظام ليستحق التمثيل ككيان. وعلى النقيض من ذلك، سيتم تمثيل قيادة العمليات العسكرية بصفتها الرسمية، حيث كانت الكيان الرئيسي الذي هزم النظام السابق. ويبدو أن مؤتمر الحوار الوطني السوري قد رسم خطًا عشوائيًا في المعايير المتعلقة بأداة تغيير النظام. فقد عارضت العديد من الكيانات السياسية النظام بنشاط، حتى لو لم تكن على الخطوط الأمامية في المشهد النهائي.
كما قيل إن دعوة الكيانات السياسية ستحول الحوار الوطني إلى مباريات صراع حول أوراق اعتمادها الثورية ووزنها النسبي على الخريطة السياسية السورية. وفي غياب انتخابات حرة وشفافة، من المستحيل معرفة أي كيان سياسي يتمتع بأكبر عدد من الأنصار الشعبيين مما يمنحه الحق في الحصول على مقاعد أكثر من الكيانات الأخرى في مجلس الدفاع عن سوريا. ومن ناحية أخرى، يزعم أنصار هيئة تحرير الشام أنها ستكون ممثلة كأفراد لأنها ستحل نفسها عندما يبدأ الحوار من أجل إعطاء السوريين الفرصة لإعادة تنظيم أنفسهم في كيانات جديدة أكثر ملاءمة للانتقال السياسي.
ويتساءل بعض المحللين عن الكيفية التي يمكن بها تمثيل الطائفة العلوية الكبيرة في سوريا لتعزيز المصالحة الوطنية وصياغة عقد اجتماعي جديد لا يهمشها. وإذا كان المعيار الرئيسي للمشاركة في الحوار الوطني هو سجل المعارضة للنظام، فكيف سيتم تمثيل أولئك الذين التزموا الحياد أو امتنعوا عن معارضة النظام علناً خوفاً من الانتقام؟ ومن المعروف أن نظام الأسد كان أكثر وحشية تجاه معارضيه من الطائفة العلوية.
وقالت اللجنة التحضيرية للمؤتمر الوطني السوري للدفاع عن حقوق الإنسان إنها ستتخذ الترتيبات اللازمة لتمثيل مجموعات مثل الشباب والنساء والمعتقلين السياسيين والناشطين السياسيين. ومع ذلك، لا يُعرف حتى الآن ما إذا كان سيتم دعوة الضباط المنشقين عن الجيش العربي السوري بشكل فردي أو كمجموعة لحضور الحوار. ويبدو أن هؤلاء المنشقين عن الجيش العربي السوري يواجهون الآن درجة من التهميش، حيث استبعدتهم قيادة هيئة تحرير الشام من الإدارة المؤقتة وفي عملية تشكيل جيش سوري جديد. من ناحية أخرى، تم منح المقاتلين الأجانب في صفوف هيئة تحرير الشام مناصب في التسلسل العسكري الجديد، مما يشير إلى أن معايير أخرى غير الجنسية والمشاركة النشطة في العمليات العسكرية للإطاحة بالأسد تعمل.
ولقد انتقد معلقون آخرون رؤية اللجنة التحضيرية لأجندة المؤتمر باعتبارها مفرطة في التبسيط، وخاصة في ضوء القضايا العديدة التي تحتاج إلى معالجة. إن مجرد جمع 1500 شخص على مدى يومين لا يضمن أن السوريين سوف يسمعون آرائهم حول شكل ومحتوى عملية الانتقال. ولابد من وضع إجراءات راسخة وقواعد نظامية وآليات أخرى لتسهيل الحوار الموضوعي فضلاً عن العرض المنظم والمناقشة واعتماد أوراق المواقف والمقترحات التي أعدها خبراء سياسيون ودستوريون.
وتتضمن أجندة المؤتمر العديد من الموضوعات، بما في ذلك تعليق العمل بالدستور الحالي وإصدار إعلان دستوري يحل محله خلال الفترة الانتقالية، وفي الوقت نفسه إطلاق آلية لانتخاب جمعية تأسيسية لصياغة دستور دائم يتم طرحه للاستفتاء.
وبالإضافة إلى ذلك، تتضمن الأجندة المقترحة حل البرلمان الحالي، وإنشاء آلية شفافة لتشكيل لجان استشارية لمساعدة الحكومة المؤقتة في الشهرين المتبقيين من ولايتها – حتى الأول من مارس – أو لمساعدة الحكومة الانتقالية القادمة، ورؤية لحكومة انتقالية أكثر تمثيلا وعدالة لتحل محل الحكومة الانتقالية الحالية، التي تمثل شريحة ضيقة من طيف اليمين المتطرف ولديها خبرة سياسية محدودة وفطنة. ومن المتوقع أن تحكم الحكومة الانتقالية حتى إجراء الانتخابات العامة.
وبحسب بعض المحللين فإن المؤتمر الذي عقد على عجل واستبعد تمثيل الكيانات السياسية واقتصر على ممثلين فرديين من الانتماءات الإقليمية والعرقية والدينية وغيرها من الانتماءات الأولية من شأنه أن يرسخ نظاماً يقوم على الروابط العضوية، مثل القبائل والطوائف، بدلاً من تعزيز إطار وطني مدني يقوم على رابطة المواطنة الشاملة. ويشتبه بعض المعلقين حتى في أن اندفاع لجنة التخطيط لإرسال الدعوات هو محاولة من هيئة تحرير الشام للالتفاف على الحاجة إلى التأكد من تمثيل المؤتمر وتزوير شرعية فورية لإدامة سيطرتها. وقد زادت شكوك هؤلاء المعلقين بسبب تصريحات الشرع حول إجراء انتخابات بعد أربع سنوات وإصدار دستور دائم بعد ثلاث سنوات. ويتساءل البعض عما إذا كانت خطته هي احتكار السلطة خلال تلك الفترة، وربما وضع الأساس لنظام استبدادي آخر مثل النظام الذي بناه حافظ الأسد في سبعينيات القرن العشرين، والذي يعتمد أيضاً على شبكات من التحالفات القائمة على الانتماءات العضوية مع رجال الأعمال والتي تتم من خلال الزعماء الروحيين للطوائف الأقلية، ورجال القانون الإسلامي، والتجار وكبار رجال الأعمال.
ومن ناحية أخرى، يمكن النظر إلى قرار اللجنة التحضيرية بتأجيل مؤتمر الحوار الوطني السوري باعتباره محاولة للرد على الانتقادات وتخصيص الوقت لصياغة القواعد والمعايير التي من شأنها أن تمنح السوريين الثقة في أن الحوار سوف يمثل مجتمعهم بشكل حقيقي. وإلى أن تصدر اللجنة عملية اختيار شفافة وعادلة للمشاركين وأجندة أكثر تفصيلاً وواقعية وقواعد تنظيمية للمؤتمر، فإن النقاش حول مدى فعاليته سوف يستمر. وسوف يتساءل أي شخص يشعر بأنه مستبعد ظلماً من هذا المنتدى الحاسم عن مدى صلاحيته وصلاحية مخرجاته. وهذه مشكلة عانت منها المعارضة السورية طيلة سنوات الثورة، ومن المرجح أن تستمر إلى أن تنتج انتخابات حرة ونزيهة زعماء لا جدال في شعبيتهم بينهم.
/الأهرام اون لاين/