كتاب مبكر في علم الاجتماع السياسي، وفلسفة التاريخ، صاغه فيلسوف اسكتلندي رأى أن الحضارة لا تنشأ بتخطيط، بل تتشكل بغير قصد من تصادم المصالح.
في عام 1767، كتب آدم فيرغسون، أحد مفكري التنوير الاسكتلندي، مؤلفه الأشهر ليضع فيه نواة ما سيعرف لاحقًا بعلم الاجتماع، متأثرًا بالفكر التنويري، ومراقبًا التحولات العميقة في أوروبا في عصر ما بعد الإصلاح الديني وصعود الرأسمالية.
من البربرية إلى المدنية.. كيف تنشأ المجتمعات؟
يناقش الكتاب في فصوله الستة تطور المجتمع الإنساني من حالة البربرية الأولى إلى مرحلة المدنية المعقدة. ويعتقد فيرغسون أن التمدن لا يتطلب تخطيطًا مسبقًا، بل هو ناتج غير مقصود لسلوكيات الأفراد، ونتيجة طبيعية لتشابك المصالح والنزاعات والسعي وراء المنفعة.
ويكتب: «نحن نحمل في المجتمع آثار أفعال لم تكن من نية فاعليها، بل من نتائج التفاعل البشري غير المقصود».
نقد فيرغسون للرأسمالية والتخصص
لم يكن فيرغسون من دعاة التمدن بلا شروط. فقد انتقد التخصص المفرط في العمل، الذي رآه يسلب الأفراد قدرتهم على الحكم الأخلاقي، ويحوّلهم إلى أدوات جامدة في آلة الاقتصاد. كما انتقد نشوء طبقات مترفة منعزلة عن الشعب، وغياب الفضيلة المدنية.
الفضيلة الجمهورية في مواجهة الفساد
يتغنّى فيرغسون بالنموذج الجمهوري الروماني، حيث كانت الحرية والفضيلة أساس الحكم، ويقارنها بالمجتمعات الحديثة التي يراها مهددة بالفساد والانحلال. ويؤكد أن الحفاظ على المجتمع المدني يتطلب مشاركة المواطن ونمو حسه الأخلاقي والسياسي، لا الاكتفاء بالتقدم المادي.
كتاب سبق عصره
يُعد الكتاب أحد النصوص المؤسسة لفكر المجتمع المدني قبل أن تتبلور المفاهيم الحديثة للدولة والمجتمع والسياسة. وقد أثر في فلاسفة لاحقين مثل هيغل وماركس وتوكفيل، وكان له دور في تشكيل رؤية معاصرة للعلاقات بين السلطة والمجتمع، والفرد والدولة.
من أبرز ما جاء في الكتاب:
«قد يتشكل النظام من قلب الفوضى، وتنبثق العدالة من بين النزاعات»
«التمدن ليس مشروعًا منظمًا بل مسار من التراكمات غير المقصودة»
«كلما زادت راحة الإنسان، ضعفت فضيلته»
أهمية الكتاب اليوم
في زمن تتراجع فيه مفاهيم المشاركة، ويعلو فيه صوت الفردانية والاستهلاك، يعيد كتاب آدم فيرغسون التذكير بأن قوة المجتمعات لا تُقاس فقط بثرائها، بل بقدرتها على حفظ القيم المشتركة، وتعزيز التضامن، ومقاومة الفساد من الداخل.