سوريا تشهد فصلًا جديدًا من فصول الصراع بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر 2024 وتولي أحمد الشرع قيادة المرحلة الانتقالية، في ظل تحديات جسيمة أبرزها الصراعات الطائفية والتدخلات الخارجية التي تهدد وحدة البلاد.
في يوليو 2025 اشتعلت أزمة السويداء باندلاع انتفاضة عشائرية كبرى ضد الفصائل الدرزية المدعومة إسرائيليًا، تحولت إلى معركة مصيرية كشفت عن قدرة الشرع على إدارة الأزمة ببراعة سياسية وعسكرية وحقق انتصارًا استراتيجيًا على بنيامين نتنياهو في واحدة من أخطر الملفات السورية.
انهيار الأمن وتصاعد الصراع
ووفقا للباحث المصرى على عبد الرازق، فقد خلّف سقوط نظام الأسد فراغًا أمنيًا في السويداء أدى إلى تصاعد الصراعات الطائفية وانفجار مواجهات دامية أسفرت عن مقتل وإصابة أكثر من 1000 شخص ونزوح جماعي لعشائر البدو وسط.، وتقارير عن نهب وحرق منازل ومتاجر وكنائس بما في ذلك كنيسة مار ميخائيل في قرية الصورة.
الأزمة الإنسانية بلغت ذروتها بنقص حاد في المياه والغذاء وحليب الأطفال، وانقطاع تام للإنترنت والكهرباء، فيما بات آلاف النساء والأطفال والشيوخ من البدو يعيشون في العراء تحت وطأة المعاناة.
التدخل الإسرائيلي والنفير العشائري
إسرائيل التي تراقب المنطقة بقلق بسبب قربها من الجولان المحتل هددت ونفذت ضربات جوية لمنع انتشار القوات الحكومية في السويداء، واعتبرت ذلك تهديدًا لأمنها، فيما أعلنت القبائل العربية في سوريا النفير العام لدعم عشائر البدو بدعم من قبائل لبنانية وأردنية.
50 ألف مقاتل
تحرك أكثر من 50 ألف مقاتل من شرق سوريا وحلب وريفها نحو المحافظة مستغلين انسحاب القوات الحكومية الذي تم بوساطة أمريكية تركية خليجية، لتجنب تصعيد مع الكيان، فيما اتهمت العشائر الفصائل الدرزية بارتكاب انتهاكات شملت احتجاز عوائل بدوية وإعدامات ميدانية وتدمير ممتلكات.
تقدم العشائر وانهيار الصفوف الدرزية
حتى 18 يوليو 2025 سيطرت العشائر على أجزاء واسعة من السويداء، بما في ذلك مركز المدينة وسط انهيار كبير في صفوف الفصائل الدرزية الموالية للشيخ حكمت الهجري، وتمكنت من تحرير عدد من البدو المحتجزين بينهم نساء وأطفال، مما رفع الروح المعنوية والعشائرية للانتفاضة.
رفض قائد المجلس العسكري الدرزي في البداية اتفاق وقف إطلاق النار الذي أيده شيخ العقل يوسف جربوع، ودعا لاستمرار القتال ضد العشائر، فيما اعتبر الهجري أن دخول قوات الحكومة أو العشائر يهدد السيطرة الدرزية على السويداء.
استراتيجية الشرع.. براغماتية وانتصار
أظهر أحمد الشرع براعة في إدارة الأزمة عبر سحب القوات الحكومية مؤقتًا لتجنب مواجهة مع إسرائيل، مع الاحتفاظ بقوات محدودة وخطة بديلة منظمة، واستغل تحالفاته مع عشائر البدو التي تحولت لقوة ضغط مسلحة ومدربة لفرض سلطة دمشق.
واستفاد الشرع من الوساطات الدولية لضمان عودة قواته دون مواجهة إسرائيلية، فيما عزز خطابه حول وحدة سوريا وحماية الأقليات شرعيته كقائد وطني قادر على توحيد البلاد في مرحلة انتقالية حساسة.
المواجهة مع نتنياهو.. انتصار سوري
اضطر نتنياهو للتراجع بعد أن أدرك أن الفوضى في السويداء تهدد أمن الجولان أكثر من وجود القوات السورية، ووافق على عودتها في ضربة لاستراتيجيته الرامية لفرض إدارة ذاتية درزية فيما مثلت انتفاضة العشائر جيشًا موازيًا أعاد رسم معادلات القوى في المنطقة.
المعركة مستمرة
تواصل العشائر تقدمها في السويداء وسط معارك ضارية، بينما يحافظ الشرع على خياراته مفتوحة بين تعزيز القدرات العسكرية وتجنب التصعيد مع إسرائيل في معادلة صعبة تثبت أن سوريا لم تنته حروبها بعد.
ويشير الباحث عبد الرازق، إلى أنه في النهاية تظل الخيارات محدودة، فلا الشرع يستطيع التنازل عن تطبيق الشرع، ولا أبو محمد الجولاني يستطيع التنازل عن تحرير الجولان، وما على السوريين إلا المواجهة التي فيها شرف عظيم.