تعقد لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، الخميس، اجتماعًا لتحديد أسعار الفائدة، وسط توقعات متباينة بين خفض محتمل مدعوم بانحسار التضخم واستقرار سعر الصرف، وبين تثبيت الأسعار تحسبًا لأي زيادات مرتقبة في أسعار الطاقة قبل نهاية العام.
وتوقعت رئيس قسم البحوث بشركة زيلا كابيتال، آية زهير، خفض أسعار الفائدة بنسبة 1%، مستندة إلى الأرقام الإيجابية الأخيرة لمعدلات التضخم التي تؤكد استمرار المسار الهبوطي، إضافة إلى بقاء سعر الفائدة الحقيقي في المنطقة الإيجابية مدعومًا بالتباطؤ الملحوظ في التضخم خلال يونيو/ حزيران، واستقرار سعر الصرف خلال الفترة الأخيرة.
وأضافت زهير، في تصريحات نقلتها شبكة CNN الأمريكية، أن التوقعات بخفض الفيدرالي الأمريكي للفائدة بنحو نصف نقطة مئوية قبل نهاية 2025، بدءًا من سبتمبر/ ، يمنح دفعة إضافية لاقتصادات الدول النامية لاتخاذ خطوات مماثلة، ورجحت أن تكون هذه فرصة مناسبة للبنك المركزي المصري للتحرك قبل الزيادة المرتقبة في أسعار المحروقات والتي يتوقع لها البعض أن تكون في أكتوبر/ تشرين الأول.
معدلات التضخم تتباطأ
وسجلت معدلات التضخم في المدن المصرية تباطؤا خلال يوليو حيث تراجع المعدل السنوي لأسعار المستهلكين إلى 13.9% مقارنة بـ 14.9% في يونيو، وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، مع الأخذ في الاعتبار أن المؤشر يقيس الأسعار في المناطق الحضرية فقط دون القرى والمناطق الريفية.
وعلى المستوى الشهري، انخفض المؤشر العام بنسبة 0.5% مقابل 0.1% في يونيو، فيما ارتفع التضخم الأساسي الذي يستبعد السلع المدعومة والشديدة التقلب قليلاً إلى 11.6% سنويًا، مع تراجع شهري قدره 0.3%، ويأتي هذا الانحسار في أسعار المستهلكين مصحوبًا باستقرار سعر الصرف.
تحسن معظم مؤشرات الاقتصاد الكلي
وتوقع الخبير المصرفي وعضو مجلس إدارة البنك المصري الخليجي، محمد عبدالعال، خفض البنك المركزي لأسعار الفائدة 200 نقطة أساس، على أن يصل إجمالي الخفض تدريجيا إلى 400 نقطة أساس بنهاية العام الجاري ليقترب سعر الفائدة من مستوى 20%.
وأوضح عبدالعال، أن هذه التوقعات تستند إلى انحسار معدلات التضخم واستقرارها خلال النصف الأول من العام، إلى جانب تحسن الاحتياطي النقدي ومعظم مؤشرات الاقتصاد الكلي، موضحا أن التضخم الضمني يشير إلى مزيد من التراجع، ما يمنح المركزي مساحة للعودة إلى دورة التيسير النقدي بعد فترة من السياسات التقييدية.
وأشار إلى أن المخاوف التي دفعت لجنة السياسة النقدية للحذر في اجتماعها السابق تراجعت نسبياً، خاصة مع جهود احتواء التوترات الجيوسياسية والتجارية على المستوى الدولي.
تخفضيات أسعار الفائدة
وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة بإجمالي 3.25% على مرحلتين، في أول تحرك له منذ أكثر من أربع سنوات ونصف؛ إذ قلّص الفائدة بمقدار 2.25% في إبريل/ ثم أضاف خفضًا جديدًا بواقع 1% في مايو/ ، قبل أن يثبتها في اجتماعه الأخير عند 24% للإيداع و25% للإقراض.
وفيما يتعلق بالاستثمارات الأجنبية غير المباشرة، أكد عبدالعال أن الفارق الكبير بين العائد الحقيقي على الجنيه والدولار يبقي أدوات الدين العام المصرية جاذبة، وهو ما يخفف من المخاوف بشأن خروج الأموال الساخنة، لافتا إلى أن التوجه المتوقع للفيدرالي الأمريكي نحو خفض الفائدة في سبتمبر سيعزز جاذبية الجنيه ويوفر دعماً إضافياً لقرار المركزي.
وألمح رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي (البنك المركزي) جيروم باول، الجمعة، على هامش مؤتمر جاكسون هول، إلى احتمال خفض أسعار الفائدة في اجتماع البنك المركزي الأمريكي الشهر المقبل، قائلاً إن المخاطر على سوق العمل في تزايد، لكنه أشار أيضاً إلى أن التضخم لا يزال يمثل تهديداً، وأن القرار لم يحسم بعد.
وفيما توقعت شركات الوساطة الكبرى باركليز وبي إن بي باريبا ودويتشه بنك، خفضاً في أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر.
كما توقع الخبير المصرفي طارق حلمي أن يخفض المركزي المصري أسعار الفائدة بواقع 1.5 إلى 2% فقط، مستبعدًا أن يصل الخفض إلى 3 أو 4% كما يتوقع البعض، نظرًا لاحتمالية رفع أسعار الطاقة والكهرباء في أكتوبر، إضافة إلى الضغوط الموسمية مع دخول المدارس وزيادة الطلب على سلع أساسية.
وأوضح حلمي، أن سعر الصرف لن يتأثر بشكل ملحوظ بخفض الفائدة، لكون العامل الأهم في استقرار الجنيه هو السيطرة على عجز الميزان التجاري، وليس حركة الأموال الساخنة، مؤكدا أن عودة سعر الصرف إلى مستوى 50 جنيهًا حتى إن حدثت لن تكون مؤثرة على السوق بقدر ما يسببه العجز التجاري من ضغوط هيكلية على الاقتصاد.
التدفقات الدولارية تدعم الجنيه
وتوقع نائب رئيس مجلس إدارة شركة مباشر كابيتال هولدنج للاستثمارات المالية، إيهاب رشاد، خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بين 1 و2% في اجتماعه المقبل، مشيرًا إلى أن تراجع التضخم مؤخرًا وسع الفارق بين العائد الحقيقي ومعدل التضخم بشكل كبير، وهو ما يستدعي إعادة التوازن، موضحاً أن التدفقات الدولارية من تحويلات المصريين بالخارج وعوائد السياحة دعمت استقرار الجنيه أمام الدولار، مما يمنح البنك المركزي مساحة أكبر للتحرك.
وأضاف، أن استمرار التضخم في المسار النزولي سيفتح المجال لمزيد من التخفيضات قد تتجاوز 3% بنهاية العام، مشيرا أن تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، بشأن احتمال خفض الفائدة عالميًا ستدعم توجه مصر نحو التيسير النقدي خلال الفترة المقبلة.
وكان بنك جولدن مان ساكس توقع في وقت سابق، أن يظل البنك المركزي المصري محافظًا على أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية حتى أكتوبر المقبل، قبل أن تبدأ في الانخفاض تدريجيًا لتصل إلى نطاق 18% إلى 20% بحلول نهاية العام.
وأرجع البنك في تقريره هذه التوقعات الإيجابية إلى جهود الحكومة المصرية في احتواء الضغوط التضخمية والحفاظ على الاستقرار المالي، رغم التحديات المرحلية التي يواجهها الاقتصاد المحلي.
قرار الخفض قد يتطلب دراسة أعمق
وقال رئيس بنك التنمية الصناعية السابق، ماجد فهمي إنه يميل إلى توقع تثبيت أسعار الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية المقبل، مرجعاً ذلك إلى استمرار معدلات التضخم مع احتمالات ارتفاعها بنهاية العام بسبب خطوات مرتقبة لرفع أسعار الكهرباء والطاقة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي وتوصيات صندوق النقد الدولي.
وأوضح فهمي، أن العرف جرى على أن البنوك المركزية ترفع الفائدة عند صعود التضخم للسيطرة عليه، بينما من غير المألوف أن يتم خفض الفائدة بالتزامن مع زيادة التضخم، مضيفاً أن أي قرار بالخفض قد يتطلب دراسة أعمق لأسباب ارتفاع الأسعار، خاصة وأنها لا ترتبط دائماً باختلال العرض والطلب فقط.
وأشار إلى أن استمرار الاعتماد على “الأموال الساخنة” لدعم استقرار سعر الصرف يجعل من الصعب خفض الفائدة، إذ إن ذلك قد يدفع بعض هذه الاستثمارات إلى الخروج بما يهدد استقرار الجنيه أمام الدولار.
وتوقعت مؤسسة فيتش سوليوشنز، من خلال خدمة “BMI”، أن يقوم البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة بنسبة تتراوح بين 1% و2% الإجتماع المقبل، مستندة إلى تراجع معدل التضخم في يوليو الماضي وفق وسائل إعلام محلية.
وأضافت المؤسسة أن خفض الفائدة سيدعمه تباطؤ التضخم ومرونة تدفق الاستثمار الأجنبي، مع توقع انخفاض الفائدة الحقيقية من 11% إلى حوالي 8% بنهاية 2025، ما يحافظ على جاذبية أدوات الدين المصرية للمستثمرين.