يسود المشهد الليبي حالة من الترقّب الحذر بعد إعادة انتخاب محمد تكالة رئيسًا للمجلس الأعلى للدولة، وهو تطور سياسي يُنظر إليه على نطاق واسع بأنه قد يعيد خلط الأوراق ويُربك المساعي التي يقودها البرلمان الليبي منذ أكثر من عام لتشكيل حكومة بديلة لـ«حكومة الوحدة الوطنية» برئاسة عبد الحميد الدبيبة.
ويعتقد مراقبون أن اعتراف البعثة الأممية بنتائج انتخاب تكالة شكّل ضربة سياسية مؤثرة للبرلمان، لا سيما أن رهان رئيسه عقيلة صالح كان على التفاهم مع الرئيس السابق للمجلس، خالد المشري، للمضي قدمًا في تشكيل حكومة جديدة تتسلم زمام السلطة.
وفي تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، شدد عضو مجلس النواب علي الصول على أن المجلس الأعلى للدولة، بصفته استشاريًا، يقتصر دوره على تزكية المرشحين لرئاسة الحكومة، ولا يمتلك صلاحية منحها الثقة. وأضاف أن المجلس النيابي لا يزال قادرًا على التحرك منفردًا نحو تشكيل حكومة، رغم ما وصفه بتدخل حكومة الدبيبة لضمان حضور واسع في جلسة انتخاب مكتب رئاسة المجلس الأعلى، مما مهد لفوز تكالة.
ويأتي ذلك في ظل تحركات سابقة للمشري بالتنسيق مع صالح، حيث عقدا اجتماعات مع مرشحين محتملين لرئاسة الحكومة الجديدة، في خطوة اعتُبرت محاولةً للضغط على حكومة الدبيبة لإجبارها على التنحي.
لكن الرهان الأكبر، بحسب الصول، لم يعد داخليًا فحسب، بل بات مرتبطًا بمواقف العواصم الغربية الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، التي لم تحسم بعد موقفها من مصير الحكومة الحالية.
من جانبه، أبدى عضو المجلس الأعلى سعد بن شرادة قلقه من توجه البعثة الأممية نحو فرض خريطة حل جديدة دون مشاركة حقيقية من الداخل الليبي، في حين يُتوقع أن تقدم المبعوثة الأممية في إحاطتها المقبلة لمجلس الأمن الدولي منتصف أغسطس مقترحًا يستند إلى أربعة سيناريوهات درستها لجنة استشارية منذ بداية العام.
أما النائب الأول لرئيس المجلس الأعلى، حسن حبيب، فأكد أن أي مسار لتشكيل حكومة جديدة يجب أن يكون مشتركًا بين كل الأطراف الليبية، وبمباركة دولية واضحة، ونفى الاتهامات الموجهة لجناح تكالة بالتقارب مع حكومة الدبيبة، مشيرًا إلى أن التنسيق مع الحكومة يتم بحكم التمركز الجغرافي في طرابلس، وليس دفاعًا عنها.
ودعا حبيب إلى ضرورة ضمان التوافق الداخلي والدولي على أي حكومة جديدة، تفاديًا لإعادة البلاد إلى صراعات على السلطة، لا سيما في العاصمة، التي ظلت بؤرة التوتر السياسي والأمني.
أما الباحث السياسي محمد بوفلغة، فشدّد على أن أي عملية لتغيير الحكومة لن تنجح خارج مظلة البعثة الأممية، مشيرًا إلى أن كل الحكومات المعترف بها في السنوات الأخيرة، مثل حكومة الوفاق والوحدة، جاءت عبر عمليات سياسية دولية، وليس فقط من توافق محلي.
ورأى بوفلغة أن تعويل البرلمان على دعم تركي مباشر لإزاحة الدبيبة غير واقعي، مشيرًا إلى أن أنقرة لن تنحرف عن مسار تقوده الأمم المتحدة. وأضاف أن أي بديل لحكومة الدبيبة، حتى لو تم التوافق عليه، سيكون بديلاً لحكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان، وليس بديلاً معترفًا به دوليًا.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، تواصل حكومتان التنافس على السلطة منذ مارس 2022: حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس بقيادة الدبيبة، وحكومة موازية مكلفة من البرلمان، تتخذ من الشرق وبعض مدن الجنوب مقرًا لها بقيادة أسامة حماد. وتبقى المبادرة الدولية، وخصوصًا مخرجات البعثة الأممية، العامل الحاسم في تحديد مستقبل السلطة التنفيذية في البلاد.