تحركات أمريكية في سماء ليبيا .. هل تجبر أمريكا فرقاء ليبيا على الاندماج عسكريًا؟
في سماء ليبيا التي اعتادت على تحركات اللاعبين الدوليين، تعود الطائرات الأمريكية للتحليق مجددًا، معلنة مرحلة جديدة من التدخل العسكري والدبلوماسي. فقد أعلنت السفارة الأمريكية لدى ليبيا عن “نشاط جوي” يهدف، وفق بيانها، إلى تعزيز التكامل العسكري بين الشرق والغرب، وهو تصريح يفتح الباب أمام تساؤلات عدة حول حقيقة هذا التحرك ومدى تأثيره على توازنات المشهد الليبي.
ورغم بساطة الإعلان، إلا أن دلالاته تتجاوز مجرد طلعات جوية، حيث يأتي في سياق متغيرات كبرى تشهدها البلاد. فمنذ سنوات، لم تفلح أي من المبادرات المحلية أو الدولية في توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، لكن يبدو أن واشنطن قررت التدخل بشكل مباشر لإعادة ترتيب الأوراق عبر خطوات عسكرية تعكس رغبتها في فرض واقع جديد على الأرض.
لم يكن هذا التحرك الجوي معزولًا، بل جاء بالتزامن مع زيارات مكثفة لمسؤولين عسكريين أمريكيين وبريطانيين إلى ليبيا، كان آخرها زيارة الفريق جو برينان، نائب قائد القيادة الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم)، الذي التقى قادة عسكريين في طرابلس وبنغازي وسرت. ولم تقتصر هذه اللقاءات على الجوانب البروتوكولية، بل حملت مقترحًا أمريكيًا لإنشاء قوة عسكرية مشتركة من ضباط يمثلون طرفي النزاع، على أن تبدأ مهامها رسميًا في مارس المقبل، مع انطلاق تدريبات مكثفة في معسكر اللواء 111 بطرابلس تشمل تقنيات متطورة للأمن وحماية الحدود والمنشآت الحيوية.
لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستتجاوب الأطراف الليبية مع هذا المشروع؟ توحيد المؤسسة العسكرية كان دائمًا هدفًا بعيد المنال، إذ شهدت البلاد اتفاقات عديدة، أبرزها اجتماعات لجنة 5+5 العسكرية، إلا أن تنفيذها ظل معلقًا بسبب التجاذبات السياسية والعسكرية. دخول واشنطن على الخط الآن، تحت شعار “تحقيق الاستقرار الإقليمي”، قد يكون محاولة لفرض أجندتها في ليبيا تحت غطاء التوافق العسكري.
ومن اللافت أن التحركات الأمريكية لم تكن منفردة، إذ سبقتها زيارة وفد عسكري بريطاني برئاسة نائب رئيس هيئة الأركان العامة للدفاع البريطاني، هارفي سميث، الذي التقى القادة العسكريين أنفسهم الذين اجتمع معهم الوفد الأمريكي. هذا التنسيق يعكس توجهًا غربيًا موحدًا تجاه ليبيا، يهدف إلى إعادة رسم موازين القوى العسكرية فيها.
في تطور آخر، أقر مجلس الأمن الدولي رفع جزء من حظر السلاح المفروض على ليبيا، ما سمح بإدخال سفن وطائرات عسكرية ليس فقط لأغراض إنسانية، بل أيضًا لدعم برامج تدريب وتأهيل القوات الليبية. وبينما يرى البعض في هذه الخطوة دعمًا لجهود بسط الأمن والاستقرار، يحذر آخرون من أنها قد تفتح الباب أمام مزيد من التدخلات الخارجية، مما يزيد من تعقيد المشهد.
وسط هذه التحركات المتسارعة، تبدو ليبيا أمام مفترق طرق جديد، حيث تتداخل المصالح الإقليمية والدولية في صراع النفوذ على الأرض. وبينما تسعى واشنطن وحلفاؤها إلى فرض واقع عسكري موحد، يبقى التساؤل الأهم: هل ستؤدي هذه الخطوات إلى تحقيق الاستقرار المنشود، أم أنها مجرد محطة أخرى في مسلسل التدخلات الخارجية التي تعيشها البلاد منذ سنوات؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف الإجابة.