فاجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إدارته والمجتمع الدولي بإعلانه رفع جميع العقوبات عن سوريا خلال زيارته للرياض، في خطوة وُصفت بأنها “تاريخية” لكنها أثارت جدلاً واسعاً. القرار، الذي جاء خلال القمة الأمريكية-الخليجية، أربك مسؤولي وزارتي الخزانة والخارجية الأمريكية، الذين أشاروا إلى أن العقوبات، المفروضة منذ عام 1979، تتطلب إجراءات قانونية وإدارية معقدة لرفعها. هذا التقرير يستعرض تفاصيل القرار، ردود الفعل، والتساؤلات حول ما إذا كان يعكس استراتيجية مدروسة أم تصريحاً متهوراً قد يتبعه تراجع، كما حدث في تصريحات سابقة لترامب.
إعلان مفاجئ يهز الإدارة الأمريكية
خلال كلمته في منتدى الاستثمار السعودي-الأمريكي بالرياض يوم 13 مايو، أعلن ترامب رفع جميع العقوبات الأمريكية عن سوريا، قائلاً: “حان الوقت لمنحهم فرصة للعظمة”. هذا القرار فاجأ مسؤولي وزارتي الخزانة والخارجية، الذين أكدوا أن البيت الأبيض لم يجرِ مشاورات مسبقة كافية معهم. ووفقاً لوكالة رويترز، كانت الإدارة قد أعدت مذكرات لدراسة رفع العقوبات، لكن لم يكن هناك إشارة واضحة إلى قرار نهائي قبل إعلان ترامب. المسؤولون أشاروا إلى أن تنفيذ القرار قد يستغرق شهوراً بسبب التعقيدات القانونية، خاصة أن بعض العقوبات تتطلب موافقة الكونغرس.
سياق القرار: ضغوط خليجية وتغيير إقليمي
جاء قرار ترامب بناءً على طلب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اللذين حثاه على رفع العقوبات لدعم الاقتصاد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024. التقى ترامب بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في الرياض يوم 14 مايو، في أول لقاء بين زعيمي البلدين منذ 25 عاماً، برعاية سعودية. وأشاد ترامب بالشرع، واصفاً إياه بـ”الرجل الجذاب والقوي”، وحثه على الانضمام إلى اتفاقات أبراهام لتطبيع العلاقات مع إسرائيل مقابل تخفيف العقوبات.
ردود الفعل الإقليمية كانت إيجابية إلى حد كبير. رحب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني بالقرار، واصفاً إياه بـ”بداية جديدة” لإعادة إعمار سوريا. كما أشادت الأمم المتحدة بالخطوة، مؤكدة أن رفع العقوبات سيسهل تقديم المساعدات الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية في سوريا، التي تحتاج إلى ما يصل إلى 400 مليار دولار لإعادة الإعمار.
مخاوف إسرائيلية وتوترات مع نتنياهو
أثار القرار قلقاً في إسرائيل، خاصة بعد تقارير عن طلب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من ترامب عدم رفع العقوبات خلال لقائهما في واشنطن الشهر الماضي. إسرائيل، التي أعلنت عن سيطرتها على مواقع في هضبة الجولان بعد انسحاب القوات السورية، ترى في التقارب الأمريكي-السوري تهديداً محتملاً لأمنها. ومع ذلك، أكد ترامب أنه أبلغ إسرائيل مسبقاً بالقرار، مشيراً إلى أن الشرع أبدى استعداده للنظر في تطبيع العلاقات مع إسرائيل. لكن التوترات بين ترامب ونتنياهو، التي تفاقمت بسبب ضغوط ترامب لتقديم تنازلات في مفاوضات الرهائن بغزة، قد تجعل إسرائيل حذرة من هذه التطورات.
هل تصريحات ترامب غير مسؤولة؟
يثير قرار ترامب تساؤلات حول مدى جديته، خاصة في ضوء سجله في إطلاق تصريحات مثيرة للجدل قد لا تُترجم إلى سياسات ملموسة. خلال ولايته الأولى، أعلن ترامب عن سحب القوات الأمريكية من سوريا في 2018، لكنه تراجع عن القرار بعد معارضة من إدارته. كما أن تعهداته بـ”صفقة القرن” للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين لم تحقق النتائج المرجوة. في حالة رفع العقوبات عن سوريا، أشار خبراء إلى أن القرار قد يواجه عقبات قانونية وسياسية، خاصة مع وجود عقوبات تتعلق بدعم الإرهاب أو أفراد محددين قد لا يتم رفعها بالكامل. تصريح ترامب بأن القرار جاء بناءً على طلب الأمير محمد بن سلمان، مصحوباً بعبارة “ما أفعله من أجل ولي العهد”، أثار مخاوف من أن القرار قد يكون مدفوعاً بدوافع شخصية أو اقتصادية أكثر من كونه استراتيجية مدروسة.
تداعيات اقتصادية وسياسية على سوريا
يُنظر إلى رفع العقوبات على أنه فرصة لإنعاش الاقتصاد السوري، الذي عانى من عقود من العزلة الدولية وحرب أهلية مدمرة. احتفلت الشوارع السورية بالإعلان، حيث خرجت حشود في دمشق تلوح بالأعلام وتطلق الألعاب النارية. وأشار خبراء إلى أن رفع العقوبات سيسمح لدول الخليج، مثل السعودية وقطر، بالاستثمار في احتياطيات النفط والمعادن السورية، مما قد يعزز إعادة الإعمار. لكن التحديات تبقى قائمة، حيث يتعين على الحكومة السورية الجديدة بقيادة الشرع إثبات التزامها بحقوق الإنسان، توحيد الأقليات، ومنع عودة تنظيمات مثل داعش أو النفوذ الإيراني.
التوقعات المستقبلية: استقرار أم تراجع؟
الفترة المقبلة ستكون حاسمة لتحديد مصير قرار ترامب. في حال نجاحه، قد يسهم في استقرار سوريا وتعزيز التحالفات الإقليمية ضد إيران، خاصة إذا انضمت سوريا إلى اتفاقات أبراهام. لكن المخاطر تبقى قائمة، حيث قد يواجه القرار معارضة في الكونغرس، خاصة من أعضاء يطالبون بضمانات أمنية من الحكومة السورية الجديدة. كما أن التوترات مع إسرائيل قد تُعقد المشهد، خاصة إذا شعرت الحكومة الإسرائيلية بأن القرار يقوض مصالحها الأمنية. وفي ضوء سجل ترامب، يبقى احتمال التراجع عن القرار قائماً إذا واجه ضغوطاً داخلية أو دولية.
استنتاج
قرار ترامب برفع العقوبات عن سوريا يمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية، مع إمكانيات لدعم إعادة إعمار سوريا وتعزيز الاستقرار الإقليمي. لكنه أثار ارتباكاً داخل إدارته وقلقاً في إسرائيل، مما يعكس التحديات المرتبطة بتنفيذه. مع سجل ترامب في إطلاق تصريحات جريئة قد لا تُترجم دائماً إلى سياسات مستدامة، يبقى السؤال: هل سيتمكن هذا القرار من إعادة تشكيل ديناميكيات الشرق الأوسط، أم سيكون مجرد حلقة أخرى في سلسلة تصريحاته المثيرة للجدل؟