شهد الأدب التركي تحوّلات عميقة منذ دخول الإسلام إلى الأناضول في القرن الحادي عشر، حيث اندمجت التقاليد الشعرية التركية مع التأثيرات الفارسية والعربية، لتُنتج أدبًا غنيًا متنوعًا في الأشكال والمضامين، عكسَ روح التحوّلات السياسية والدينية والاجتماعية التي عرفتها المنطقة عبر العصور.
من الشعر الديواني إلى الواقعية الحديثة
دخل الأتراك الإسلام بعد معركة ملاذكرد عام 1071م، ومعها بدأت مرحلة الأدب الإسلامي التركي، الذي مزج بين اللغة التركية والآداب الفارسية والعربية، خاصة في العهد السلجوقي ثم العثماني. وازدهر في العصر العثماني ما يُعرف بـ”الشعر الديواني” (Divan Edebiyatı)، وكان يكتبه النخبة باللغة العثمانية المليئة بالمفردات الفارسية والعربية.
ومن أشهر شعراء هذه المرحلة:
فضولي البغدادي (Fuzuli)
باقي (Bâkî)
نظامي
شيخ غلِب (Şeyh Galip)
وقد طغى الطابع الصوفي والوجداني على كثير من هذه الأشعار.
الأدب الشعبي والتقليدي
بموازاة الأدب الرسمي، نشأ أدب شعبي شفهي ارتبط بالمجتمع الريفي، مثل الملاحم والأساطير والقصص الشعبية (مثل ملحمة “كور أوغلو”)، وبرز شعراء مثل:
يونس إمره (Yunus Emre)
قره مان أوغلو
كرمانلي أحمد
وقد عبّروا عن روح التصوف والمشاعر الشعبية بلغة بسيطة.
الأدب في عهد التنظيمات (1839-1876)
مع بدايات الإصلاحات العثمانية (عهد التنظيمات)، دخل الأدب التركي مرحلة جديدة، حيث بدأ الكُتّاب يتأثرون بالأدب الغربي والفرنسي تحديدًا، فظهرت الرواية والمسرحية والمقالة، وبدأت اللغة التركية تبتعد تدريجيًا عن العثمانية المعقدة.
أبرز الأسماء:
نامق كمال (Namık Kemal)
شيناسي (Şinasi)
ضياء باشا (Ziya Paşa)
الأدب الجمهوري والحداثة (منذ 1923)
مع تأسيس الجمهورية التركية على يد مصطفى كمال أتاتورك، بدأ عهد جديد في الأدب، حيث فُرض استخدام الأبجدية اللاتينية وتطهير اللغة من المفردات العربية والفارسية. اتجه الأدب نحو الواقعية الاجتماعية وبرزت الرواية كأهم الأجناس الأدبية.
من أعلام هذه المرحلة:
ناظم حكمت (Nazım Hikmet): شاعر ماركسي ثوري
يشار كمال (Yaşar Kemal): روائي الواقعية الريفية
أورهان باموق (Orhan Pamuk): الحائز على نوبل للآداب 2006
أليف شافاق (Elif Şafak): روائية عالمية، ترجمت أعمالها لعشرات اللغات
الأدب التركي المعاصر
في العصر الحديث، يتنوع الأدب التركي بين الشعر الحديث، الرواية النسوية، والكتابة السياسية والدينية، وتُعد تركيا اليوم من أبرز الدول إنتاجًا أدبيًا في الشرق الأوسط، مع كتّاب تُرجموا عالميًا مثل:
أحمد أوميت (Ahmet Ümit)
لطيفة تكين (Latife Tekin)
حانده ألتايلي (Hande Altaylı)
الأتراك واللغة العربية
قليل من الأدباء الأتراك كتبوا بالعربية مباشرة، بسبب هيمنة اللغة التركية العثمانية في الأناضول والعثمانية الكلاسيكية كلغة رسمية وثقافية، لكن نظراً للمكانة الدينية والعلمية للعربية، برع عدد من الأتراك في الكتابة بها، خصوصًا في مجالات الدين، والبلاغة، والتصوف، والأدب العربي التقليدي. إليك أبرز هؤلاء:
1. بديع الزمان النورسي (1877–1960)
اللغة: كتب بالعربية والتركية.
أشهر مؤلفاته بالعربية:
الكلمات
المكتوبات
اللمعات
المجال: ديني وفلسفي وصوفي، كتب “رسائل النور” بلغة عربية سليمة وأسلوب بلاغي متين.
الملحوظة: أسلوبه قريب من أساليب الجاحظ والزمخشري في بعض المواطن.
2. مصطفى صبري أفندي (1869–1954)
اللغة: كتب مؤلفاته بالعربية، وكان آخر شيخ للإسلام في الدولة العثمانية.
أشهر كتبه:
موقف العقل والعلم والعالم من ربّ العالمين (من أهم كتب الرد على المادية والعلمانية)
المجال: فلسفة إسلامية، علم كلام، فكر سياسي.
الملحوظة: يعد من أبلغ من كتب بالعربية في القرن العشرين من غير العرب.
3. الشيخ محمد زاهد الكوثري (1879–1952)
اللغة: كتب بالعربية
أشهر كتبه:
المقالات الكوثريّة
تحقيقات على كتب السلف
المجال: تحقيق تراث، دفاع عن المذهب الحنفي، نقد للتيارات السلفية.
الملحوظة: نثره العربي قوي، واضح التأثر بالأدب الكلاسيكي.
4. سعيد الحلبي العثماني
أحد علماء الدولة العثمانية المتأخرين الذين كتبوا بالعربية، خاصة في الفقه.
غير معروف على نطاق واسع اليوم، لكن كتبه محفوظة في مكتبات مخطوطات تركية وعربية.
5. أدباء ومتصوفة عثمانيون كتبوا شعراً بالعربية:
أمثال:
السلطان سليم الأول (كان شاعرًا بالعربية والفارسية).
الشيخ إسماعيل حقي البروسوي
عبد الغني النابلسي (وإن كان من دمشق، إلا أن له تأثيراً في المتصوفة الأتراك).
ملاحظات ختامية:
معظم الأدب العربي الذي كتبه الأتراك كان أدبًا دينيًا أو تصوفيًا أو علميًا.
بعد سقوط الخلافة العثمانية، تراجعت العربية في تركيا، بسبب عداء الشيطان أتاتورك للعربية وللإسلام
هناك اليوم أدباء أتراك يكتبون بالعربية المعاصرة لأسباب أكاديمية أو دعوية، مثل بعض الأكاديميين الأتراك في الجامعات الإسلامية، لكنهم لا يُعدّون أدباء بالمعنى الكلاسيكي.