في قلب بحر العرب، حيث تتداخل أمواج السياسة والصراعات الإقليمية، تخرج جماعة الحوثى باليمن تهدد من جديد باستهداف اى سفينة متجهة للكيان من اى جنسية، لكنها فى هذه المرة وصفت مستوى الهجمات بأنه الرابع الحذر.
تتجه اليوم” الحوثى” نحو مرحلة جديدة من التصعيد، مهددة بموجة من الهجمات على السفن التي تتعامل مع موانئ الكيان، في تطور قد يعيد خلط الأوراق ويضع المنطقة أمام واقع جديد من التوتر والاضطراب الذى لم يهدأ من الأساس.
فهل نحن أمام بداية فصل جديد من الحرب البحرية المفتوحة؟ أم أن المجتمع الدولي قادر على احتوائه قبل أن يتفاقم؟
تهديدات بحرية غير مسبوقة
على لسان يحيى سريع، المتحدث باسم جماعة الحوثي، أعلنت الجماعة عن بدء المرحلة الرابعة من عملياتها العسكرية ضد الكيان، موضحة أنها ستستهدف أي سفن تتعامل مع الموانئ الإسرائيلية، بغض النظر عن جنسياتها أو وجهاتها. وأكد سريع أن هذه التحركات تأتي في إطار دعم القضية الفلسطينية والرد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مشددًا على أن السفن التي تتجاهل التحذيرات ستتعرض للهجوم في أي مكان تقع عليه أيدي قواتهم، عبر صواريخهم ومسيراتهم.
تصعيد يتفاقم
لم تكن هذه التهديدات مجرد كلام موجّه، بل صار واقعًا ملموسًا يهدد حركة الملاحة الدولية، مع جملة من الضمانات التي أطلقها الحوثيون بضرورة التوقف عن التعامل مع الموانئ الإسرائيلية، وإلا فإن السفن ستصبح هدفًا مشروعًا. هذا التصعيد يعكس رغبة الجماعة في فرض معادلة ردع جديدة، تتجاوز حدود اليمن، وتصل إلى مستوى الإضرار بحرية الملاحة وأمن التجارة العالمية. فهل ستشعل هذه التهديدات فتيل مواجهة بحرية إقليمية؟
التحالفات الدولية وتوازن الرعب
على الرغم من التحذيرات الدولية، تؤكد الجماعة أن هجماتها ستتواصل في حال استمرار التعامل مع إسرائيل من قبل اى سفينة، داعية المجتمع الدولي، خاصة الدول الكبرى، إلى ممارسة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف عدوانه ورفع الحصار عن غزة. وفي ظل هذا، هل ستنجح الدبلوماسية في كبح جماح الحوثيين، أم أن التصعيد قد يتسرب إلى مواجهة قصوى تهدد أمن البحر الأحمر والخليج العربي؟
تاريخ من العدوان والتحدي
يذكر أن الحوثيين، المتحالفين مع إيران، كانوا من قبل استهدفوا السفن والناقلات، منذ بدء الحرب على غزة في أكتوبر 2023. وكانت إدارة الرئيس الأميركي السابق قد توصلت إلى اتفاق مؤقت في مايو 2024، يقضي بوقف هجمات الحوثيين مقابل توقف التحالف العسكري، لكن الأخير أكد أن الاتفاق لا يشمل وقف استهداف إسرائيل، مما يعكس مدى تعقيد المشهد واستمراريته.
هل يمكن لهذا التصعيد أن يدفع المجتمع الدولي إلى مراجعة مواقفه، خاصة مع اقتراب فصول جديدة من الأزمة؟ وما مدى استعداد الأطراف المعنية لتحمل تبعات هذا التوتر الجديد؟
استراتيجية تصعيدية مدروسة
يؤكد العديد من المحللين أن الحوثيين يتبعون استراتيجية تصعيدية مدروسة تهدف إلى تعزيز موقعهم في الساحة الإقليمية، وإظهار قدرتهم على تعطيل مصالح إسرائيل ودول المنطقة التي تتعامل معها. ويعتقدون أن هذا التصعيد يعكس رسالة واضحة أن الجماعة باتت تتعامل مع معطيات جديدة، من ضمنها استمرار الدعم اللوجستي والسياسي من قبل إيران، الذي يمنحها القدرة على تحدي السياسات الإقليمية والدولية.
كما يشير خبراء إلى أن مثل هذه التصعيدات تأتي في ظل ظروف دولية وإقليمية متشابكة، حيث تسعى الجماعة لفرض نفسها كلاعب أساسي في لعبة التوازنات الإقليمية، خاصة في ظل ضعف أو تراجع بعض الجبهات الأخرى.
دور إيران في دعم التصعيد
أما عن الدور الإيراني، فهناك شبه إجماع بين الباحثين والخبراء على أن إيران تشكل العمود الفقري وراء تصعيد الحوثيين، لا سيما من خلال تزويدهم بالأسلحة، التدريب، وتوفير الغطاء السياسي والدبلوماسي.
و الدعم الإيراني يشمل الإمدادات العسكرية والتوجيه الاستراتيجي، بهدف خلق توازن ردع ضد إسرائيل، خاصة أنها ترى في الجماعة أداة من أدواتها للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي. علاوة على ذلك، يعتقد العديد من المحللين أن إيران تستخدم الحوثيين لخلق حالة من الفوضى غير المباشرة في البحر الأحمر والخليج، من أجل زيادة أوراق الضغط على المجتمع الدولي، خصوصًا الولايات المتحدة وحلفائها.
هل يفتح الباب لمواجهة إقليمية واسعة؟
لاشك أن التصعيد الأخير من قبل الحوثيين يثير موجة من القلق والريبة حول استقرار المنطقة بأسرها. فهذه الخطوة ليست مجرد عملية محلية، بل تطال أمن البحر الأحمر وممرات الملاحة الدولية، و خطوط إمداد حيوية، كما أنها تذكي نيران التوتر بين القوى الإقليمية الكبرى. من ناحية، وتزيد من حالة عدم اليقين، وتُحفز قوى متعددة على تعزيز حضورها وتحقيق مصالحها في مفاعيل متشابكة، خاصة أن الجماعة اليمنية تعكس لعبة شد حبل بين إيران والدول العربية والكيان.
احتمال إشعال أزمة جديدة بين إيران والكيان
يُعتبر التصعيد الحوثي، مدعومًا بشكل غير مباشر من إيران، بمثابة مؤشر على احتمال تصاعد المواجهة بين إسرائيل وإيران. فإيران، من خلال دعمها المستمر للجماعات المتمردة في المنطقة، تخلق بيئة تهيئ لمواجهة أوسع، خاصة لو زادت وتيرة الهجمات ودخلت في مرحلة أكبر من التصعيد.
محللون يرون أن هذا التصعيد قد يكون بداية لمرحلة جديدة من المواجهة، تشبه ما حدث منذ أعوام مع حروب الوكالة، خاصة في ظل التصريحات المتبادلة والتوترات المستمرة في المنطقة، والتي قد تصل إلى نقطة الغليان إذا ما قررت الأطراف تصعيد الأمور على الأرض.
هل يبدأ زلزال الإقليم من هنا؟
توقعات تشير إلى أن جماعة الحوثية، بدعم من إيران، تسعى لاستخدام هذا التصعيد كذراع ضغط، لا سيما إذا ما صاحبه تصعيد من جانب إسرائيل أو حلفائها. وفي حال تكرار الهجمات أو تداخل صراعات أخرى، فمن الممكن أن تتوسع فجأة على نحو غير متوقع، خاصة أن القوى الكبرى تراقب الوضع عن كثب، وقد تتخذ خطوات تصعيدية أو دبلوماسية حسب تطور الأحداث.
وقد ينشأ صراع إقليمي يمتد من اليمن إلى الشواطئ الإسرائيلية، ومن لبنان إلى الخليج، الأمر الذي قد يفتح أبواب جهنم على المنطقة، ويمكن أن يسهم بشكل مباشر في إعادة إشعال أزمات قد تبدو للوهلة الأولى تحت السيطرة.
هل نحن على أعتاب فصل جديد من المواجهة الكبرى، أم مجرد حلقة في سلسلة التوترات المستمرة؟ يبقى هذا السؤال مفتوحًا، لكن المؤكد أن تصعيد الحوثي يحمل في طياته بذور لمزيد من عدم الاستقرار، إذ أنه إذا ما تفاقم الوضع، فسيكون من الصعب جدًا السيطرة على تداعياته، وقد يكون بمثابة شرارة لنيران إقليمية لا يمكن التنبؤ بنتائجها.