
في ظل إعادة تشكيل الولايات المتحدة لسياستها الخارجية تحت قيادة الرئيس دونالد ترامب، تتصاعد الدعوات الأوروبية لتوجيه الإنفاق الدفاعي بعيدًا عن الاعتماد المُفرط على المعدات الأمريكية. فقد كشفت صحيفة واشنطن بوست عن مراجعات داخل العواصم الأوروبية لتقييم نقاط الضعف في النظم العسكرية الأمريكية، والسعي نحو تنويع مصادرها من خلال تعزيز الصناعات الدفاعية المحلية، رغم أن تحقيق هذا الهدف سيستغرق عقوداً من الجهود المتواصلة.
تشير التقارير إلى أن توجهات ترامب، والتي شملت التفاوض على علاقات أوثق مع روسيا وتهديد حلفاء الناتو ووقف التعاون مع أوكرانيا، أثارت مخاوف الشركاء التقليديين للولايات المتحدة. فقد توقفت مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، إلى جانب التهديدات بتوسيع النفوذ الأمريكي على كندا وجرينلاند، ما سلط الضوء على المخاطر المترتبة على الاعتماد الكامل على الدعم الأمريكي، خاصةً فيما يتعلق بصيانة وترقية الأنظمة المعقدة مثل المقاتلات وأنظمة الدفاع عن الصواريخ.
ومن جهة أخرى، أُطلقت مبادرات في كندا والبرتغال لإعادة النظر في خطط شراء مقاتلات إف-35 من شركة لوكهيد مارتن، فيما يسعى الاتحاد الأوروبي لاستبعاد الولايات المتحدة من آليات التمويل الجديدة لتسريع الإنفاق العسكري، مُشترطاً أن تُستثمر نسبة لا تقل عن 65% من الإنفاق في الأنظمة المنتجة داخل الاتحاد الأوروبي أو في دول قريبة منه. ويأتي ذلك في إطار خطة للاتحاد الأوروبي بقروض تبلغ قيمتها 163 مليار دولار، تهدف إلى دعم مشاريع الدفاع المشترك وتعزيز القدرات العسكرية المحلية.
ويرى المسؤولون الأوروبيون أن الاعتماد على المعدات الأمريكية، التي تعتمد بشكل كبير على قطع الغيار والتحديثات البرمجية والتبادل المستمر للمعلومات، قد يجعلها عرضة للتأثر بالقرارات السياسية الأمريكية. فقد عبر عدد من صانعي القرار في أوروبا عن أسفهم لصفقات الأسلحة الأمريكية، معتبرين أن استمرار هذا الاعتماد يُعرض الدول لمخاطر حقيقية في حال قررت الولايات المتحدة قطع الدعم أو تقييد الوصول إلى التقنيات الحيوية.
وعلى الرغم من أن الصناعة الدفاعية الأمريكية تحتفظ بمكانتها العالمية كأكبر مصدر للأسلحة، إلا أن المسؤولين الأوروبيين يؤكدون على ضرورة بناء قدرات محلية لتقليل هذا الاعتماد تدريجيًا. وفي السويد مثلاً، تجري محادثات لتطوير قدرات وطنية تضمن استقلالية أكبر في مجال الدفاع، بينما يبقى دور واشنطن مهما في الفترة القادمة، سواء في تقديم الدعم الاستخباراتي أو القدرات الاستراتيجية الجوية الثقيلة.
في هذا السياق، تتجلى التحديات المزدوجة التي تواجه أوروبا: من جهة، الرغبة في تطوير صناعة دفاعية متكاملة تقلل من الاعتماد على الخارج، ومن جهة أخرى، الحاجة إلى الحفاظ على قابلية التشغيل البيني مع حلفاء الناتو الذين ما زالوا يعتمدون على الأنظمة الأمريكية. وتظل القرارات الاستراتيجية في هذا الشأن معتمدة على تقييم المخاطر، خصوصاً في ظل تقلبات السياسات الأمريكية التي قد تؤثر بشكل مباشر على دعم الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية.
ختاماً، فإن التحول نحو تنويع مصادر الإنفاق الدفاعي الأوروبي يعد خطوة استراتيجية مهمة، إلا أنه يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين لتطوير الصناعات المحلية، دون التخلي عن العلاقات الدفاعية التقليدية مع الولايات المتحدة، والتي ما زالت تحتل موقعاً رئيسياً في تأمين النظم العسكرية المتقدمة لدى الدول الأوروبية.