تصاعد الاحتجاجات في إيران: المقاومة الشعبية تتوسع وتضع البلاد علي أعتاب انتفاضة جديدة
أفادت تقارير تم تداولها علي مواقع التواصل الاجتماعي بأن سكان قرية أميرآباد التابعة لمدينة إسلامآباد في محافظة كرمانشاه قاوموا محاولات قوات الأمن لقمعهم، ما أجبر هذه القوات على الفرار. جاء ذلك بعد أن حاول مجتبي بخشي، عضو برلمان الن/ام، الاستيلاء على أراضي هذه القرية بحجة تنفيذ مشروع سكني، إلا أن مقاومة السكان حالت دون تحقيق هذا المخطط حتى الآن.
وفي حادثة أخرى، تواصلت الاحتجاجات في منطقة بلوان آباد التابعة لمدينة دهکلان لليوم الثالث على التوالي، حيث قام السكان بتجمع احتجاجي على تردي حالة الطرق في المنطقة، ما أدى إلى إغلاق الطريق.
وتطورت الأحداث يوم الأحد مع اقتحام قوات الأمن الخاصة للمكان، مما أشعل مواجهات استمرت حتى وقت متأخر من الليل. ووفقًا للتقارير، اشتعلت النيران في شاحنتين تابعتين لمناجم حكومية وسيارة تابعة لقوات الأمن خلال هذه المواجهات، فيما طالب السكان بالإفراج الفوري عن المعتقلين.
وتشهد إيران في هذه الأيام سلسلة من الاحتجاجات المتزايدة التي تشمل مختلف القطاعات الاجتماعية والمهنية. من الممرضين إلى المتقاعدين، ومن المزارعين في أصفهان إلى عمال “پارس واغن”، تمتد رقعة هذه الاحتجاجات لتشمل كافة أنحاء البلاد.
وأصبحت الاحتجاجات الأخيرة في إيران تعكس حالة من السخط الشعبي المتزايد، حيث لم يعد المواطنون على استعداد للبقاء صامتين أمام قمع القوات الأمنية. لقد أدرك الشعب أن السبيل الوحيد لمواجهة هذه القوات القمعية هو المقاومة المستمرة وعدم الاستسلام لضغوط النظام. هذه المقاومة الشجاعة التي يبديها الناس من مختلف المناطق والطبقات تشير إلى تحول نوعي في طبيعة الاحتجاجات.
نظرًا لأن المسؤولين في النظام يطلقون تحذيرات يومية بشأن هذه الاحتجاجات المتصاعدة، يبدو أن البلاد قد تكون على أعتاب انتفاضة كبرى مشابهة لتلك التي وقعت في عام 2022. إن الأوضاع الحالية تنذر بأن إيران قد تكون مقبلة على أحداث كبيرة، حيث يتزايد الغضب الشعبي وتتراكم الأسباب الدافعة للتحرك الجماهيري ضد سياسات النظام القمعية.
من ناحية هاجمت قوات الأمن خلال بداية الأسبوع تجمعًا احتجاجيًا لعمال مصنع “واکن پارس” في أراك، مما أدى إلى اشتباكات عنيفة أسفرت عن إصابة عدد من العمال بجروح ونقلهم إلى المستشفى، بالإضافة إلى اعتقال عدد آخر.
وجاء هذا الهجوم بينما كان العمال يحتفلون باليوم السادس والثلاثين من إضرابهم الذي بدأ يوم السبت ۳ أغسطس ۲۰۲۴. وقد تم الإضراب احتجاجًا على تدني الأجور والمزايا، والسياسات التمييزية التي يتبعها مديرو الشركة، والمطالبة بتحسين الأمن الوظيفي من خلال تمديد العقود إلى سنة واحدة على الأقل.
يذكر أن شركة “واکن پارس”، التابعة لمجموعة “مپنا” (شركة إدارة مشاريع الطاقة الإيرانية)، مملوكة بشكل رئيسي لوزارة الطاقة ومؤسسة “آستان قدس رضوي”. ويعمل في الشركة حوالي ۱۱۷۰ عاملًا.
وبدأت حالة الاستياء بين العمال في ۳ أغسطس ۲۰۲۴ عندما بدؤوا في إضراب واحتجاج. وأوضح العمال أن تدني الأجور، والسياسات التمييزية التي يتبعها مديرو الشركة، وعدم وجود أمان وظيفي هي الأسباب الرئيسية وراء تحركهم. وطالب العمال بتوحيد العقود وجعلها سنوية على الأقل لضمان الأمان الوظيفي.
وفي ۵ أغسطس ۲۰۲۴، قامت إدارة الشركة بمنع دخول عدد من العمال إلى المصنع، مما أدى إلى تفاقم الوضع وتصعيد الاحتجاجات. وقد توسعت مطالب العمال لتشمل إنهاء عمل المقاولين، وتوحيد الأجور والمزايا مع باقي المصانع المجاورة والشركات التابعة لمجموعة “مپنا”، وإعادة زملائهم المفصولين إلى العمل.
وبحسب تقرير إعلامية وقع العمال المحتجون على عريضة موجهة إلى سلطات محافظة “مركزي”، متعهدين بمواصلة احتجاجاتهم حتى تحقيق مطالبهم.
وفي هذه العريضة عبّر العمال عن استيائهم من إدارة “واکن پارس”، حيث قالوا: “معاملة الإدارة للعمال غير عادلة؛ نحن نطالب بتغيير في قيادة الشركة. للأسف، لم تُسمع أصواتنا، ولا تزال مطالبنا غير محققة”. ويعتقد العمال أنهم لا يحصلون على نصيب عادل من أرباح الشركة وقيمتها المضافة. وهم يدعون إلى إقالة المدراء المتوسطين في “واکن پارس”.
وأشار عامل آخر إلى التمييز الصارخ بين المدراء والعمال، قائلًا: “على سبيل المثال، قدّمت شركة “كرمان موتور” ۸۰ قسيمة سيارة إلى المصنع، ووعدت بتسليم السيارات خلال ثلاثة أشهر. لكن تم تخصيص ۷۰ من هذه القسائم للمدراء، في حين تم إجراء قرعة بين ألف عامل للحصول على العشرة قسائم المتبقية”.
وقد عمت الشكوي من ممارسات “أحد مديري المصنع تسبب في ضغوط كبيرة على العمال. منذ توليه المنصب قبل عام، تدهورت الأوضاع، مما أدى إلى تصاعد الاحتجاجات العمالية”. وأضاف أن راتب المدير الرسمي هو ۵۰ مليون تومان، لكن مع المزايا والتسهيلات الأخرى، يصل دخله إلى حوالي ۱۰۰ مليون تومان.
عامل آخر من “واکن پارس” أعرب عن إحباطه من الوضع، قائلًا: “الوضع سيء جدًا. نأتي إلى المصنع كل يوم على أمل أن تتحسن الأمور، لكن لا أحد يعمل”.
يأتي هذا في الوقت الذي يعاني العمال من صعوبة في تلبية احتياجاتهم مع الأجور الحالية. وقال أحدهم: “المطالب الرئيسية للعمال هي زيادة الأجور والأمان الوظيفي. ويحصل العامل في “واکن پارس” على راتب يتراوح بين ۲۵ إلى ۳۰ مليون تومان مع العمل الإضافي، والعامل العادي يحصل على ۱۸ إلى ۲۰ مليون تومان. بالنظر إلى الظروف الاقتصادية، يتم إنفاق كل هذا الدخل على سداد القروض وإيجار المنزل. أما المتبقي من العمل الإضافي فيُستخدم لتغطية تكاليف المعيشة الأساسية، ولكن غالبًا ما يغلق المصنع عند الساعة الواحدة ظهرًا، مما يحرمنا من فرص العمل الإضافي”.
ودفع الإحباط العمالي بعضهم إلى التوجه إلى آية الله درّي نجف آبادي، إمام جمعة أراك، طالبين تدخله. ولكن كان رده قاسيًا، حيث قال لهم: “لقد ارتكبتم خطأً بالاحتجاج. هذا المكان ليس بدون قواعد؛ عودوا إلى عملكم”. وعندما اشتكى العمال من تدني أجورهم، قال لهم: “أنتم تتلقون راتبًا جيدًا جدًا! أنا أدير حياتي بمليون تومان شهريًا”.
ومع وصول الإضراب إلى نقطة حرجة، تدخل نائب محافظ محافظة “مركزي” محذرًا، “يجب أن يعلم العمال أن الاحتجاجات في الشوارع لن تؤدي إلى نتيجة. لقد قلت مرارًا أن على العمال تقديم قائمة مطالب، وسيتم عقد اجتماع بحضور ممثلي العمال وإدارة العمل. إذا تم إثبات أي ظلم في دفع الأجور، فسأتولى شخصيًا معالجة الأمر كرئيس لجنة العمال”.
وعلى الرغم من هذه التطمينات، تفاقمت الأزمة مع القمع العنيف الذي وقع في 1 سبتمبر ۲۰۲۴. وأسفر هذا القمع عن إصابة العديد من العمال ونقلهم إلى المستشفى، بالإضافة إلى اعتقال آخرين. لا يزال العمال متمسكين بموقفهم، مؤكدين أنهم سيواصلون احتجاجاتهم حتى تحقيق مطالبهم، مشددين على أن الاحتجاج والإضراب هما حقوق قانونية لجميع العمال. السبيل الوحيد لتحقيق أهدافهم هو الصمود والثبات في مواجهة النظام القمعي.