شهدت مدينة نيويورك تحولًا سياسيًا بارزًا في يونيو 2025، حيث فاز زوهران ممداني، السياسي التقدمي المسلم من أصول أوغندية-هندية، بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة المدينة، متغلبًا على منافسين بارزين مثل الحاكم السابق أندرو كومو. لكن هذا الفوز التاريخي، الذي قد يجعل ممداني أول عمدة مسلم لنيويورك إذا نجح في الانتخابات العامة في نوفمبر 2025، أثار موجة من الهجمات الإسلاموفوبية والعنصرية، مما يكشف عن انقسامات عميقة في المشهد السياسي الأمريكي.
زوهران ممداني، البالغ من العمر 33 عامًا، وُلد في كمبالا، أوغندا، لأبوين من أصول هندية. والده، محمود ممداني، أكاديمي بارز متخصص في دراسات ما بعد الاستعمار، ووالدته، ميرا ناير، مخرجة أفلام معروفة. هاجر ممداني إلى الولايات المتحدة في سن السابعة ونشأ في نيويورك. قبل دخوله السياسة، عمل كمنظم مجتمعي وسائق سيارة أجرة، وهو عضو في الجمعية التشريعية لولاية نيويورك منذ عام 2021، حيث دافع عن قضايا مثل حقوق المهاجرين، العدالة الاجتماعية، وتجميد الإيجارات. يُعرف ممداني بمواقفه التقدمية، بما في ذلك دعمه لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل (BDS)، وانتقاده للسياسات الإسرائيلية في غزة، مما أثار جدلًا واسعًا.
تصاعد الهجمات الإسلاموفوبية
بعد إعلان فوزه في الانتخابات التمهيدية في 25 يونيو 2025، واجه ممداني موجة من الهجمات العنصرية والإسلاموفوبية، شملت تهديدات بالقتل وخطاب كراهية على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة منصة X. وفقًا لتقرير صادر عن “كير أكشن”، الذراع المدافع عن الحقوق في مجلس العلاقات الأمريكية-الإسلامية (CAIR)، تم رصد 127 بلاغًا عن منشورات تحتوي على كراهية وعنف موجهة ضد ممداني أو حملته في اليوم التالي لإغلاق صناديق الاقتراع، بزيادة خمسة أضعاف عن المعدل اليومي السابق. وبلغ عدد المنشورات المعادية للإسلام على X حوالي 6200 منشور في يوم الإعلان عن الفوز، مما يعكس تصاعدًا خطيرًا في خطاب الكراهية.
من بين أبرز المهاجمين، الناشطة اليمينية المتطرفة لورا لومر، التي وصفت ممداني بأنه “مسلم شيعي وجهادي” وحذرت من هجوم مشابه لهجمات 11 سبتمبر إذا تولى منصب العمدة. كما هاجمه الرئيس السابق دونالد ترامب عبر منصته “تروث سوشيال”، واصفًا إياه بـ”الشيوعي المجنون” وساخرًا من مظهره وصوته. النائب الجمهوري آندي أوجلز دعا إلى تجريد ممداني من جنسيته الأمريكية وترحيله، رغم أن ممداني مواطن أمريكي. هذه التصريحات أثارت انتقادات واسعة، لكنها كشفت عن تسامح متزايد مع الخطاب العنصري في السياسة الأمريكية.
ردود الفعل
أدان نواب مسلمون في الكونغرس، مثل إلهان عمر، رشيدة طليب، أندريه كارسون، ولطيفة سيمون، هذه الحملة العنصرية، وأعلنوا تضامنهم مع ممداني. كما دافع عنه جيمس زغبي، المؤسس المشارك للمعهد العربي الأمريكي، مشيرًا إلى أن الإسلاموفوبيا أصبحت “ظاهرة أشد وقاحة” دون تداعيات حقيقية. وأشار تقرير لصحيفة “الغارديان” إلى أن غياب إدانة قوية من قادة الحزب الديمقراطي البارزين، مثل تشاك شومر وهاكيم جيفريز، يعكس تسامحًا ضمنيًا مع هذا الخطاب العنصري، مما يعزز تطبيعه.
على الجانب الآخر، أظهر ممداني مرونة سياسية، حيث أكد في خطاباته التزامه بحماية جميع المجتمعات في نيويورك، بما في ذلك الجالية اليهودية، مع التمسك بمواقفه الداعمة للعدالة الاجتماعية وحقوق الفلسطينيين. كما حظي بدعم قوي من شخصيات تقدمية مثل بيرني ساندرز وألكسندرا أوكاسيو-كورتيز، إضافة إلى تحالف واسع من الناخبين الشباب والمجتمعات المهاجرة.
تُعد هذه الهجمات جزءًا من نمط متكرر من الإسلاموفوبيا في السياسة الأمريكية، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. يشير خبراء مثل مانجوشا كولكارني، من منظمة “أوقفوا كراهية الأمريكيين من أصل آسيوي”، إلى أن حملات مشابهة استهدفت سابقًا سياسيين مسلمين مثل كامالا هاريس، إلهان عمر، ورشيدة طليب. ووفقًا لتقرير “كير”، وصلت حوادث الكراهية ضد المسلمين في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوياتها في 2024، مما يعكس مناخًا سياسيًا متزايد الاستقطاب.
يُعزى هذا التصعيد جزئيًا إلى مواقف ممداني المناهضة للسياسات الإسرائيلية، التي أثارت استياء اللوبي المؤيد لإسرائيل. وفقًا لصحيفة “هآرتس”، تُعتبر اتهامات معاداة السامية الموجهة إليه لا أساس لها، لكنها تُستخدم كأداة سياسية لتشويه سمعته. في الوقت نفسه، يرى محللون مثل راسيل كونتريراس من “أكسيوس” أن هذه الهجمات قد تأتي بنتائج عكسية، حيث تحفز تحالف ممداني الذي يضم يهودًا تقدميين، ليبراليين، ومجتمعات الطبقة العاملة.
مع اقتراب الانتخابات العامة في نوفمبر 2025، يواجه ممداني تحديات كبيرة، ليس فقط في مواجهة خصومه الجمهوريين، بل أيضًا في التعامل مع التهديدات الأمنية. الشرطة في نيويورك تحقق حاليًا في تهديدات بالقتل موجهة ضده، بما في ذلك تهديدات مرتبطة بأجهزة النداء المتفجرة، مما يعكس خطورة الوضع. كما يُطالب نشطاء بحماية أفضل للمرشحين من الأقليات الذين يواجهون مثل هذه الهجمات.
فوز زوهران ممداني في الانتخابات التمهيدية يمثل لحظة تاريخية، لكنه كشف أيضًا عن الوجه القبيح للإسلاموفوبيا في السياسة الأمريكية. رغم دعمه الواسع من المجتمعات المتنوعة والشخصيات التقدمية، فإن الحملات العنصرية ضده تُظهر الحاجة إلى إدانة قوية عابرة للأحزاب لخطاب الكراهية.
يبقى السؤال: هل سينجح ممداني في تحويل هذا التحدي إلى فرصة لتعزيز الوحدة والعدالة في نيويورك؟ الإجابة ستتضح في الأشهر المقبلة.