أعلن المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني المصادقة على تأسيس مجلس الدفاع الوطني الإيراني، في خطوة وُصفت بأنها تحول استراتيجي في البنية الدفاعية الإيرانية، وذلك استنادًا إلى المادة 176 من الدستور الإيراني، التي تمنح المجلس صلاحيات عليا في إدارة الأمن القومي.
ويترأس المجلس الجديد رئيس الجمهورية الإيرانية، ويضم في عضويته رؤساء السلطات الثلاث، وقادة الجيش والحرس الثوري، إلى جانب وزراء من القطاعات الأمنية والعسكرية المرتبطة، ما يمنحه ثقلاً سياسيًا وعسكريًا كبيرًا في اتخاذ قرارات كبرى تمس الأمن والدفاع والسياسة الخارجية.
بحسب بيان رسمي، سيُعنى المجلس الجديد بـ”دراسة وتنسيق الخطط الدفاعية وتعزيز قدرات القوات المسلحة الإيرانية”، كما سيتولى مراجعة جاهزية البلاد لمواجهة التهديدات الخارجية، بما يشمل تطوير البنية التحتية للردع النووي والصاروخي، ووضع سياسات دفاعية استباقية.
ويُعد تأسيس هذا المجلس الأول من نوعه بهذا التشكيل والمهام الواسعة منذ قيام الجمهورية الإسلامية عام 1979، ما يشير إلى نقلة نوعية في هندسة اتخاذ القرار الأمني والعسكري، وتحول إيران من استراتيجية “رد الفعل” إلى “التخطيط الدفاعي الاستباقي”.
تأتي هذه الخطوة في أعقاب أعنف مواجهة عسكرية مباشرة بين إيران وإسرائيل خلال ما بات يُعرف إعلاميًا بـ”نزاع الـ12 يومًا”، والذي اندلع في يونيو 2025.
بدأ النزاع بسلسلة من الضربات الجوية الإسرائيلية استهدفت مواقع عسكرية ومرافق نووية داخل إيران، بالإضافة إلى اغتيالات طالت قياديين بالحرس الثوري وعددًا من العلماء النوويين.
وردت طهران حينها بإطلاق هجمات صاروخية ومسيّرات استهدفت مدنًا ومواقع استراتيجية إسرائيلية، في أول إعلان رسمي عن هجوم مباشر من الأراضي الإيرانية على الداخل الإسرائيلي.
التصعيد بلغ ذروته في 22 يونيو 2025، عندما شنت القوات الأمريكية ضربات جوية وبحرية استهدفت منشآت نووية رئيسية في إيران، شملت مواقع فوردو، نطنز، وأصفهان، والتي تُعد من أعمدة البرنامج النووي الإيراني.
الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت صرّح بأن تلك الضربات “عطّلت برنامج إيران النووي وألحقت به أضرارًا جسيمة”، في حين ردّت إيران بهجوم صاروخي محدود على قاعدة العديد الجوية الأمريكية في قطر، دون تسجيل إصابات.
وبعد أيام من التصعيد، أُعلن عن اتفاق لوقف إطلاق النار في 24 يونيو 2025، بوساطة أمريكية مباشرة، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب – العائد بقوة للمشهد – أنه تم التوصل إلى “تفاهم شامل لتجنب حرب إقليمية مفتوحة”.
يرى محللون أن إيران تسعى من خلال تأسيس مجلس الدفاع الوطني إلى إعادة ضبط هيكل اتخاذ القرار الأمني، خصوصًا بعد تعرض مؤسساتها العسكرية لهزات غير مسبوقة، أبرزها الاختراقات الأمنية، والاغتيالات النوعية، والفشل في صد الهجمات الجوية.
كما يهدف القرار إلى توحيد الجبهة العسكرية بين الجيش النظامي والحرس الثوري، خاصةً في ظل تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة، واستمرار التهديدات الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي الإيراني.
التحركات الجديدة تُفسَّر كذلك كمحاولة لطمأنة الداخل الإيراني، وإظهار الجاهزية الكاملة لأي مواجهة مقبلة، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات داخلية اقتصادية ومعيشية خانقة، تتطلب إدارة ذكية للأزمات.
تأسيس مجلس دفاع وطني بصلاحيات عليا يعني أن إيران تتجه لتأطير المواجهة المقبلة ضمن آلية مؤسساتية، وليس كاستجابة فوضوية أو فردية، ما قد يعقّد المشهد الإقليمي ويجعل حسابات الردع أكثر حساسية.
وفي المقابل، قد يُفسّر هذا التحرك في تل أبيب وواشنطن بأنه إشارة على الاستعداد للتصعيد المحتمل أو التمهيد لاستئناف الأنشطة النووية المتوقفة مؤقتًا، ما قد يرفع حدة التوتر مجددًا خلال الأشهر المقبلة.
في ظل واقع جيوسياسي يتغيّر بسرعة، يبدو أن إيران تعيد ترتيب أوراقها الدفاعية عبر أدوات دستورية ومؤسسية. تأسيس مجلس الدفاع الوطني هو أكثر من مجرد قرار تنظيمي؛ بل هو رسالة واضحة إلى الأصدقاء والخصوم على حد سواء، مفادها أن طهران تستعد لمرحلة جديدة من المواجهة الذكية، المدروسة، والمؤسساتية.
وبينما تبقى المنطقة حبلى بالمتغيرات، فإن السؤال الأهم هو: هل سيكون مجلس الدفاع الإيراني أداة استقرار داخلي وردع خارجي؟ أم بداية تصعيد غير مباشر يخوضه الطرف الإيراني عبر وكلائه وأذرعه في الإقليم؟