كشفت وسائل إعلام فرنسية ،الإثنين،عن تقرير سري أصدر مكتب مكافحة المخدرات في فرنسا (OFAST) نهاية يوليو/تموز الماضي ، شاركت في إعداده ( وزارات الداخلية والصحة والدفاع والاقتصاد) يبين تفاقم ظاهرة المخدرات في البلاد.
وصف التقرير الوضع في البلاد بـ”التسونامي الأبيض” الذي يهدد فرنسا ويحولها إلى محور رئيسي لتجارة المخدرات في أوروبا.
يوضح التقرير أنه لم تعد هناك أي منطقة في فرنسا خالية من المخدرات، مشيرا إلى أن هذه التجارة باتت تمثل “اقتصادا مربحا” يجني منه كبار التجار ملايين الدولارات، فيما تواجه السلطات صعوبات كبيرة في الحد من انتشاره رغم الحملات الأمنية المكثفة في مدن مثل باريس ومرسيليا، التي تُعد من أبرز مراكز هذه التجارة.
أشار التقرير إلى أن النصف الأول من عام 2025 شهد ضبط 37.5 طنا من الكوكايين، مقابل 25.8 طنا في الفترة ذاتها من 2024، بزيادة بلغت 45%.
تصاعدا غير مسبوق في العنف المرتبط بتجارة المخدرات
كما وثق المكتب تصاعدا غير مسبوق في العنف المرتبط بتجارة المخدرات، حيث تم تسجيل 367 جريمة قتل أو محاولة قتل خلال 2024 في 173 مدينة فرنسية، من بينها بلدات صغيرة مثل فلورانج في منطقة لا موزيل شرق البلاد.
ووصف التقرير هذا العنف بأنه لم يعد عرضيا، بل أصبح “ثقافة مضادة” تعيد تشكيل الحياة في الأحياء التي يسيطر عليها تجار المخدرات، ما يقوّض سياسات الاندماج الاجتماعي ويهمّش السكان.
سلطة اجتماعية حقيقية
كشف التقرير أن بعض شبكات المخدرات باتت تمارس “سلطة اجتماعية حقيقية”، من خلال تقديم خدمات للسكان مثل المشتريات وأعمال الصيانة مقابل التغاضي عن عمليات البيع في الأحياء.
كما أشار إلى استخدام متزايد للقتلة المأجورين، وإلى سيطرة العصابات على الفضاءات العامة، لدرجة تهديدها النظام الجمهوري ومحاولة زعزعة استقرار مؤسسات الدولة.
من الأمثلة على هذا التهديد، الهجمات الأخيرة على السجون الفرنسية ومنازل موظفيها، إضافة إلى فيديو استعراضي نشرته عصابة “مافيا دي زد” في مرسيليا، ظهر فيه أفراد ملثمون بأسلحة ثقيلة، في مشهد يشبه الحركات الانفصالية المسلحة.
قمة الهرم
قدر التقرير أن نحو 200 ألف شخص يستفيدون بشكل مباشر أو غير مباشر من تجارة المخدرات في فرنسا.
ويتحكم في قمة الهرم عشرة تجار كبار يديرون عمليات الاستيراد من خارج البلاد، خاصة من شمال إفريقيا ودبي، ويرتبط بعضهم مباشرة بكارتلات أمريكا الجنوبية، في شبكة وصفها التقرير بأنها أشبه بـ”كارتل فرنسي للكوكايين”.
أما شبكات التوزيع فتضم مئات التجار الصغار، وتنتشر في 2700 نقطة بيع رسمية إلى جانب نقاط أخرى لم تُكشف بعد.
ويعتمد هؤلاء على وسائل مبتكرة مثل خدمات التوصيل “أوبرشيت” وتأجير الشقق القصيرة الأمد عبر منصات مثل “إير بي إن بو” لتفادي رقابة الشرطة.
في مواجهة هذا التصاعد، دشّن وزير العدل الفرنسي في يوليو/تموز الماضي سجنا شديد الحراسة في “فوندين لو فياي”، ونُقل إليه أخطر السجناء وفي مقدمتهم تاجر المخدرات الشهير محمد عمرا، الذي كان قد فر سابقا من سجنه بمساعدة خارجية.
ويطرح التقرير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإجراءات كافية لاحتواء “التسونامي الأبيض”، أم أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية ستدفع بالمزيد إلى الانخراط في هذه التجارة المربحة؟؟.