تقارير

تفتيت الصومال .. حلم إثيوبي قديم وتجاهل عربي مستمر

منذ سقوط نظام محمد سياد بري  عام 1991لم تعرف جمهورية الصومال الاتحادية استقرارا وتعرضت وحدتها وسلامة أراضيها لاختبارات شديدة القسوة بدأت مع اشتعال الحرب الأهلية ،بين طرفي الصراع حينذاك علي مهدي محمد والجنرال محمد فارح عيديد ،وهي الصراعات التي فتت اراضي البلاد وسمحت بإعلان جمهورية ارض الصومال استقلالها وإعلان بلاد بونت تمتعها بالحكم الذاتي خارج سلطة مقديشيو.

ومن الاختبارات الصعبة التي واجهت الصومال اخيرا رغم تعدد حكوماته ،مذكرة التفاهم التي ابرمتها جمهورية أرض الصومال التي أعلنت استقلالها –دون أي أعتراف دولي – والتي تسمح لإثيوبيا باستئجار 21ميلا يسمح لها بالحصول علي بالوصول إلي موطئ قدم علي البحر الأحمر،

وقد قوبلت هذه الخطورة برفض كم جميع الأطراف المعنية  الصومال وجيبوتي وإريتريا ومصر، لأسباب مختلفة منها مساسها بسيادة الصومال، وكذلك تأثيرها السلبي سياسيا واستراتيجيا علي كل من جيبوتي وإريتريا المتجاورتين .

ميناء بربرة الصومالي

ورغم السجال الشديد بين مقديشيو وأديس أبابا حول مذكرة التفاهم بين إثيوبيا وارض الصومال حول الوصول لميناء بربرة  ،إلا أن مياها كثيرة جرت في نهر الأحداث بين البلدين ،بدأت مع توقيع اتفاق معاهدة الدفاع العربي المشترك مع مصر بشكل يسمح للقاهرة بإرسال قوات تزيد علي 10آلاف جندي ،للمشاركة في قوات حفظ السلام الدولي في الصومال طبقا لقرار مجلس الأمن

وتسمح هذه الاتفاقية التي أبرمت بين القاهرة مقديشيو بتسليح الجيش الصومالي  ،وتعزيز قدراته وتدريب قواته وهو الخطوة التي اعتبرتها اديس ابابا مساسا بالاستقرار الهش في الصومال ،كونها تضع موطئ قدم للقاهرة بالقرن الإفريقي في وقت ترفض القاهرة بحزم إيجاد منفذ بحري لإثيوبيا علي البحر الأحمر عبر اتفاقيات تبرم مع كيان انفصالي غير معترف به دوليا .

وعلي اثر اقدام إثيوبيا علي عديد من الخطوات التصعيدية التي اتخذتها لعرقلة التوجه المصري منها السيطرة علي مطارات في الجنوب للوقوف حائلا دون نشر القوات المصرية وهبوط الطائرات ، وتسريع خطوات تنفيذ مذكرة التفاهم مع ارض الصومال، جري سجال واسع بين مصر وإثيوبيا اسهم في تأجيج التوتر في المنطقة المتوترة اصلا

وفي هذا السياق دخلت تركيا علي خط الأزمة عبر الوساطة التي قادها الرئيس رجب طيب اردوغان عبر لقاء ثلاثي جمع الرئيس الصومالي حسين شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في العاصمة التركية انقرة استكمالا لجهود قام بها وزير الخارجية التركي هاكان فيدان بين عاصمتي البلدين

وقد  اتفق خلاله الطرفان  علي اثر الوساطة التركية علي العمل علي تطبيع العلاقات بشكل يحفظ وسيادة اراضي جمهورية الصومال ،وتجميد العمل بمذكرة التفاهم بين اديس ابابا وهرجيسا ،مع التزام مقديشيو بتأمين مسار بحري يوصل إثيوبيا الي البحر الأحمرعبر حوار ولجان فنية ،لتحقيق هذا الاتفاق دون المساس بسيادة واستقلال جمهورية الصومال الفيدرالية  .

ويمكن القول إن هذا التقارب بين الصومال وإثيوبيا  يشكل بداية لمرحلة من التنسيق المحدود مع إمكانية تطوره إلى تعاون أكثر فعالية على المدى الطويل اذ حسنت النوايا وتراجعت اثيوبيا عن مساعيها لتكريس الفوضي والانقسام في جارتها اللدولة

فالوساطة التركية والتي  اثمرت عن زيارة متبادلة لأديس ابابا من حسن شيخ محمود رد عليها إبي أحمد بزيارة مقديشيو وتشديد الحديث عن وحدة اراضي الصومال وسلامة ترابه الوطني رغم أهمينها لا تكفي لتحقيق الاستقرار وخصوصا أن هناك عراقيل داخلية وخارجية قد تحول دون تفعيلها

الا أن  الزيارة الأخيرة لآبي أحمد ورغم كونها خطوة أولى نحو تجاوز التوترات السابقة، ،لكنها ستظل محكومة بتحديات عاصفة مثل مسألة الوصول البحري لإثيوبيا عبر أرض الصومال، وهي نقطة خلاف حساسة قد تعرقل أي تقدم ملموس.

ولكن استمرار الخلافات لا ينفي أهمية  الوساطة التركية  التي تعد عاملًا مساعدًا في تهدئة الأوضاع، ومع هذا فإن  تحقيق نفراجة يبقي مرهونا  بقدرة الطرفين على تسوية القضايا الخلافية وتحقيق مصالح مشتركة بعيدة المدى.

فإذا تمكنت الأطراف المعنية من تجاوز هذه العقبات، فقد يتطور هذا التنسيق إلى تعاون فعّال يحقق الاستقرار بمنطقة القرن الإفريقي

خطوات التقارب هذه  بين إثيوبيا والصومال لا تنفي وجود عراقيل   حيث لم تجدهذه الخطوات  اذانا سواء في مقديشيو ،حيث اعتبرتها قطاعات واسعة من الصوماليين تنازلا لأديس ابابا بشكل لا يحفظ وحدة البلاد ،لاسيما ان جميع الممارسات الإثيوبية لا تخدم سلامة التراب الصومال انطلاقا من ان تفتيت البلاد وتقسيمها الي دويلات يعد حلما قديما لاثيوبيا

وقد تكرر نفس الموقف في دول الجوار التي ترفض وصول إثيوبيا الي البحر الاحمر ،خصوصا جيبوتي التي تعد المنفذ الرئيس لإثيوبيا علي البحر الاحمر وهذا الاتفاق  يسهم في تراجع وزنها الاستراتيجي ،وهو ما تتبناه اريتريا باعتباره يعزلها سياسيا واقتصاديا عن محيطها الإقليمي.

.ولا ينبغي هنا تجاهل أن التقارب النسبي بين اديس ابابا ومقديشيو لايسهم  يكرس تحقيق وحدة الصومال ،ولا يضعف من النزعات الانفصالية في صومالي لاند ،فهو لم يمس تصرفات ارض الصومال التي اصبح لها علم ونشيد وتبرم اتفاقات مع دول العالم دون العودة لمقديشيو ودون أن يؤمن ذلك الاعتراف الدولي بانفصالهامن قبل دول العالم .

ومن ثم فإن استمرار وجود كيانين في الصومال هما جمهورية الصومال الفيدرالية وجمهورية ارض الصومال غير المعترف بها ناهيك عن بونت التي ترغب في الاستمرار في دولة اتحادية عبر وجود دستور جديد يحفظ حقوق الجميع مرتبط بعدد من التطورات

وتتلخص هذه التطورات في  ضعف الحكومة المركزية في مقديشيو وعجزها عن مد سلطاتها خارج الجنوب الصومالي واستمرار التجاهل العربي لأزمات الصومال، وعدم تبني موقف قوي للحفاظ علي وحدة البلاد يقطع الطريق علي انفصال صومالي لا ند، ،مما يؤكد ان استمرار الأوضاع الحالية  ووجود كيانين في هو السيناريو الأقوى والمرشح للاستمرار لفترة ليست بالقصيرة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى