يستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نظيره الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ، في لقاء يركز على مواجهة التهديد النووي الكوري الشمالي، إلى جانب مناقشة قضايا التجارة والرسوم الجمركية الأميركية التي أثارت جدلاً واسعاً في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
رغم اختلاف التوجهات السياسية للإدارات الأميركية المتعاقبة، ديمقراطية كانت أم جمهورية، تبقى منطقة آسيا والمحيط الهادئ في صدارة أولويات السياسة الخارجية الأميركية. ويهدف ترمب إلى إظهار ثقله في النزاع الكوري القائم منذ عقود، مستضيفاً رئيس كوريا الجنوبية المعروف بموقفه المؤيد للحوار مع بيونغ يانغ.
قبل وصوله إلى العاصمة الأميركية، توقف الرئيس الكوري الجنوبي في طوكيو للقاء رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا، حيث ناقشا ملفي الأمن الآسيوي والرسوم الجمركية الأميركية.
وشهد اللقاء اتفاقاً على تعزيز التعاون الثنائي لمواجهة “التحديات المتزايدة” في المنطقة، خاصة التهديدات النووية لكوريا الشمالية. ويُذكر أن هذه هي أول زيارة ثنائية رسمية لرئيس كوري جنوبي إلى اليابان منذ 1965، ما يعكس تقارباً لافتاً بين البلدين بعد سنوات من التوترات التاريخية.
الرئيس الكوري الجنوبي شدد على أهمية “الشراكة الاستراتيجية بين سيول وطوكيو”، بينما أكد إيشيبا على ضرورة مواصلة التعاون رغم “القضايا الصعبة القائمة بين الجارتين”. كما اتفق الجانبان على تعزيز الدفاع والأمن الاقتصادي، ومواجهة التحديات الاجتماعية مثل انخفاض معدلات المواليد.
على مدى عقود، تسببت قضايا تاريخية مثل العمل القسري والنزاعات على الأراضي إبان الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية في توتر العلاقات بين البلدين. غير أن التحديات الأمنية المتصاعدة من كوريا الشمالية دفعت سيول وطوكيو إلى تجاوز خلافاتهما وتعزيز التعاون، خاصة عبر محادثات ثلاثية سابقة مع واشنطن.
ومن اللافت أن الرئيس لي، الذي كان أكثر تشدداً تجاه اليابان في السابق، أكد الآن أن بلاده “شريك لا ينفصل عن اليابان”، في إشارة إلى أولوية التعاون لمواجهة المخاطر المشتركة.
زيارة لي إلى واشنطن ستشهد أيضاً نقاشات حساسة حول الرسوم الجمركية الأميركية التي تهدد صادرات كوريا الجنوبية واليابان. ووفق ما أُعلن، وافق البلدان على إبرام اتفاقات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة، إضافة إلى استثمارات ضخمة تهدف إلى خفض الرسوم الجمركية الأميركية إلى نحو 15%.
إلى جانب التجارة، سيحتل البرنامج النووي الكوري الشمالي مساحة واسعة من مباحثات ترمب ولي.
ترمب سبق أن التقى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون ثلاث مرات:
الأولى في سنغافورة (يونيو 2018).
الثانية في هانوي (فبراير 2019).
الثالثة على خط الهدنة المنزوع السلاح (يونيو 2019)، حيث اجتاز ترمب رمزياً الحدود إلى داخل كوريا الشمالية.
ورغم ما وصفه ترمب بـ”العلاقة الجيدة” مع كيم، فإن هذه اللقاءات لم تحقق تقدماً ملموساً في ملف نزع السلاح النووي.
حتى عام 2025، واصلت كوريا الشمالية تطوير برامجها النووية والصاروخية رغم العقوبات الدولية المشددة. بل إنها وسعت نفوذها العسكري عبر تحالف استراتيجي مع روسيا، التي زودتها بآلاف الجنود والأسلحة لدعمها في الحرب ضد أوكرانيا، وفقاً لاستخبارات سيول وواشنطن.
الرئيس الكوري الجنوبي الجديد يقترح خطة ثلاثية المراحل للتعامل مع بيونغ يانغ: تجميد، خفض، ثم تفكيك البرنامج النووي. وهي مقاربة قد تحظى بترحيب ترمب الذي أبدى رغبة متجددة في استئناف الحوار مع كيم.
ورغم انتقاده لتكلفة التحالف العسكري الأميركي الكوري، فإن لي لا يشكك في جدوى المناورات المشتركة مع واشنطن، التي لطالما أثارت استياء الشمال.
في المقابل، أشرف كيم جونغ أون، السبت، على اختبارات صاروخية جديدة لمنظومات دفاع جوي “بتكنولوجيا فريدة”، وفق وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية. وأظهرت الصور صواريخ تطلق لاعتراض أهداف جوية، بينما شدد كيم على “مهمة استراتيجية بالغة الأهمية” لقطاع العلوم الدفاعية قبل اجتماع رئيسي لحزب العمال.
وحذرت بيونغ يانغ سيول من التصعيد، متهمة جنودها بإطلاق طلقات تحذيرية قرب الحدود.
زيارة الرئيس الكوري الجنوبي إلى واشنطن تحمل في طياتها أبعاداً أمنية وتجارية بالغة الأهمية، وسط تصاعد التوتر مع كوريا الشمالية واستمرار الضغوط الأميركية على بيونغ يانغ. وبينما تسعى سيول لتعزيز شراكاتها مع كل من واشنطن وطوكيو، يبقى الملف النووي الكوري الشمالي العنوان الأبرز الذي سيحدد مآلات هذه القمة.
