خلال أول رحلة خارجية كبيرة له هذا الأسبوع، يزور الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ثلاث دول في الشرق الأوسط – المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة – دون التوقف في القدس.
ولا يتضمن برنامج الرحلة الخاص بجولة ترامب في الشرق الأوسط على زيارة لإسرائيل، وهي ليست المرة الأولى التي يتجاوز فيها إسرائيل أو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
و عمل ترامب بشكل متزايد على تهميش نتنياهو، مما أثار المخاوف في الكيان الذي اعتاد منذ فترة طويلة على التشاور مع الإدارات الأميركية المتعاقبة.
في الأسبوع الماضي، اعتقد الإسرائيليون أنهم لاحظوا تزايدًا في الخلافات بين ترامب الذي يرفع شعار “أمريكا أولًا” وإسرائيل، بعد أن أعلن ترامب عن هدنة مع الحوثيين في اليمن، مما حدّ من هجمات الجماعة على السفن الأمريكية، لكنه لم يتطرق إلى إسرائيل.
بعد أيام، ظهرت تقارير تفيد بأن ترامب يدرس منح السعودية إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا النووية المدنية دون مطالبة المملكة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو شرط مسبق وضعه الرئيس السابق جو بايدن.
والآن يتساءل العديد من الإسرائيليين عما إذا كانت إسرائيل هي الحليف التالي للولايات المتحدة الذي سيتخلف عن الركب بعد رحيل رئيس اعتبروه، قبل بضعة أشهر فقط، الأكثر تأييداً لإسرائيل في التاريخ.
ويقول مايكل أورين، السفير الإسرائيلي السابق في واشنطن: “إنه أمر محبط”.
وبحسب صحيفة ” واشنطن بوست” الأمريكية، قال شالوم ليبنر، وهو مساعد سابق لنتنياهو وزميل في المجلس الأطلسي، واصفا المزاج السائد في القدس: “إنها حالة من الذعر التام”.
وقال دينيس روس، المسؤول الكبير السابق في وزارة الخارجية والذي عمل مبعوثا للشرق الأوسط في عهد رؤساء ديمقراطيين وجمهوريين، إن المخاوف الإسرائيلية بشأن مفاوضات ترامب مع إيران والتهديدات الأخرى لإسرائيل “لا تؤخذ في الاعتبار، أو إذا تم أخذها في الاعتبار، يتم تجاهلها”.
وأشار روس إلى أن الأصوات داخل إدارة ترامب التي تدعو إلى تقليل التدخلات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط آخذة في الصعود، في حين من المرجح أن يعطي ترامب الأولوية القصوى لجلب مليارات الدولارات من الاستثمارات من دول الخليج الغنية إلى الولايات المتحدة خلال رحلته.
قال روس: “ما تراه هو أن الرئيس ترامب لديه فكرة عما يصب في مصلحتنا، وهذا يأتي في المقام الأول. إنه يُحدد طبيعة مصالحنا الخارجية ليس من خلال سياق جيوسياسي أو أمني، بل من خلال إطار اقتصادي ومالي وتجاري. أعتقد أن الرئيس ترامب قد يرى أن ‘نحن نمنحهم 4 مليارات دولار سنويًا كمساعدات عسكرية. وأنا أبذل الكثير لدعم الإسرائيليين'”.
وفي مقابلة بُثّت يوم الخميس الماضي، نفى السفير الأمريكي الجديد لدى إسرائيل، مايك هاكابي، الادعاءات القائلة بتجاهل الإدارة الأمريكية للمخاوف الإسرائيلية، وصرح لقناة تلفزيونية إسرائيلية بأن “الولايات المتحدة ليست مُلزمة بالحصول على إذن إسرائيلي” للتوصل إلى وقف إطلاق نار مع الحوثيين.
وفي اليوم التالي، ندد هاكابي عبر حسابه على موقع “إكس” بما وصفه بتقارير إعلامية “متهورة وغير مسؤولة” أشارت إلى أن ترامب ونتنياهو “ليسا على وفاق”.
في إسرائيل اليوم، يُمثل تصاعد القلق تراجعًا حادًا عن شهر نوفمبر، حين احتفل الكثيرون بانتخاب ترامب.
وأشاد نتنياهو به ووصفه بأنه “أعظم عودة في التاريخ”. رأى وزراء حكومته اليمينية المتطرفة ضوءًا أخضر للتوسع، فسارعوا إلى الدعوة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب حرب شعواء وبناء مستوطنات يهودية جديدة في غزة.
لكن المزاج بدأ يتغير حتى قبل تنصيب ترامب. ففي الخفاء، اشتكى بعض حلفاء نتنياهو من ضغط مبعوث ترامب الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، على نتنياهو للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس، وزعموا أن ويتكوف تأثر بعلاقات تجارية شخصية مع قطر.
وبدأ آخرون يخشون أن يؤدي تفضيل ترامب لعقد الصفقات إلى منع توجيه ضربة عسكرية لإيران أو إلى اتفاق نووي يسمح لإيران بالاحتفاظ ببعض قدراتها على تخصيب اليورانيوم.
وفي أبريل المنصرم، أعلن ترامب أمام نتنياهو والصحافة المتجمعة أن الولايات المتحدة ستجري محادثات مباشرة مع إيران بشأن برنامجها النووي.
أما رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي دأب على دفع القادة الأمريكيين لأكثر من عقد لاستخدام القوة العسكرية لتفكيك المنشآت النووية الإيرانية، فقد أدار وجهه بعيدًا، وبدا عليه الدهشة.
وقال أحد مستشاري ترامب، الذي وصف معاملة ترامب لنتنياهو بأنها “أفضل بدرجة واحدة” من اجتماعه المتوتر في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل ثلاثة أشهر، إن هناك أصوات مؤثرة عملت طوال الربيع لمقاومة جهود جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل والجمهوريين المحافظين الجدد، لتثبيت صقور إيران وغيرهم ممن يُنظر إليهم على أنهم متعاطفون بشكل مفرط مع نتنياهو في مناصب رئيسية في الأمن القومي.
وذكرت صحيفة واشنطن بوست هذا الشهر أن مستشار الأمن القومي السابق مايكل والتز، أُقيل من منصبه بعد أن بدا أنه شارك في تنسيق مكثف مع نتنياهو بشأن الخيارات العسكرية ضد إيران، وهو ما أثار غضب ترامب.
قال مستشار ترامب، مستخدمًا لقب نتنياهو: “في حملة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، لسنا من مؤيدي نتنياهو. ترامب مُصرّ على موقفه: يريد من الناس أن يُنزلوا السلاح”.
ويقول مسؤولون ومحللون إسرائيليون إن صعود جناح متشكك بإسرائيل في واشنطن، وخاصة داخل الحزب الجمهوري الذي يُنظر إليه تقليديا على أنه قريب من إسرائيل، يشكل تحديا جديدا.
ولعقود، عندما اصطدم الرؤساء الأمريكيون، من الجمهوري جورج بوش الأب إلى الديمقراطي باراك أوباما، مع إسرائيل في مسائل تتراوح من سياسة الاستيطان في الضفة الغربية إلى الاستراتيجية تجاه إيران، اعتمدت إسرائيل على مؤيديها في الكونغرس للرد.
ومع ذلك، حتى بعد أن ألقى نتنياهو وبعض مؤيدي إسرائيل بثقلهم خلف ترامب، فإن عددًا من المشرعين الجمهوريين المتحالفين معه، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين (جمهورية – جورجيا)، يبتعدون بشكل متزايد عن إسرائيل، تاركين إياها دون أي ملاذ في الكونغرس.
وقال أميت سيغال، المحلل السياسي الإسرائيلي البارز: “تتزايد الانتقادات، ويقول الناس: لقد وضعنا كل بيضنا في سلة واحدة، والآن نحن خاليي الوفاض”.
وأضاف: “ماذا ستفعل إسرائيل الآن؟ هل ستتصل بالنائبة ألكسندريا أوكاسيو كورتيز؟ إنها مشكلة”.
وقال : “كان كثيرون سعداء للغاية لأن كامالا هاريس لم تكن كذلك، لدرجة أنهم اعتقدوا أن ترامب سيكون رئيسًا أمريكيًا من حزب الليكود، وسيفعل ما تريده إسرائيل”. “لكن هذه التوقعات لم تكن واقعية أبدًا، وأعتقد أن رئيس الوزراء كان دائمًا يدرك ذلك”.
وأشاد مسؤول إسرائيلي آخر بترامب لتوفيره ذخائر ثقيلة للجيش الإسرائيلي، وقال إنه في حين ضغط مسؤولو إدارة بايدن بشكل متكرر على إسرائيل للسماح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإن ترامب لم يقدم مثل هذه الطلبات خلال الأشهر القليلة الأولى من ولايته.
ومع ذلك، فإن مجرد تصور أن نتنياهو يفقد تأييد ترامب قد يضر برئيس الوزراء الإسرائيلي المخضرم الذي راهن بصورته العامة على قدرته على التنقل – والتأثير – في السياسة الأميركية بشكل أفضل من أي من منافسيه المحليين.
خلال الانتخابات البرلمانية التي شهدت منافسة حامية في عام 2019، نشر نتنياهو لوحة إعلانية ضخمة على طول الطريق السريع الرئيسي في تل أبيب، تُظهره وهو يصافح ترامب، فوق شعار: “نتنياهو، في مستوى مختلف”.
وأظهر مقطع فيديو للحملة الانتخابية أصدره حزب الليكود نتنياهو وهو يتعهد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المتنازع عليها تاريخيًا، ثم ينتقل إلى ترامب وهو يُعلن ذلك تحديدًا.
لكن بعد عام، أغضب نتنياهو ترامب بإعلانه ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، مما ساهم في انهيار خطة السلام في الشرق الأوسط التي وصفها ترامب بأنها “صفقة القرن”.
وأثار نتنياهو غضب ترامب أكثر بتهنئة بايدن على فوزه في الانتخابات بينما كان ترامب يشكك في النتائج، حسبما روى الرئيس في مقابلات مع أكسيوس في عام 2021.
وفي الأيام الأخيرة، انتهز معارضو نتنياهو الفرصة للتشكيك في تعامله مع العلاقات الأمريكية.
ووصف يائير لابيد، زعيم المعارضة الوسطية، المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وحماس بشأن الرهائن بأنها “فشل دبلوماسي مُشين” لنتنياهو، وقال إن “مسؤولية عودتهم تقع على عاتق الحكومة”.
وقال يائير جولان، زعيم حزب يساري: “إن الأميركيين يتقدمون نحو اتفاق مع السعوديين، ويتقدمون نحو اتفاق مع إيران، ويتقدمون نحو خطة إقليمية جديدة بمليارات الدولارات، لكنهم يتجاهلون نتنياهو وإسرائيل”.
وقال أورين، السفير الإسرائيلي السابق، إن كثيرين في إسرائيل ينسون أن ترامب “ليس من محبي المستوطنات؛ فقد كان ضد ضم الضفة الغربية وتبنى خطة الدولتين” خلال فترة ولايته الأولى.
وأضاف أورين أن بعض الأصوات المؤيدة لإسرائيل ذات النفوذ الكبير لم تعد موجودة في البيت الأبيض. “لنكن واقعيين”.