في عام 1744، شهدت جزيرة العرب لحظة تاريخية حاسمة تمثلت في تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع الأمير محمد بن سعود في الدرعية، مما أسس للدولة السعودية الأولى. هذا التحالف، الذي جمع بين الفكر الديني والقوة السياسية، شكل نقطة تحول في تاريخ المنطقة، حيث سعى لتوحيد القبائل تحت راية التوحيد ومحاربة البدع والممارسات الشركية.
نشأة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
وُلد الشيخ محمد بن عبد الوهاب عام 1703 في قرية العيينة بمنطقة اليمامة في نجد. تربى في بيئة دينية، حيث كان والده قاضياً وعالماً، مما أتاح له تلقي العلم الشرعي منذ الصغر. خلال رحلاته لطلب العلم في مكة والمدينة والبصرة، لاحظ تناقضاً بين تعاليم التوحيد التي تلقاها وممارسات البدع والشرك المنتشرة بين الناس، مما دفعه للدعوة إلى إصلاح ديني يهدف إلى العودة إلى الإسلام الأولي. ومع ذلك، واجه مقاومة شديدة، حيث طُرد من البصرة بعد مهاجمته للممارسات الشركية، مما علمه أهمية القوة في حماية الدعوة.
تحالف الدرعية: بداية الدولة
في عام 1744، التقى الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالأمير محمد بن سعود في الدرعية، وهي اللحظة التي شكلت ميثاق الدرعية التاريخي. وعد الأمير الشيخ بالحماية والدعم، بينما تعهد الشيخ بتقديم الشرعية الدينية لدولته. يقول المؤرخ ابن بشر في كتابه “عنوان المجد في تاريخ نجد”: “قال الأمير محمد بن سعود للشيخ: أبشر ببلاد خير من بلادك وبالعز والمنعة، فقال الشيخ: وأنا أبشرك بالعز والتمكين والنصر المبين”. هذا التحالف لم يكن مجرد اتفاق سياسي، بل كان مشروعاً لتوحيد نجد تحت راية دينية وسياسية واحدة.
التوسع ومواجهة التحديات
تمكنت الدولة السعودية الأولى من التوسع بسرعة، حيث امتدت من ساحل الخليج العربي شرقاً إلى الحجاز غرباً، وصولاً إلى أجزاء من اليمن جنوباً. ومع ذلك، أثارت هذه التوسعات صراعات مع قوى إقليمية، مثل الدولة العثمانية والقواسم في الإمارات وعمان. في عام 1801، هاجم الوهابيون كربلاء، مما أدى إلى ما عُرف بـ”مذبحة كربلاء”، حيث هُدمت قبة قبر الحسين، وهو الحدث الذي أثار غضباً واسعاً في العالم الإسلامي. كما أدى حصار مكة والمدينة إلى تعطيل الحج، مما زاد من عزلة الدولة.
سقوط الدولة الأولى
في عام 1811، أرسلت الدولة العثمانية إبراهيم باشا، ابن محمد علي، لقمع الدولة السعودية. بحلول عام 1818، دُمرت الدرعية، وأُعدم الإمام عبد الله بن سعود في إسطنبول، لتنتهي بذلك الدولة السعودية الأولى. ومع ذلك، لم تنتهِ الدعوة الوهابية، التي استمرت في التأثير على المشهد السياسي والديني في المنطقة.
أظهرت تجربة الدولة السعودية الأولى أهمية التوازن بين الفكر الديني والسياسة الواقعية. تعلم الشيخ محمد بن عبد الوهاب أن الدعوة تحتاج إلى قوة عسكرية وسياسية لحمايتها، بينما أدرك آل سعود ضرورة المرونة السياسية لمواجهة التحديات الإقليمية. هذا التحالف وضع الأسس للدولتين السعوديتين الثانية والثالثة، اللتين استفادتا من دروس الماضي لبناء دولة حديثة.
تظل قصة تأسيس الدولة السعودية الأولى شاهدة على تفاعل الفكر الديني مع الواقع السياسي. تحالف الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود لم يكن مجرد نقطة انطلاق لدولة، بل كان تجسيداً لفكرة أن الأفكار تحتاج إلى قوة لتحقيقها. مع استمرار تأثير الدعوة الوهابية في المنطقة، تظل دروس هذه التجربة ذات صلة بالتحديات السياسية والدينية في العالم الإسلامي اليوم.