
إذا كنت من القراء والمتابعين الذين يفضلون الخبر” السندوتش” ذات القضمة الواحدة، حتى تنتقل سريعا إلى غيره، فالسطور التالية لن تجد فيها ضالتك، فالتقرير المرفق مع هذه المقدمة، تقريرا تفصيليا عن المنطقة الأهم من الناحية الإستثمارية بمصر فى مجال النقل البحرى وصناعاته واللوجيستيات، والتى تقع بالمدخل الشمالى الشرقى لأهم ممر ملاحى فى العالم “قناة السويس“، أما إذا كنت ممن يحبون قراءة القصص الخبرية المعمقة فأهلا بك معنا.
تقديم
بين مؤيد ومعارض لاستحواذ الأجانب على مساحات ضخمة بمنطقة شرق بورسعيد التابعة للهيئة الاقتصادية لقناة السويس، دارت مناقشات بين المهتمين بمجال النقل البحرى واللوجيستيات، تضمنت حالة التخوف تجاه حقوق الامتياز” الانتفاع” التى تتراوح بين 30 إلى 50 سنة، والتى منحت مؤخرا لشركات “ابو ظبى وإم إس سى السويسرية وتويوتا اليابانية” وغيرها من الشركات العابرة للقارات، بالإضافة لاستثمارات روسية وفرنسية وصينية بشراكات مصرية دون حق إنتفاع.
المؤيدون يرون أن مايحدث هو استثمار جيد لشركات كبرى لجذب الأنظار واستثمار اكثر للمنطقة، بما يعود على مصر بناتج قومى يحل أزماتها المالية ويوقف نزيف سياسة القروض، فيما يرى المعارضون أن هذه الأماكن تمثل أهمية استراتيجية وأمنا قوميا للبلاد لايجب ان تستغل إلا من أبنائها والدولة عبر شركات مصرية 100% أو بنسب محدودة جدا للجانب الأجنبى، على اعتبار أن خبرات المتخصصين من المصريين فى المجال لاتقل عن الخبرات الأجنبية، فيما اعتبروا المنطقة عبارة عن تورتة يتقاسمها الأجانب فى الوقت الذى يمنح فيه الجانب صاحب الأرض نسبة ضئيلة من الأرباح السنوية وصلت فى عقد كيزاد شرق بورسعيد الذى استحوذت عليه مجموعة ابو ظبى الى (15% )!
البداية
مشروع شرق التفريعة (شرق بورسعيد وشمال شرق قناة السويس) أحد أهم المشروعات القومية المصرية –وفقا لمتخصصين- فى مجال النقل البحرى واللوجيستيات بالبنك الدولى، وأنه من الممكن أن يقود عملية التنمية بمصر، إذا قاد العمل به متخصصون.
بدأ المشروع يرى النور فى مايو 1997 عندما أعلن الدكتور كمال الجنزورى – وزير التخطيط آنذاك- من سنغافورة إطلاق الحكومة المصرية لمشروع شرق التفريعة يضم جناحين توأمين، أولهما إقامة ميناء محورى عالمى على نحو 22 مليون متر مربع باسم “ميناء شرق بورسعيد” عموده الفقرى محطات لتداول حاويات الترانزيت لينافس موانئ شرق البحر المتوسط وموانئ البحر الأسود، وثانيهما إقامة منطقة صناعية حرة على نحو 87 مليون متر مربع على ظهير الميناء المحورى، وقد أهملت حكومات الجنزورى وعبيد ونظيف مشروع المنطقة الصناعية الحرة توأم الميناء المحورى ربما لأنه مشروع أكبر من قدرات ورؤى تلك الحكومات ولاسيما أجهزتها التنفيذية وربما لأسباب أخرى.
مكونات المشروع
مشروع تنمية منطقة شرق بورسعيد (شرق التفريعة سابقا) يتكون من الميناء المحورى بمساحة 35.4 كم² – المنطقة الصناعية جنوب الميناء بمساحة 87.5 كم² – المنطقة السياحية بمساحة 5 كم² – المنطقة الادارية بمساحة 5 كم² – المنطقة الزراعية بمساحة 50 ألف فدان وتتولى الهيئة العامة لموانئ بورسعيد إدارة الميناء المحورى طبقا للقرارات الجمهورية قبل إنشاء الهيئة الإقتصادية لقناة السويس المسئولة عنه حاليا.
تاريخ المشروع
ذكر الربان محمد بهى الدين مندور الباحث فى اقتصاديات النقل البحرى واللوجيستيات فى بحثه عن المشروع: أنه بتاريخ 1 يناير 1996، تولى الدكتور كمال الجنزوري رئاسة الوزارة خلفا للدكتور عاطف صدقى، واستمر حتى 5/10/1999، وارتكزت السياسة العامة الاقتصادية لوزارته على ركيزتين أساسيتين: الأولى استكمال برنامج بيع شركات القطاع العام (الخصخصة) الذى بدأ عام 1992، أما الركيزة الثانية فكانت إطلاق مشروعات اقتصادية قومية كبرى أحد عناصرها تشييد مدن مليونية بهدف خلخلة الكثافة السكانية لنحو ستين مليون مصرى – آنذاك- للخروج من ضيق وادى النيل إلى الصحراء جنوبا فى توشكى، وشمالا فى سيناء حول ترعة السلام، وفى شمال غرب خليج السويس، وفى شرق تفريعة قناة السويس عند مدخل ميناء بورسعيد ، أما حصيلة الركيزة الأولى – الخصخصة –فكانت بيع 125 شركة عامة تمثل نحو 33% من مجموع ال372 شركة التى باعتها تباعا وزارات صدقى والجنزورى وعبيد – مهندس الخصخصة – ونظيف، وكان إجمالى حصيلة الخصخصة منذ بدأت فى 1992 وحتى توقفها نحو خمسين مليار جنيه – وفقا لتقرير الجهاز المركزى للمحاسبات وقتها – ومن أشهر الشركات التى باعها الجنزورى للأجانب شركات الأسمنت الوطنية، وكانت كلها تحقق أرباحا طائلة وتدعم حصيلة صادراتها ميزان المدفوعات لصالح مصر، وما زالت هذه الشركات تستنزف مع شركات صناعية أخرى – كثيفة استهلاك الطاقة – نسبة كبيرة من نحو مائة مليار جنيه تمثل قيمة الفاتورة السنوية لدعم الطاقة لصالح الأجانب ولبعض رجال أعمال مصريين من أصحاب النفوذ سابقا .. ولاحقا!! ..
شرق بورسعيد وتوشكى
أما نتائج الركيزة الثانية فكانت إنفاق نحو ثمانية مليارات جنيه لحفر ترعة عملاقة ولتشييد البنية الأساسية لثلاثة فروع فى توشكى، باعت حكومة الجنزورى الفرع الأول بمساحة مائة ألف فدان للمستثمر السعودى الوليد بن طلال لم يستصلح منها سوى ألف فدان ، وباعت الفرع الثانى لشركة جنوب الوادى التى استصلحت ثلاثين ألف فدان، وباعت الفرع الثالث لشركة الزهراء الإماراتية – جريدة الأهرام 31/12/2011 بعنوان ” توشكى ضحية سوء الإدارة ” – أما مشروع “قناة السلام” لنقل مياه النيل إلى سيناء عبر أربعة سحارات تحت قناة السويس لاستصلاح نحو 400 ألف فدان فقد انتهى إلى إستصلاح نحو 35 ألف فدان
فقط كلها فى سهل الطينة بشرق بورسعيد ، وتجمد المشروع بعد حفر نحو 32 كيلومتر من طول القناة فى سيناء، وبلغ جملة ما تم إنفاقه على هذه المرحلة نحو ستة مليارات وثمانمائة مليون جنيه استفاد منها المقاولون والموردون ووكلاؤهم، ومع تجميد حكومتى عبيد ونظيف مشروع قناة السلام، قام لصوص – قبل ثورة يناير – بتدمير ونزع قضبان وفلنكات خط سكة حديد بطول نحو 38 كيلومتر من القنطرة شرق إلى منطقة رأس العبد بسيناء، حيث كان من المفروض استصلاح نحو سبعين ألف فدان بتلك المنطقة، أيضا ولد مشروع المنطقة الصناعية شمال غرب خليج السويس فى رحم وزارة الجنزورى الأولى ..
لوبى رجال اعمال
وقد استجاب الجنزورى إلى ضغوط لوبى مجموعة من كبار رجال الصناعة المصريين ذوى النفوذ لتحويل اهتمام الحكومة من مشروع المنطقة الصناعية الحرة بشرق التفريعة إلى مشروع تخصيص نحو 200 مليون متر مربع فى شمال غرب خليج السويس، لإقامة منطقة صناعية تتولى شركة صينية كبرى إدارتها، وقد بلغت تكلفة البنية الأساسية للمتر الواحد مائة جنيه، وفجر النائب عادل عيد فى برلمان 2005 ما وصفه ب – مهزلة بيع عشرات الملايين من الأمتار فى هذا المشروع بسعر خمسة جنيهات للمتر المربع، يسدد المشترى واحد جنيه فقط عند التعاقد وفترة سماح عشر سنوات لسداد أربعة جنيهات، “وكان أبرز المشترين فريد خميس ونجيب ساويرس وأحمد عز 20 مليون مترمربع لكل منهم، ومحمد أبو العينين 13 مليون متر مربع ، وأشرف مروان ومستثمر سعودى عشرة مليون متر مربع لكل منهما وفقا ل-جريدة الأخبار 15/2/2011 بعنوان ” مسؤلية الجنزورى عن إهدار 53 مليار جنيه فى خمسة مشروعات – ومقال “متر الوطن بكام” بجريدة الأحرار 11/10/2010 – وقد بلغ مجموع المساحات المباعة للمحظوظين آنفا نحو 93 مليون مترا مربعا تمثل نحو 47% من المساحة الكلية لمشروع شمال غرب خليج السويس، وتزيد ستة ملايين متر مربع على مساحة ” مشروع المنطقة الصناعية الحرة المهمل وقتها بشرق التفريعة ” بل وتمثل نحو 28 % من المساحة الكلية لجزيرة سنغافورة !؟.. –
عبث بالثروات
وتساءل الربان بهى الدين : أى عبث هذا بمقدرات هذا البلد !؟ – ويستكمل : وبعد نحو 13 عاما جاءت وزارة الجنزورى الثانية موديل 2011 معدل، ولم يقام على أرض شمال غرب خليج السويس سوى أقل من عشرين مصنعا على نحو ثلاثة فى المائة من المساحة الكلية لأرض المشروع بينما استمرت عشرات الملايين من الأمتار فى حوزة حفنة من رجال أعمال مسقعى أراضى، وفى 25/12/2011 نشرت جريدة الأهرام خبر صدور قرار الجنزورى بسحب 21 مليون متر مربع فى مشروع شمال غرب خليج السويس من المستثمرين غير الجادين، والمستثمرون غير الجادين هم أنفسهم الذين استجاب لهم نفس رئيس الوزراء فى أواخر تسعينات القرن الماضى على حساب المنطقة الصناعية فى شرق التفريعة، وهنا نتساءل : ماذا عن بقية المساحات غير المستغلة والتى ما زالت فى حوزة مستثمرين غير جادين لم يقترب منهم قراره عام 2012 لاسترداد حقوق فقراء مصر ؟
أمر واقع
مشروع ميناء شرق التفريعة أصبح أمرا واقعا مع بدء نشاطه عام 2000 ليحتل الترتيب الثانى بين الموانى المحورية فى البحر المتوسط عام 2012، وتحملت الحكومة بمفردها نحو 2 مليار جنيه تكاليف تشييد الميناء ومشروعات البنية الأساسية وحاجز الأمواج وقناة الإتصال، أيضا تم توقيع العقد الإبتدائى مع “شركة قناة السويس للحاويات” لإدارة محطة الحاويات لمدة ثلاثين عاما، وقد ساهمت شركتان عالميتان إحداهما هولندية والأخرى دنماركية فى “شركة قناة السويس للحاويات” بنسبة 30% لكل منهما، والشركة الدنماركية متخصصة فى تشغيل وتسويق محطات الحاويات فى الموانى المحورية العالمية، وكان ذلك اختيارا موفقا-كما ذكر خبراء مصريون بالمجال -مع التحفظ على نسب ملكية الشركات الأجنبية وعلى البنود المعيبة لصالح الأجانب فى هذا العقد .
تعديل العقد
وبدأت “شركة قناة السويس للحاويات” نشاطها فى أكتوبر 2000 وافتتح الرئيس الرئيس الأسبق حسنى مبارك الميناء المحورى فى ديسمبر 2004 ، وفى الوقت الحاضر – بعد تعديل أكثر من مرة فى العقد الرئيسى عن طريق ملاحق قانونية – يتكون رأس المال المدفوع لهذه الشركة من خمسة وخمسين مليون دولار موزعا كما يلى : 55 % لمجموعة “أ.ب. موللر- ميرسك” الدنماركية وتعمل هذه المجموعة العالمية فى مجالات النقل البحرى وإدارة الموانى المحورية والطاقة واللوجستيات والصناعة وفى بناء السفن وحفارات ومنصات البترول البحري، وتملك أكبر خط ملاحى فى العالم، و20 % “لشركة “كوسكو باسيفيك” الصينية وتملك خط كوسكو الملاحى وهو الخط الثالث عالميا، ونحو 10 % لهيئة قناة السويس، وخمسة فى المائة للبنك الأهلى و 10 % – للقطاع الخاص المصرى – معظمها فى حوزة محمد منصور وابن خالته أحمد المغربي، الوزيرين الأسبقين لوزارتى النقل والإسكان عن طريق شركة ” منصور المغربى – وأغلب هذه الحصة مشتراة من حصة – ابراهيم كامل – الرئيس السابق لمجلس إدارة الشركة المصرية الأم، وفي 4 أكتوبر2009 قام مبارك بزيارة ثانية للميناء واستمع إلى كلمة هانز فلو – العضو المنتدب للشركة وقتها– والذى أكد فيها أن مدة عقد الامتياز 49 سنة ويعطى للشركة حق الرفض الأول فى جميع مراحل زيادة الأرصفة عن 2400 متر طولى أن تعمل شركة أخرى فى نفس النشاط، أما مد حق امتياز هذه الشركة من 30 إلى 49 سنة فالمسئول عنها الثلاثى إبراهيم كامل ومحمد منصور وزير النقل الأسبق وأحمد نظيف رئيس الوزراء الأسبق ، ورؤساء قطاع النقل البحرى آنذاك ..
مقايضة
إن مدة هذا الامتياز أمر غير مسبوق فى عقود إدارة الموانى المحورية على مستوى العالم – كان ذلك قبل الذى تم هذا العام من استحواذ ابو ظبى على -كيزاد شرق بورسعيد وهى عبارة عن 20 كليو متر مربع بالمنطقة الصناعية لشرق بورسعيد لمدة 50 عاما-، وقد حققت “شركة قناة السويس للحاويات” المصرية الجنسية – التى يمتلك الأجانب 75 % من أسهمها – صافى أرباح خمسة وخمسين مليون دولار بميزانية 2010 فاستعاد المساهمون حصصهم فى رأس المال المدفوع بعد سنة واحدة ، وكانت قد حذرت جهات عديدة من مد حق الإمتياز حتى عام 2053، ، وبتاريخ 6/6/2010 شرحت صحيفة “العالم اليوم” القضية بعددها 5915 ، فى الوقت الذى رأى فيه بعض الخبراء أن مد فترة حق الإنتفاع كان مقابل فك بند احتكار الشركة لنشاط تداول الحاويات بشرق بورسعيد والدليل على ذلك وصول معدلات تداول الحاويات بميناء غرب بورسعيد الى 1،2 مليون حاوية، وتشغيل محطة حاويات بدمياط بجانب شركة دمياط لتدوال الحاويات عقب التخلص من بند الإحتكار على الورق.
ميرسك العالمية
وتمتلك مجموعة ميرسك العالمية 55% من أسهم شركة قناة السويس للحاويات، وتساهم بنسبة 30% فى رأسمال “شركة خدمات ميناء صلالة المحورى” ( SAOG ) فى سلطنة عمان وتساهم حكومة السلطنة بنسبة 20% والقطاع الخاص بها بنسبة 50%، أيضا تدير وتساهم “مجموعة ميرسك العالمية” بنسبة 30% فى رأسمال الشركة القابضة لميناء “تانجونگ پلپاس“ Tanjung Pelepas المحورى فى ماليزيا ، ويبلغ طول أرصفة محطات حاوياتها نحو 4,3 كيلومتر طولى وتتداول نحو 12 مليون حاوية سنويا ، –عدد الحاويات المكافئة المتداولة بجميع الموانئ المصرية عام 2010 نحو 6.7 مليون حاوية – والموانى الثلاثة : شرق التفريعة وصلالة وتانجونگ پلپاس التى تولت إدارتها “مجموعة ميرسك العالمية”، بدأ تشغيلهم فى أواخر عام 1999 وفي عام 2000 ..
25 يناير
اندلعت ثورة 25 يناير ، ونشرت الصحف خبرا بإحالة عقد ميناء السخنة إلى النائب العام، ونفى وزير النقل وقتها ذلك الخبر فيما بعد.
ويتابع الربان بهى الدين مندور فى كتابه: “أرسلت برقية فى 9/3/2011 إلى كل من رئيس الوزراء عصام شرف ووزير النقل بأنه كان من الأولى إحالة عقد “شركة قناة السويس للحاويات” إلى النائب العام لاحتكار الشركة إدارة محطة حاويات شرق بورسعيد لمدة 49 سنة ، ولم يتحرك أحد ، وفى 23\12\ 2011 نشرت جريدة الأهرام خبرا عن اجتماع د. جلال السعيد وزير النقل مع السيد/ كلاوس همنگسن CLAUS V. HEMMINGSEN الرئيس التنفيذى لشركة ميرسك لحفارات البترول الذى نقل إلى الوزير استعداد مجموعة “أ.ب. مولر-ميرسك” الدنماركية الشريك الرئيسى في “شركة قناة السويس للحاويات” إنفاق مليارى جنيه لتشييد رصيف محطة الحاويات الثانية بميناء شرق التفريعة بطول 500 مترا امتدادا لرصيف المحطة الأولى للحاويات التى يبلغ طوله 2400 مترا ، ويبدو أن الوزير فى غمرة فرحته بجزرة المليارى جنيه، ربما لم يدرك أن تصريح كلاوس هيمينجسن إنما هو لتأكيد ممارسة “شركة قناة السويس للحاويات” احتكار النشاط – والتى يمتلك الأجانب 75 % من أسهمها بعد شراكة خط كوسكو الصينى مع ميرسك الدنماركى- طبقا للعقد – دون أى مشروعات لمحطات الحاويات المستقبلية فى شرق التفريعة لمدة 49 عاما !؟. وربما يعلم الوزير- أو لا يعلم – أن الشركة سوف تخصم المليارى جنيه بشكل مجدول من حق الإنتفاع السنوى التى تسدده الشركة للحكومة المصرية ممثلة فى هيئة ميناء بورسعيد قبل ان تتحول كجزء شمالى من الهيئة الاقتصادية لقناة السويس، وغالبا ستلجأ الشركة إلى البنوك المصرية لاقتراض جزرة المليارى جنيه تكرارا لسابق اقتراض الشركة مليارات الجنيهات من البنوك المصرية لتمويل استيراد الأوناش الجسرية والمعدات الأخرى لمحطة الحاويات الأولى”
اقتراح
واقترح خبراء بالنقل البحرى وقانونيون إعادة النظر ودراسة العقد المبرم بين الحكومة والشركة الأجنبية، وبالفعل تم عمل ملاحق للعقد، عالجت عيوب كثيرة به، وأن تستمر “شركة قناة السويس للحاويات” فى إدارة المحطة الأولى للحاويات بطول 2400 متر، وتأسيس ” شركة بورفؤاد للحاويات” لتشييد وإدارة محطة الحاويات الثانية بطول 500 متر طولى فى شرق التفريعة برأسمال مصرى تساهم فيها الشركة القابضة التى تمتلك محطات الحاويات العامة الثلاث فى الاسكندرية ودمياط وغرب بورسعيد بنسبة 30% , و”شركة قناة السويس للحاويات” بنسبة 30% , وتطرح نسبة 40% فى اكتتاب عام للمواطنين المصريين، وإذا تعذر مساهمة الشركة القابضة , تخصص نسبة 70% للإكتتاب العام للمواطنين المصريين، وتأسيس ” الشركة البحرية المصرية لنقل الحاويات” برأسمال مصرى تطرح أسهمه بالكامل فى اكتتاب عام لكل المصريين، وتختص هذه الشركة بنقل حاويات الترانزيت من الموانئ المصرية إلى موانئ شرق البحر المتوسط والبحر الأسود، ولتكون هذه الشركة البداية الصحيحة لأسطول تجارى مصرى ، وإن مثل هذه الشركة يمكن أن تحقق فى مدى متوسط أرباح سنوية أكبر من دخل قناة السويس ولتصب أرباحها فى ميزان المدفوعات.
انسحاب فريق شرف
فجر إنسحاب المجموعة ” الإستشارية ” صاحبة الخبرة فى مجال النقل البحرى واللوجستيات بقيادة الدكتور عصام شرف وزير النقل ورئيس الوزراء الأسبق عام 2013 – من المشاركة فى وضع وتنفيذ مشروع قانون لتنمية محور قناة السويس – تساؤلات عديدة وعلامات استفهام لدى العاملين والمهتمين والباحثين فى مجال النقل البحرى بمصر، تركها إنسحاب فريق شرف.
وأرجع باحثون فى مجال النقل البحرى و اللوجيستيات دهشتهم من انسحاب ” الفريق الإستشارى” إلى علمهم بأن الفريق المنسحب يضم كل نجوم الصف الأول فى تلك الصناعة ، و تزامن مع تلك الدهشة مخاوف من أن يتولى تسيير المشروع شخصيات قليلة الخبرة – أو ليس لها علاقة بالنقل البحرى، و مخاوف أخرى من إنقطاع التواصل بين مجموعة العمل الجديدة و بين شخصيات لديها خلفية عن الخطوات الجادة والمثمرة التى اتخذت خلال الأعوام الماضية، والتى كان على رأسها أعمال التسويق التى قام بها أحد أعضاء الفريق ، والذى كان يتولى رئاسة ميناء بورسعيد فى فترة وضع لبنات المخطط العام للمشروع ، ونتج عن جهوده أن تصل الآن موانى بورسعيد الى احتلال المركز الثانى بجدارة فى تداول الحاويات على مستوى موانىء البحر المتوسط والأول على الموانىء الأفريقية ، ووفقا لمعدلات التنمية بالنشاط بالميناء ، سوف يحتل المركز الأول على موانىء البحر المتوسط العام المقبل .
مخطط عام جديد
ولعل ما زاد من مخاوف المهتمين بمجال النقل البحرى ، تصريحات وزير النقل الأسبق حاتم عبد اللطيف، أثناء زيارته لميناء شرق بورسعيد عن نية الحكومة إعداد مخطط عام جديد للمنطقة فى غضون ثمانية أشهر، ما يوحى بعدم الإعتبار بالمخطط القديم، برغم أنه نفى إلغاء المخطط العام القديم فى تصريحات صحفية عقب نشر ما قاله بشرق بورسعيد فى وسائل إعلامية، وربما كان ذلك بسبب ما تم كشفه من شروط مجحفة يتحملها الجانب المصرى لصالح الأجانب بتعاقد الشركة الأجنبية والكشف عن بنود قريبة من خطوط غير عادلة، فى محررات العقد وبين الرأى العام الذى كان يلاحق حكومة الرئيس المصرى الراحل محمد مرسى أينما ذهبت أو فعلت ..
القناة الجانبية
وحذر خبراء وباحثون فى اقتصاديات النقل البحرى من خطورة اختزال مشروع شرق بورسعيد فى محطة حاويات وحيدة وهى العاملة حاليا- قبل استحواذ موانىء دبى على كيزاد شرق بورسعيد- فقط منذ افتتاح المشروع للعمل فى 2004 ، فى الوقت الذى استبشروا فيه خيرا وأملا بعدما أعلنت الحكومة عن بدء هيئة قناة السويس تعميق القناة الجانبية للميناء ، وهى التزام حكومى بين الشركة الأجنبية منذ كتابة العقد عام 2000 ، لتسمح بحركة السفن من وإلى الميناء دون التقيد بحركة القوافل للسفن المتعاملة مع المجرى الملاحى لقناة السويس على مدار اليوم، وأبدوا حرصهم على ضرورة انشاء محطات مصرية 100% لأن الموانىء أمن قومى.
يعنى ايه ميناء؟؟
وقال محمود عبد الرحمن الباحث فى اقتصاديات النقل البحرى، انه من المعروف ان ميناء بورسعيد تم التخطيط له على ان يكون ميناء متكامل يضم عدد كبير من محطات
الحاويات ومحطات لسفن البضائع العامة ومحطات لسفن الدحرجة ومحطات لوقود السفن ومحطات للصب السائل ، فإن الوصول الى تحقيق كلمة ” ميناء ” على المشروع لم يتم حتى الان لأن الحاصل الان ، ان بشرق بورسعيد ” محطة حاويات فقط ” اسمها “شركة قناة السويس للحاويات ” يستحوذ على 75% منها شركتى ميرسك الدنماركية وكوسكو الصينية ولمصر فقط 25% نسبة أسهم.
وأشار إلى ان محطة بورسعيد الوطنية بميناء غرب بورسعيد تداولت 1،2 مليون حاوية (بعد تعديل العقد وفك الاحتكار فى 2007 مقابل زيادة مدة الإمتياز 14 عام) و رغم ذلك فقد تضررت المحطات الوطنية للحاويات بسبب إنسحاب بعض الخطوط الملاحية لصالح المحطة الاجنبية، ولم يكن ذلك يحدث لولا الغاء بند الاحتكار فى ملحق العقد الذى كتب فى 2007، كذلك ما كانت الحكومة المصرية سوف تستطيع التعاقد على انشاء محطة حاويات جديدة بميناء دمياط بطاقة 2 مليون حاوية ..
وقال أنه يبدو ان المفاوض المصرى لم يكن جادا فى كسر الاحتكار الذى منح لمجموعة – ايه بى موللر – المستثمر الاجنبى بشرق بورسعيد – أو أن المستثمر كان أكثر ذكاءً من المفاوض المصرى، فالذى يبدو فى نصوص العقد المعدل ان الأجنبى قد تنازل عن حقه فى الاحتكار مقابل زيادة مدة العقد 14 سنة إضافية، و بناء على ذلك سمح بإطلاق العنان للمحطات الوطنية، و رضخ لطلب الحكومة ببيع 20 % من الأسهم للحكومة الصينية التى سعت لإنشاء محطة حاويات ثانية فى شرق بورسعيد بواسطة احدى شركات الخط الملاحى العالمى كوسكو ..
وأوضح ان المستثمر الدنماركى كان أكثر ذكاء لأنه تبين أن الاتفاق مع شركة الحكومة الصينية، كان جزءاً من اتفاق كبير يعطى الحق للشركة الدانماركية بانشاء محطة حاويات بالصين مقابل بيع 20% من أسهم الشركة الدانماركية للجانب الصينى بمصر، أما الشركة الصينية فقد اكتفت بنسبة المساهمة بميناء شرق بورسعيد وأنشأت محطة حاويات مستقلة بميناء – بيريه باليونان – بعدما سددت للحكومة اليونانية 60 مليون دولار لتسمح لها باستغلال أرصفة الميناء و إنفاق60 مليون دولار أخرى لتطوير المحطة اليونانية ..
تعظيم الناتج القومى
ونشر الراحل الدكتور مصطفى كامل محافظ بورسعيد الأسبق، مقال فى 2012 رد خلاله على زعم اسرائيل انشاء مشروعات اعلنت انها تنافس قناة السويس، قائلا “ينبغى ان نأخذ تلك التصريحات عن مشروعاتهم مأخذ الجد، لتكون دافعا لنا لتطوير قناة السويس ، او تنفيذ مشروع جديد يتفق مع اتجاهات تطوير اقتصاديات النقل البحرى ، بهدف تعظيم المشاركة الفعالة فى حركة التجارة العالمية ، بالقدر الذى يؤدى الى تعظيم الناتج القومى لإجمالى الدولة ، إذ يمكن البدء فى تخطيط وتنفيذ أكبر مشروع ملاحى فى العالم دون تغيير لخط الملاحة العالمى، وذلك باستكمال حفر قناة جديدة تبدأ من قناة شرق التفريعة بالشمال الشرقى لبورسعيد، حتى البحيرات بجنوب القناة ، وتتمتع بجميع المواصفات التى تتمتع بها قناة السويس الأصلية ، لتتمكن السفن العملاقة والناقلات من المرور من الإتجاهين”
مشروع متكامل
وقال أحد خبراء النقل البحرى – طلب عدم ذكر اسمه – أن القضية كلها تتلخص فى عمل مشروع متكامل يعود بالنفع على مصر بشكل مباشر وجدى، وهذا يتطلب أن تكون تكلفة مشروع المحور جاهزة، وخاصة المنطقة اللوجستية والصناعية بشرق بورسعيد، وإذا لم يتوفر التمويل اللازم لعمل المشروع بشكل متكامل فى شمال شرق القناة وجنوبها، فلا داعى لعمل المشروع من الأساس، لأن ذلك سيكون مطمع لاستحواذ الشركات الأجنبية على أهم موقع بحرى استراتيجى بمصر.
فكر الأولويات
وأشار إلى أنه إذا أصرت القيادة السياسية على تنفيذ مشروع خاص بقناة السويس، فيجب أن تتبع فكر الأولويات، ولكن من الذى يحدد ملامح هذا الفكر إلا المتخصصين فى مجال الموانىء والخبراء فى حركة النقل العالمية، وحذر من تأخر تنفيذ المخطط العام المتخصص بشرق بورسعيد وضرورة البعد عن الإجتهادات الشخصية لغير المتخصصين، وقال أن الشخص المريض الذى يحتاج إلى إجراء عملية جراحية عاجلة، يموت إذا تأخر إجراؤها، مشددا على ضرورة استطلاع رأى المتخصصين.