أقلام حرة

تحالف الكنائس الثلاث: من سايكس-بيكو إلى إسقاط الخلافة الإسلامية

محمد فوزي التريكي

مع انتخاب بابا جديد للفاتيكان، تتجدد الأسئلة حول الأدوار التاريخية للمؤسسات الدينية المسيحية، وخاصة الكنائس الكبرى، في رسم مصير العالم الإسلامي.

وإذا كان كثيرون ينظرون إلى اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916 على أنها كانت مجرد اتفاق حدودي بين الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية، فإن الحقيقة تتجاوز الجغرافيا إلى مشروع حضاري متكامل له جذوره في الصراع التاريخي بين الإسلام والغرب، وكانت الكنائس الثلاث الكبرى -الكاثوليكية، البروتستانتية، والأرثوذكسية- من أبرز أدواته الرمزية والسياسية.

ثلاث كنائس.. ثلاث قوى صليبية

ضمّ تحالف سايكس-بيكو ثلاث قوى أوروبية كبرى، لكل منها جذور دينية عميقة:

• فرنسا الكاثوليكية،

حيث يملك الفاتيكان نفوذًا روحيًا وتاريخيًا عميقًا. وقد كانت فرنسا دومًا تعتبر نفسها «حامية المسيحيين في الشرق»، وهو غطاء سياسي لتدخلها في شؤون الدولة العثمانية.

• بريطانيا البروتستانتية،

التي جمعت بين المشروع الاستعماري الليبرالي ورؤية تبشيرية محدثة، سعت إلى زعزعة وحدة المسلمين بخلق حدود قطرية تُفكّك الأمة.

• روسيا الأرثوذكسية،

التي طالما نظرت إلى إسطنبول على أنها «رومية الثانية»، وكانت تطمح تاريخيًا إلى السيطرة على مضائق البوسفور، متذرعة بحماية الأرثوذكس في البلقان والأناضول.

سايكس-بيكو: اتفاقية تفكيك لا ترسيم

لم تكن سايكس-بيكو اتفاقًا لتقاسم تركة «الرجل المريض» كما يحلو للبعض، بل كانت مشروعًا لإنهاء الإسلام كمنظومة توحيدية شاملة. فالإسلام لم يكن مجرد دين روحي، بل عقيدة تتجسد في وحدة الإيمان والسياسة والتشريع. ومن هنا، كان هدف القوى المسيحية الثلاث واضحًا: إسقاط الخلافة الإسلامية، وتفكيك وحدتها السياسية، واستبدالها بدول قومية قطرية على أسس علمانية ووظيفية، تخدم النظام الدولي الجديد الذي تقوده أوروبا.

من الخلافة إلى «الوظيفة»

جاءت الدولة الوطنية العلمانية بعد سايكس-بيكو كأداة وظيفية، لا ككيان سيادي أصيل. كانت تلك الدول بمثابة وكلاء للانتداب الغربي، بحدود مرسومة بدقة لتمنع أي إعادة تشكيل للوحدة الإسلامية.

أُقصي الإسلام عن المجال السياسي، وأُلغي دوره التشريعي، وأُعيد تعريفه كمسألة فردية لا شأن لها بالدولة أو السلطة. لقد كان ذلك استنساخًا لنسخة من الجاهلية الحديثة، تقطع عرى الإسلام باسم «الحداثة» و«التحرر»، فيما هي في جوهرها استمرار للهيمنة الغربية في ثوب سياسي جديد.

خلاصة

تحالف الكنائس الثلاث في سايكس-بيكو لم يكن محض صدفة، بل انعكاس لصراع حضاري طويل.

إسقاط الخلافة الإسلامية لم يكن مجرد نهاية لسلطة سياسية عثمانية، بل بداية لتفكيك المشروع الإسلامي ذاته،

وضرب لأسس التوحيد في أبعاده الإيمانية والسياسية والتشريعية. واليوم، في ظل انتخاب بابا جديد وتحوّلات عالمية متسارعة، يعيد التاريخ طرح السؤال القديم:

هل كان سقوط الخلافة لحظة نهاية، أم بداية جديدة للوعي الإسلامي؟

محمد فوزي التريكي

كاتب وإعلامي تونسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى