بعد دعوته لضم كندا للولايات المتحدة الأمريكية، كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب -الثلاثاء الماضي- رغبته في جعل جزيرة غرينلاند التابعة لمملكة الدانمارك وقناة بنما التابعة لجمهورية بنما جزءا من أمريكا أيضا، ليتحول ترمب إلى شخص توسعي كما يفعل رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.
وعندما سئل عما إذا كان سيفكر في استخدام القوة العسكرية للقيام بذلك، رفض ترامب استبعاد ذلك. كما طرح فكرة استخدام “القوة الاقتصادية” لجعل كندا تنضم إلى الاتحاد الأميركي وتصبح الولاية رقم 51، وأعلن نيته تغيير اسم خليج المكسيك إلى خليج أميركا.
مكاسب اقتصادية أم أحلام توسعية؟
وأوضح ترامب أن رغبته في ضم هذه الأراضي تنبع من منطلقات اقتصادية بما توفره من موارد ضخمة مادية ومعدنية وبيئية، ومنطلقات عسكرية حيث تعد غرينلاند موطنا لمنشأة فضائية أميركية كبيرة، وقال إنها “ضرورية للجهود العسكرية لتعقب السفن الصينية والروسية المنتشرة في كل مكان” مؤكدا “أنا أتحدث عن حماية العالم الحر”.
وعندما فكر الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب في شراء غرينلاند من الدنمارك خلال إدارته الأولى، وصفت رئيس الوزراء الدنماركية الفكرة بأنها “سخيفة”، ورفضتها صراحة.
والآن، حذر حلفاء ترامب ومستشاروه المسؤولين الدنماركيين من أنه جاد، وفقًا لما قاله العديد من المسؤولين الدنماركيين لشبكة CNN، وهم يدرسون بعناية كيفية الرد دون إثارة قطيعة كبيرة مع حليف وثيق وعضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو).
وقال أحد كبار المسؤولين الدنماركيين: “النظام الداعم لهذه الفكرة مختلف تمامًا الآن” عما كان عليه في عام 2019، عندما اقترحها ترامب لأول مرة، وذكر مسؤول دنماركي كبير آخر: “يبدو هذا أكثر جدية”.
وصرح ترامب، الثلاثاء “نحن بحاجة إلى غرينلاند لأغراض الأمن القومي”، وقال في مؤتمر صحفي في منتجعه مارالاغو: “الناس لا يعرفون حقًا ما إذا كانت الدنمارك لديها أي حق قانوني في ذلك، ولكن إذا كان لديهم، فيجب عليهم التخلي عنها، لأننا بحاجة إليها للأمن القومي”.
وعندما سُئل عن تصريحات ترامب، الأربعاء، قال وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته أنتوني بلينكن إن “الفكرة التي تم التعبير عنها بشأن غرينلاند ليست جيدة على الإطلاق، ولكن ربما يكون الأمر الأكثر أهمية هو أنها لن تحدث على الإطلاق، لذلك ربما لا ينبغي لنا أن نضيع الكثير من الوقت في الحديث عنها”.
ويقول المسؤولون الدنماركيون إنهم لا يتفقون بالضرورة – فالمحادثة الصريحة حول تصريحات ترامب، بدلاً من افتراض أنه ليس جادًا، من المرجح أن تكون الطريقة الوحيدة لتجنب الأزمة، كما أخبروا شبكة CNN.
ولهذه الغاية، أشار وزير الخارجية الدنماركي لارس لوكي راسموسن، الأربعاء، إلى أن بلاده تريد مناقشة القضية بشكل أكبر مع إدارة ترامب القادمة.
وقال راسموسن للصحفيين: “نحن منفتحون على الحوار مع الأمريكيين حول كيفية تعاوننا بشكل أوثق مما نفعل لضمان تحقيق الطموحات الأمريكية”.
ولطالما عملت الولايات المتحدة بشكل وثيق مع الدنمارك في القطب الشمالي وفي غرينلاند، حيث تحتفظ الولايات المتحدة بقاعدتها العسكرية في أقصى الشمال.
وحذر ترامب يوم الثلاثاء من أن الدنمارك قد تواجه تعريفات جمركية باهظة إذا لم تتخل عن السيطرة على غرينلاند ورفض استبعاد العمل العسكري للاستيلاء عليها بالقوة.
وفي يوم الثلاثاء أيضًا، زار نجل ترامب الأكبر، دونالد ترامب جونيور، غرينلاند بصفته الشخصية – وهي الرحلة التي راقبها المسؤولون الدنماركيون عن كثب لكنها لم تتضمن أي اجتماعات حكومية رسمية.
وفي إشارة إلى مدى رغبته في المشاركة في هذه القضية، دعا ترامب إلى اجتماع عقده ترامب جونيور مع سكان نوك بغرينلاند، الأربعاء، وقال إن الولايات المتحدة والعالم “يحتاجون” إلى غرينلاند لأنها تقع في موقع استراتيجي للغاية.
وتصريحات ترامب تخلق بالفعل توترات مع شركاء وحلفاء الولايات المتحدة، وأشار رئيس وزراء غرينلاند، ميوت إيجيدي، الثلاثاء، إلى أن الإقليم لا يريد الانخراط في الجدل السياسي بين الولايات المتحدة والدنمارك.
وقال: “غرينلاند ملك لشعب غرينلاند، ومستقبلنا وكفاحنا من أجل الاستقلال هو عملنا”.
كما ردت فرنسا وألمانيا يوم الأربعاء، حيث قال المستشار الألماني أولاف شولتس: “مبدأ حرمة الحدود ينطبق على كل دولة … بغض النظر عما إذا كانت دولة صغيرة جدًا أو دولة قوية جدًا”، وقال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو: “من الواضح أنه لا شك في أن الاتحاد الأوروبي سيسمح لدول أخرى في العالم بمهاجمة حدوده السيادية”.
ومع ذلك، قال المسؤولون الأمريكيون والدنماركيون إن الاستيلاء على إدارة الأمن في غرينلاند سيكون عبئًا ثقيلًا على الولايات المتحدة ويتطلب استثمارات جديدة.
وتتولى البحرية الملكية الدنماركية حاليا مسؤولية تسيير دوريات في المياه المحيطة بغرينلاند وكسر الجليد حول سواحلها، وهي المسؤولية التي من المرجح أن تتحملها الولايات المتحدة بأسطولها القديم من كاسرات الجليد، كما تساعد الدنمارك في مراقبة مناطق شاسعة من غرينلاند من خلال دوريات الزلاجات التي تجرها الكلاب.
وقال المسؤول الدفاعي الأمريكي إن تصريحات ترامب على أقل تقدير أضافت إلحاحاً إلى مناقشة مهمة بالفعل حول قيمة القطب الشمالي لمصالح الأمن القومي للولايات المتحدة، وأضاف: “تثبت أن هذا المكان، غرينلاند، له قيمة جيوستراتيجية هائلة للعالم”.
أهداف سياسية
وبعدما دخل التاريخ الأميركي من أوسع أبوابه بفوزه بالرئاسة فترتين غير متتاليتين، رغم إدانته جنائيا في عدة جرائم، يهتم ترامب خلال فترة رئاسته الثانية بدعم إرثه السياسي. ويتوقع الأكاديمي كوغر أن تعمل إدارة ترامب على أهداف سياسية محددة تجاه هذه الدول منها:
المزيد من القواعد للجيش الأميركي في غرينلاند.
استبعاد النفوذ الصيني في بنما.
تغيير العلاقات التجارية مع كندا.
وبرأيه، لا يمكن لترامب إجبار هذه الدول على الانضمام إلى الولايات المتحدة أو استعادة السيطرة على قناة بنما.
يُذكر أن تصريحات ترامب جاءت في الوقت الذي زار فيه ابنه، دونالد ترامب الابن، غرينلاند. وقبل وصوله على متن طائرة خاصة إلى العاصمة نوك، قال إنه “ذاهب في رحلة شخصية ليوم واحد للتحدث إلى المواطنين” وإنه “لم يخطط لأي اجتماعات مع المسؤولين الحكوميين”.
وعندما سُئلت رئيسة الوزراء الدانماركية ميتي فريدريكسن عن زيارة ترامب الابن، قالت للتلفزيون الدانماركي إن “غرينلاند ليست للبيع وهي تنتمي إلى سكانها المحليين الذين يمكنهم فقط تحديد مستقبلها” إلا أنها شددت على أن بلادها بحاجة إلى تعاون وثيق مع الولايات المتحدة حليفة الناتو.