د. نصر فحجان يكتب: {الَّذى بَرَكْنَا حَوْلَهُ}


لقَد باركَ الله تعالى في فلسطين، وسمَّاها الأرض المُباركة، فصارت تُعرف بالبركة والقداسة، لوجود المسجد الأقصى في قَلبها ومحوَرها، ولقد بُوركت فلسطين في آياتٍ عديدةٍ من القُرآن الكريم، ما جعل أفئدة المسلمين تهوي إليها على مرّ السنين.
وفي هذا يقول الله تعالىٰ مُخبراً عن إبراهيم ولوط عليهما السلام:
{. ونجَّينـٰـهُ وَلوطاً إلى الأرضِ الَّتى بَـٰركنَا فيها للعَـٰلَمينَ.} الأنبياء/ 71.
فاللّه تعالى نجّى إبراهيم وَلوطاً عليهما السلام بدخولهما فلسطين المباركة، مُهاجرين من أرض العِراق، وجبروت الطاغوت نَمرود.!
قَد منَّ الله تعالى على سبأ جعل بينهم وبين فلسطين قُرىً ظاهرة تُسهّل عليهم السفر إليها، فقال:
{وجَعَلنا بينَهم وبينَ القُرى التي بَـٰركنَا فيها قُرىً ظَٰهِرة وقدَّرنا فيها السّيرَ سيروا فيها لَيالىَ وأيّاماً ءَامنين} سبأ 18.
فلم يكونوا في حاجة لحَمل الزاد، فما يَبرحون قرية إلّا ويصِلون إلى أخرى قبل أن تقرِضهم الشمس بالمَغيب.
ومن نعمة الله تعالى على سليمان عليه السلام أن جعل الريح تجري بأمره إلى أرض فلسطين المباركة، فقال:
{ولسُليمـٰنَ الرّيحَ عاصفةً تجري بأمرِهِ إلى الأرضِ الَّتى بَـٰركنَا فيها وكنّا بكلِّ شئٍ عَلِمينَ} الأنبياء 81.
وبعد أن أغرق الله فرعون وملأه، ونجّى بني إسرائيل من ظُلمهم وطُغيانهم، أورثهم الأرض المباركة بما صبروا على الشدائد التى كابدوها، فقال الله عزّ شأنه:
{وَأورَثنا القَومَ الّذينَ كانوا يُستَضعفون مَشـٰرِقَ الأرضِ وَمغَـٰربَهَا الَّتى بَـٰركنَا فيها} الأعراف/ 137.
لكننا نجد أن من العلماء من وسع في الأرض المباركة، فجعلها من النيل إلى الفرات، فالآية لم تحدد حدوداً للبركة، التي جعلها الله تعالى حول المسجد الأقصى، ومنهم من جعل الأرض المباركة هي كلّ بلاد الشَّام لتشمل فلسطين والأردن وسوريا ولبنان.
وأيّاً ما كان الأمر، فإن فلسطين مباركة باتّفاق جميع العلماء، وبلا خلاف بينَ أهل الأرض، فلو قُلنا: إن الأرض المباركة هي الواقعة من النيل إلى الفرات، فإن فلسطين تكون في قلب هذه الأرض المباركة.
وليس عبثاً أن نجد اليهود يرسمون على عَلَمهم خطّين أورقين يرمزون بهما إلى إلى النيل والفُرات، في إشارة إلى خططهم السيطرة على البلاد الواقعة بين النيل والفُرات والتي تحيط بفلسطين، فهم يقولون:
حدودك يا (إسرائيل) من الفرات إلى النيل، وربما تطلعوا إلى السيطرة على المنطقة العربية كلّها، حتى لا يفقدوا فلسطين التي يحتلونها!
إن النّاظر في الواقع يرى أن هذه الأرض الواقعة بين النيل والفُرات هي أرض الأحداث الكبرىٰ في العالم في الماضي والحاضر، ولا عَجب في ذلك فهي أرضٌ تجاور فلسطين، حيث مركزية البركة!
وفي العصر الحديث رأينا احتلال فلسطين من قبل اليهود، واحتلال شبه جزيرة سيناء، واحتلال هضبة الجولان السورية، واحتلال العراق من قِبل الأمريكان وتتحكم روسيا الآن في الأرض السورية، وكل هذه البلاد تقع بينَ الفرات والنيل، وتحيط بفلسطين التي قد تداعت عليها الأُمم الأَكِلَة إلى قصعتها.
ولذلك نجد في أحاديث أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم، يُنبّه أهل الشام إلى بركة أرضهم حتى يعضّوا عليها بالنواجذ، ومنها هذه الروايات الخمس:
1- يقول النبي صلى الله عليه وسلم: {…فإن الله قد تكفَّلَ لي بالشام وأهله}، في إشارة إلى أنَّ أرض فلسطين ستتعرض لأحداثٍ كُبرى، فهي في قلب الشام، وبؤرة الأرض المباركة.
2- وهو نفسه ما نجده في الحديث: عن سَلَمة بن نُفيلٍ الكِندي رضي الله عنه عنه، يرفعه، {…وَعُقرُ دارِ المؤمنينَ الشامُ}
3- وفي الحديث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال:
بَينَما نحنُ عِند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال:
{طُوبى للشام}، قيلَ: ولِمَ ذلك يا رسول الله؟!
قال: إن ملائكة الرحمن باسطةٌ أجنحتها عليها}
4- وهذه البركة تندرج في معنى البركة المخصوصة بهذه الأرض، فهي أرض إبراهيم عليه السلام، يقول عبد الله بن عَمرو رضي الله عنه:
سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
{ستكون هِجرة بعد هِجرة، فخيارُ الأرضِ إلى مُهاجر إبراهيم}.
5- وعن واثِلة بن الأَسقَع رضي الله عنه، مرفوعاً:
.{عليكم بالشّام، فإنها صفوَة بلاد الله يسكنها خِيرته من خَلفهِ….}.
ولم يكن من قَبيل الصدفة أن تكون معظم الانتصارات الكبيرة للمسلمين قد تحققت في فلسطين المباركة، فهي بركة النصر، وبركة الصبر، وبركة الأنبياء، وبركة الأرض، وبركة المسجد الأقصى!
بَعضاً من الأحداث الكُبرى التي وقعت في فلسطين أو ما حولها:
١- في فلسطين كان فتح يوشع بن نون عليه السلام، والقضاء على القوم الجبّارين مو بعد فترة التيه التي ناهزت الأربعين من السنين!
٢- وفي فلسطين كان تحرير طالوت الذي أوتيَ بسطةً في العِلم والجسم بفئة من بني إسرائيل!
٣- وفي فلسطين كان انتصار فارس على الروم، ثم انتصار الروم من غَلَبهم في بضع سنين!
٤- وفي فلسطين كان غزو الأشوريين والبابليين، وسبيُ اليهود على يدي نَبوخَذ نصَّر، وسنحاريب!
٥- وفي فلسطين وما حولها كان الفتح الإسلامي بمعركة اليرموك وما تلاها محاولة تحريرها بغزوة تبوك وجَيش أسامة بَعد غزوة مؤتَة، بل كان من أهداف فتح خَيبر تأمين الطريق إليها بالقضاء على الخطر اليهودي!
٦- وفي فلسطين كانت حطّين، وكانت نهاية الصليبيين!
٧- وفي فلسطين كانت عين جالوت التي انهزمَ فيها المَغول!
٨- وفي فلسطين كانت موقعة أجنادين، وبيسان!
٩- وفي فلسطين سيكون التتبير لإفساد بني إسرائيل الأخير بإذن الله تعالى!
١٠- وفي فلسطين سيقتُل عيسى بن مريم عليه السلام الأعوَر الدجَّال عند باب لُدّ الشرقي “بإذن الله تعالى”!
١١- وفي فلسطين ستنتهي زخوف يأجوج ومأجوج بإذن الله تعالى، وهم من كل حدبٍ يَنسلون!
١٢- وفي فلسطين سيحكم عيسى بن مريم عليه السلام بالإسلام أربعينَ سنة قبلَ يوم القيامة بإذن الله تعالى!
١٣- وإلى فلسطين سيكون المَحشر، ومنها سيكون المَنشَر بإذن الله تعالى، إمّا إلى الجنان، وإمّا إلى النيران!
د. نصر فحجان – غَزّة
من كتابهِ / وَعد الآَخِرَة.. زوال لا إبادَة