شهدت مدينة تل أبيب مساء الخميس 24 يوليو 2025 مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف، احتجاجًا على تفاقم الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، وتحديدًا تفشي الجوع وسقوط ضحايا من المدنيين، بينهم أطفال، بسبب الحصار المستمر والعمليات العسكرية المتواصلة.
وقد توافد المتظاهرون إلى ساحة هابيما في قلب المدينة، حاملين لافتات كتب عليها شعارات مثل “لا للجوع، لا للحرب” و”ارفعوا الحصار عن غزة”، فيما رفع البعض أكياس دقيق فارغة وصورًا لأطفال يعانون من سوء التغذية، تعبيرًا عن التضامن مع سكان القطاع الذين يواجهون خطر المجاعة.
المظاهرة جاءت بدعوة من حركات يسارية ونشطاء حقوقيين، وشاركت فيها أيضًا عائلات لجنود إسرائيليين أسرى لدى حماس، والذين طالبوا بوقف الحرب الفوري والتوصل إلى اتفاق تبادل أسرى.
وبحسب صحيفة “هآرتس”، عبّر العديد من المشاركين عن شعورهم بأن الحرب فقدت معناها الأمني، وأصبحت عبئًا سياسيًا يدفع المدنيون الفلسطينيون ثمنه من دمائهم وأجسادهم.
أما صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، فقد أشارت إلى أن التظاهرة تزامنت مع تقارير صادرة عن منظمات دولية تؤكد أن أكثر من 45 شخصًا لقوا حتفهم جوعًا في غزة خلال الأيام القليلة الماضية، في حين تواجه المساعدات الإنسانية صعوبات كبرى في الدخول وتوزيعها بشكل منظم.
الاحتجاجات لم تكن فقط ضد استمرار الحرب، بل أيضًا ضد سياسة الحكومة التي وصفها بعض المتظاهرين بأنها تتعمد استخدام الجوع كسلاح ضد المدنيين.
وأكدت صحيفة “الغارديان” البريطانية في تقرير لها أن المجاعة باتت تنتشر بسرعة في غزة، مع تسجيل حالات إغماء بين عمال الإغاثة بسبب شدة الجوع، ما يعكس خطورة الوضع الإنساني المتدهور.
من جانبها، ذكرت وكالة “JTA” اليهودية أن هذه التظاهرات تعكس تحولًا متزايدًا في الرأي العام الإسرائيلي،
حيث بدأت الأصوات التي كانت تبرر استمرار الحرب تخفت، لتحل محلها دعوات لوقف فوري لإطلاق النار، خشية من تدهور صورة إسرائيل على المستوى الدولي، وخاصة في ظل تعثر مفاوضات التهدئة في الدوحة وانسحاب الوسيطين الأميركي والإسرائيلي منها.
مع تصاعد الاحتجاجات الداخلية وتدهور الأوضاع في غزة، تبدو حكومة نتنياهو محاصرة بين ضغوط الشارع المحلي وضغط المجتمع الدولي، في وقت لا تزال فيه الحلول السياسية بعيدة، والخسائر الإنسانية تتزايد بشكل ينذر بتداعيات أكبر في الأيام المقبلة.
في خضم التظاهرات التي اجتاحت تل أبيب مساء الخميس، أدلى عدد من الخبراء والمحللين الإسرائيليين بآرائهم حول دلالات الحراك الشعبي المتصاعد وموقف الحكومة من استمرار الحرب وتجويع غزة.
قال البروفيسور شلومو أفينيري، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية بالقدس، إن المظاهرة تعكس “انكسارًا حقيقيًا في الرأي العام الإسرائيلي، لا فقط بسبب البعد الأخلاقي المتعلق بمجاعة غزة.
،بل لأن الجمهور بدأ يشعر أن هذه الحرب بلا هدف، وأن الحكومة تستخدمها كوسيلة للبقاء السياسي، وليست كحرب لها نتائج أمنية واضحة”. وأضاف: “في دولة ديمقراطية، لا يمكن تجاهل الأصوات التي تقول: كفى”.
من جهته، اعتبر الجنرال احتياط عاموس جلعاد، الرئيس السابق للدائرة السياسية الأمنية في وزارة الدفاع، أن استمرار الحرب مع تفشي المجاعة في غزة “يضر بعمق بمكانة إسرائيل الأخلاقية والأمنية”، مشيرًا إلى أن “المجتمع الدولي بدأ يرى في هذه الحرب تجاوزًا لمبدأ الدفاع عن النفس”. ولفت إلى أن “المعركة تخسر يوميًا من مشروعيتها السياسية، وهو ما ينعكس داخل المجتمع الإسرائيلي ذاته”.
بدوره، صرّح الصحفي المخضرم جدعون ليفي، المعروف بمواقفه النقدية، لصحيفة “هآرتس”، أن “ما يحدث في غزة هو وصمة عار أخلاقية، وتجويع المدنيين لا يمكن تبريره لا بأمن ولا بانتقام. نحن نحكم على أنفسنا بالعزلة الأخلاقية، والمظاهرة كانت بمثابة جرس إنذار أخير قبل فقدان كل قيمة إنسانية”.
أما الدكتورة ناعاما كلنر، الباحثة في شؤون الرأي العام في جامعة تل أبيب، فأكدت أن المظاهرة “ليست فقط احتجاجًا إنسانيًا بل أيضًا تعبير عن أزمة ثقة متفاقمة بين الحكومة والشعب”، مضيفة أن “ازدياد عدد المشاركين، واتساع قاعدة المتظاهرين لتشمل عائلات الجنود، يعكس أن الحرب لم تعد موضع توافق داخلي، وأن الضغط الشعبي قد يبدأ بالتأثير تدريجيًا على صناعة القرار”.
هذه الآراء تعزز الصورة التي رسمتها التظاهرات في تل أبيب، حيث بات واضحًا أن شريحة متزايدة من المجتمع الإسرائيلي بدأت ترى أن استمرار الحرب، في ظل معاناة المدنيين في غزة، أصبح عبئًا أخلاقيًا وسياسيًا لا يمكن تحمله.