يأتي كتاب “تفتيت الشرق الأوسط” ليضع القارئ العربي أمام واحدة من أخطر الحقائق التاريخية: أن ما تشهده المنطقة من صراعات وحروب ونزاعات داخلية ليس مجرد أحداث متفرقة، بل هو جزء من إستراتيجية مدروسة ومخطط طويل الأمد صاغه الغرب – بريطانيا ثم أمريكا لاحقاً – لزرع الفوضى وضمان التفوق الاستعماري. المؤلف، وهو أستاذ بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط، يستند إلى وثائق وأرشيفات ومراجع غربية ليكشف كيف أن ما يسمى بـ”الشرق الأوسط الجديد” ليس سوى مشروع لإعادة رسم الخرائط وفق مصالح القوى الكبرى.
مضمون الكتاب وفصوله
الكتاب لا يكتفي بالسرد التاريخي، بل يمزج بين التحليل السياسي والتأريخ الدقيق. ويمكن تقسيم محتواه إلى محاور كبرى:
1- الجذور التاريخية للمخطط الغربي
يتناول دور بريطانيا في تقسيم المشرق العربي منذ الحرب العالمية الأولى.
اتفاقية سايكس–بيكو وما تلاها من “وعد بلفور” الذي مهد لزرع الكيان الصهيوني.
2- الولايات المتحدة وريث الإمبراطورية البريطانية
كيف انتقلت القيادة الاستعمارية من لندن إلى واشنطن بعد الحرب العالمية الثانية.
الدعم الأمريكي غير المحدود لإسرائيل باعتبارها “الوكيل المحلي” للغرب.
3- حروب القرن العشرين والواحد والعشرين
العدوان الثلاثي على مصر 1956.
الحرب الأهلية اللبنانية.
غزو العراق 2003 وما تلاه من فوضى ممنهجة.
استنزاف سوريا واليمن وليبيا تحت غطاء “الربيع العربي”.
4- النفط والهيمنة الاقتصادية
يوضح الكاتب أن النفط لم يكن مجرد ثروة طبيعية، بل محورًا للسياسة الغربية في المنطقة.
السيطرة على طرق الإمداد والمضائق البحرية (قناة السويس، مضيق هرمز).
5- إستراتيجية التفتيت: من الطائفية إلى الحدود المصطنعة
كيف استُخدمت الورقة الطائفية والمذهبية لتفجير المجتمعات العربية من الداخل.
دور القوى الغربية في إذكاء النزاعات القبلية والعرقية والدينية.
أهمية الكتاب
يقدم رؤية موثقة من داخل العقل الغربي نفسه، إذ أن الكاتب بريطاني الأصل، لكنه يعرّي السياسات التي انتهجتها دولته والغرب عموماً تجاه العرب.
يضع القارئ أمام الحقيقة المُرة: أن ما يحدث في العراق أو فلسطين أو لبنان أو سوريا ليس وليد اللحظة، بل استمرار لخطة استعمارية ممتدة.
يثير الكتاب تساؤلاً جوهرياً: هل قدر المنطقة أن تبقى رهينة لمصالح القوى الكبرى، أم أن وعي الشعوب قادر على كسر هذه الحلقة؟
اقتباسات مهمة من الكتاب
“الغرب لم يغادر الشرق الأوسط قط، هو فقط غيّر أدواته.”
“إسرائيل ليست مجرد دولة، إنها رأس الحربة التي أرادها الغرب لتبقى المنطقة في حالة صراع دائم.”
“كلما لاح أفق الاستقلال الحقيقي، أطلقت القوى الكبرى يدها في إشعال نزاعات جديدة.”
عن المؤلف
جيرمي سولت أستاذ جامعي بريطاني متخصص في دراسات الشرق الأوسط والعلاقات الدولية، درّس في جامعات تركيا وأستراليا، وله إسهامات بحثية بارزة في تحليل السياسات الغربية تجاه العالم العربي. يمتاز أسلوبه بالتحليل الوثائقي وربط الماضي بالحاضر.
الكتب العربية المشابهة
لتعزيز النقاش حول مضمون الكتاب، يمكن مقارنته بعدد من المؤلفات العربية:
“الاستعمار وأشكال الهيمنة الجديدة” لعبد الله العروي.
“النظام العالمي الجديد والشرق الأوسط” لمحمد حسنين هيكل.
“أحجار على رقعة الشطرنج” لويليام غاي كار (المترجم للعربية).
“الصهيونية العالمية” لعبد الوهاب المسيري.
كل هذه الكتب تتقاطع مع مضمون “تفتيت الشرق الأوسط”، وإن كان كتاب سولت يتميز بأنه صادر من داخل الدوائر البحثية الغربية، مما يمنحه وزناً مضاعفاً.
تفتيت الشرق الأوسط
كتاب “تفتيت الشرق الأوسط” ليس مجرد دراسة أكاديمية، بل هو جرس إنذار يعيد تذكيرنا بأن الخرائط التي نعيش داخلها اليوم رُسمت بمداد أجنبي، وأن الدماء التي سالت وتسفك ما تزال هي الثمن الذي تدفعه شعوب المنطقة لقاء مطامع الآخرين. إنه عمل جدير بالقراءة في زمن تتجدد فيه الفوضى وكأنها قدر محتوم، لكنه في الحقيقة مخطط مكتوب منذ قرن وأكثر.