كتاب “ثورة يوليو الأمريكية” للكاتب محمد جلال كشك هو من أشهر كتبه وأكثرها إثارة للجدل، حيث يتناول فيه رؤية مختلفة تمامًا لثورة 23 يوليو 1952 في مصر، والتي قادها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر. يقدّم كشك أطروحته الرئيسية وهي أن الثورة لم تكن “ثورة وطنية خالصة”، بل كانت مدفوعة ومُيسَّرة – ولو جزئيًا – من الولايات المتحدة الأمريكية لخدمة مصالحها في المنطقة، خصوصًا في سياق الحرب الباردة والصراع مع النفوذ البريطاني.
أهم أفكار وتلخيص محتوى الكتاب:
- خلفية الثورة ومقدماتها:
كانت مصر آنذاك تعاني من الاحتلال البريطاني، ومن فساد النظام الملكي، وتزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء.
يوضح كشك أن الضباط الأحرار لم يكونوا أصحاب مشروع سياسي متكامل، بل كانوا متأثرين بأجواء التململ العام، وكانت معظم توجهاتهم آنذاك غير واضحة.
- علاقة الثورة بأمريكا:
الأطروحة الأساسية: يرى كشك أن أمريكا دعمت – أو على الأقل شجعت – انقلاب يوليو للتخلص من النفوذ البريطاني في مصر والمنطقة.
يربط الكاتب بين تحركات السفارة الأمريكية بالقاهرة، ولقاءات ضباط من الثورة مع مسؤولين أمريكيين.
يشير إلى أن الولايات المتحدة أرادت نموذجًا وطنيًا يكون معاديًا للبريطانيين ولكن ليس شيوعيًا، فكان عبد الناصر “الحل الأمثل”.
- جمال عبد الناصر والسياسة الخارجية:
ينتقد كشك بشدة السياسات الناصرية، وخصوصًا توجهه الاشتراكي وتحالفه اللاحق مع السوفييت.
يرى أن ناصر خدم أمريكا بتقويضه النفوذ البريطاني والملكية، لكنه خرج لاحقًا عن السيطرة بعد تأميم قناة السويس، مما أدى إلى صدام مباشر.
- الاقتصاد والسياسات الداخلية:
يعارض كشك الإصلاح الزراعي وتأميم المشروعات الخاصة، معتبرًا أنها ضربت البنية الاقتصادية الطبيعية لمصر.
يربط بين هذه السياسات وبين التدهور الاقتصادي الذي عاشته مصر في السنوات اللاحقة.
- تقييم للثورة ونتائجها:
يرى أن الثورة كانت “انقلابًا عسكريًا” لا يحمل مشروعية شعبية حقيقية.
يعتبر أنها فشلت في تحقيق أهدافها المعلنة: الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، القضاء على الاستعمار.
يشير إلى أن الثورة أدت إلى نظام سلطوي يحكمه فرد وحزب واحد.
- منهج الكتاب:
اعتمد كشك على الوثائق الأمريكية والبريطانية، وبعض المراسلات الرسمية، ليبني تحليله.
استخدم أسلوبًا نقديًا لاذعًا، يجمع بين التوثيق والسخرية واللغة الصحفية المباشرة.
ملاحظات على الكتاب:
الكتاب ينتمي إلى أدبيات التيار الإسلامي القومي الذي يعارض التجربة الناصرية من منظور ديني وفكري.
أثار الكتاب جدلًا كبيرًا عند صدوره، ورفضه كثير من أنصار ثورة يوليو وعبد الناصر.
يُعدّ محاولة لتفكيك “الأسطورة الناصرية” وكشف ما يراه الكاتب حقائق غائبة أو مخفية.
خلاصة:
“ثورة يوليو الأمريكية” هو عمل فكري سياسي يعيد قراءة ثورة 1952 من زاوية مغايرة، ويرى فيها جزءًا من الترتيبات الدولية في مرحلة الحرب الباردة، أكثر مما يرى فيها حركة تحرر وطنية. وهو كتاب مهم لفهم وجهة النظر الناقدة للتجربة الناصرية، وإن اختلفت الآراء حول مدى صحة استنتاجاته.