رواية “عمالقة الشمال” للدكتور نجيب الكيلاني تُعدّ من أبرز أعماله التاريخية الإسلامية، حيث مزج فيها بين السرد الأدبي الرفيع والتأريخ الدقيق للحضارة الإسلامية في الأندلس، وأبرز فيها الصراع بين الحق والباطل، بين الإسلام والوثنية، وبين الإيمان والجشع الاستعماري. في هذا التلخيص، سنعرض صورة أدبية شاملة للرواية، ونستخرج أبرز مقولاتها، ونكشف سرّ مكانتها في أعمال الكيلاني.
التلخيص الأدبي الشامل لرواية “عمالقة الشمال”
في الشمال الإسباني، على أطراف الفردوس المفقود – الأندلس – تتشكل ملامح ملحمة نادرة من الصمود والإيمان، في زمن تداعت فيه قوى الوثنية والتحالفات المظلمة على جسد الدولة الإسلامية، طمعًا في ثرواتها، وانتقامًا من نور التوحيد الذي أضاء ظلمات أوروبا.
يبدأ الكيلاني روايته من لحظة اشتداد الحصار على المسلمين، وتقدّم قوات القوط وتحالفات الشمال المسيحي بقيادة “بيلايو” ضد الوجود الإسلامي في مناطق متفرقة، خصوصًا في الشمال الجبلي. لكن الرواية لا تحكي عن الفتح الإسلامي فقط، بل تروي وجدان الأمة، وتوثّق رحلة الصراع من الداخل، عبر شخصيات محورية:
عاصم بن عبد الله، القائد المسلم الشجاع، الذي يمثل الوجه المضيء للجهاد: عادل، حنون، لا يعرف الجبن ولا الغرور، ويؤمن أن النصر من عند الله، لا بكثرة العتاد.
ماريا، الفتاة النصرانية التي تسلم وتشارك في الكفاح، وتعبّر عن الوجه الإنساني للرواية، حيث تتغلب الروح على التحزّب، ويشرق الإيمان في القلوب التي تبحث عن الحق.
الراهب بيدرو، أحد المفكرين في المعسكر النصراني، يقدمه الكيلاني كمثال على العقلية الأوروبية التي تنبهر بعدالة الإسلام وتخجل من تخلّف قومها.
الصراع بين بيلايو وعاصم يمثل صراعًا حضاريًا وليس فقط عسكريًا، بين من يريد نشر النور ومن يريد استعادة الظلام.
الرواية تمضي عبر مشاهد دموية وحوارات فلسفية وإيمانية، يظهر فيها أن الكفاح لا يكون دائمًا بالسيف، بل بالكلمة والرحمة والصبر أيضًا. وفي النهاية، رغم الانكسارات العسكرية، يبقى الإسلام منتصرًا في القلوب.
أبرز المقولات في الرواية
- “إننا لا نقاتل من أجل الدنيا، بل من أجل كلمة الله أن تعلو.”
تُجسّد فلسفة الجهاد كما يراها الكيلاني: نُصرة للمبدأ لا للطمع.
- “القوة ليست في العدد، ولكن في العقيدة.”
هنا يظهر الفرق بين جيوش الشمال التي تقاتل بدافع الخوف والطمع، وجيش المسلمين الذي يستمد عزيمته من الإيمان.
- “الجبال لا تنحني للعواصف، كذلك المؤمن لا ينكسر في المحن.”
تشبيه رمزي يحاكي العناد المقدّس للمجاهدين.
- “ماريا… قلبك لم يُسلِم وحده، بل عقلك وروحك أيضًا.”
حوار يختصر فكرة الكيلاني حول الإسلام كدين عقل وحرية.
لماذا تُعتبر الرواية من أهم أعمال نجيب الكيلاني؟
- التاريخ كأدب حيّ:
الكيلاني أعاد رسم التاريخ الإسلامي للأندلس لا كوقائع جافة، بل كملحمة إنسانية شاملة، غنية بالعاطفة، والفكر، والبطولة.
- رؤية حضارية للصراع:
لم يقدّم “عمالقة الشمال” كأبطال، بل صوّرهم كخصوم حضاريين، ما أعطى الرواية عمقًا فلسفيًا، وخرج بها من نطاق “روايات الفتح” إلى “روايات الهوية”.
- قوة السرد وحيوية الشخصيات:
الشخصيات ليست نماذج جامدة، بل نابضة بالحياة، تحب وتخاف وتفكر وتُخطئ وتُصيب. حتى الأعداء تم تصويرهم بإنصاف.
- الرسالة التربوية:
الكيلاني لم يكتب فقط ليؤرخ، بل ليبني الوعي، ويُحيي روح العزة في الأمة، وهذا ما يجعلها رواية “تُقرَأ للتغيير”.
خاتمة
رواية “عمالقة الشمال” هي واحدة من القمم السردية لنجيب الكيلاني، حيث تمتزج اللغة العذبة مع الرسالة القوية، ويتحوّل التاريخ الإسلامي في الأندلس إلى مرآة يرى فيها القارئ واقعه وتحدياته، ويدرك أن معارك الأمس ليست إلا ظلالًا لمعارك اليوم.
إذا كنت تبحث عن رواية تعلمك التاريخ، وتهزّ فيك الروح، وتؤجج الإيمان، فلن تجد مثل “عمالقة الشمال”.
المؤلف:
أعظم كُـتّاب العربية: نثرًا وشعرًا وقصةً، في النصف الثاني من القرن العشرين، ويأتي من زاوية المُنصِفين المحايدين، قَبل كل الأسماء الأدبية الكبيرة في القرن الفائت،، لكن انشغاله بالسياسة، وتصنيفه من قِبَل النقاد بأنه أديب إسلامي، وابن التيار الإسلامي؛ جعل إبداعه الأدبي في مرمى نيران العلمانيين وأحقادهم التاريخية، ولذا لم يُنصَف الدكتور نجيب الكيلاني، ولم ينل حقه للآن كعبقري متكامل.
(د. نجيب عبد اللطيف إبراهيم الكيلاني)
– الميلاد: 1 يونيو 1931م، قرية شرشابة، مركز زفتَى، محافظة الغربية (مصر)
– الوفاة: 7 مارس 1995م، القاهرة.
– التعليم: حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة، من جامعة القاهرة، وبدأ حياته العملية طبيبا بمستشفى أم المصريين بالجيزة.
– حفظ القرآن صغيرا، وانضم لجماعة الإخوان المسلمين مبكّرًا، وتعرّض للاعتقالات التي بلغت حوالي 40 شهرا، وأُفرِجَ عنه لأسبابٍ صحية، توسّط فيها بعض الأدباء المصريين الكبار، ثم كانت مرحلة المطاردة، فهاجر من مصر إلى دولة الكويت، ثم انتقل إلى دولة الإمارات التي قضى فيها معظم حياته، حتى عاد إلى مصر في آخر عمره، بعد أن داهمه سرطان البنكرياس..
= من أعمال الدكتور نجيب الكيلاني:
* روايات:
1- رواية (الطريق الطويل) وهي أول عمل نثري له بالمعتقل سنة 1956م ..
ونالت تلك الرواية جائزة وزارة التربية والتعليم سنة 1957م، ثم قُـرِّرَت للتدريس على طلاب الصف الثاني الثانوي عام 1959م.
2- رواية (اليوم الموعود) عام 1960م، ونالت جائزة المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بمصر في العام نفسه،
3- رواية (في الظلام) نالت نفس الجائزة في العام التالي 1961م
4- قاتل حمزة
5- أهل الحميدية
6- مملكة البلعوطي
7- نور الله
8- ليل وقضبان
9- رجال وذئاب
10- حكاية جاد الله
11- مواكب الأحرار
12- عُمر يظهر بالقدس
13- ليالي تركستان
14- عمالقة الشمال
15- أميرة الجبل
16- عذراء جاكرتا
17- اعترافات عبد المتجلي
18- امرأة عبد المتجلي
19- الكابوس
20- رحلة إلى الله
21- الرايات السوداء
22- ملكة العنب
23- حارة اليهود
24- على أبواب خيبر
* من أروع مسرحياته:
“حبيبتي سراييفو”
* قصص:
1- عند الرحيل
2- موعدنا غدًا
3- العالم الضيّق
4- رجال الله
5- فارس هوازن
6- حكايات طبيب
7- الكابوس.
* مؤلفاته الفكرية:
1- المجتمع المريض
2- الإسلام والقوى المضادة
3- الطريق إلى اتحاد إسلامي
4- مدخل إلى الأدب الإسلامي.
5- الإسلامية والمذاهب الأدبية.
6- آفاق الأدب الإسلامي.
7- الأدب الإسلامي بين النظرية والتطبيق.
8- تجربتي الذاتية في القصة الإسلامية.
9- لمحات من حياتي.. سيرة ذاتية.
10- إقبال الشاعر الثائر.
11- شوقي في ركاب الخالدين.
12- في رحاب الطب النبوي.
* دواوينه الشعرية:
1- أغاني الغرباء
2- عصر الشهداء
3- كيف ألقاك
4- مهاجر
5- مدينة الكبائر
6- أغنيات الليل الطويل
– تُرجمت أعماله إلى اللغات: الإنجليزية، والفرنسية، والتركية، والروسية، والأُردية، والفارسية، والصينية، والإندونيسية، والإيطالية، والسويدية.
.. وما زال “الدكتور نجيب الكيلاني” رقم 1 بالنسبة للمسلمين العجَم (غير العرب) في الشرق والغرب، ويطلقون عليه: “أديب الإسلام”
